التقارير

الخاصرة الكردية الهشة واستحقاقات امن جيران العراق

1691 2022-10-25

عادل الجبوري ||

 

   رسائل واضحة وصريحة جدا اطلقتها الجمهورية الاسلامية الايرانية بخصوص التهديد الذي يشكله تواجد فصائل مسلحة معارضة لها على الاراضي العراقية، وتحديدا في اقليم كردستان بشمال البلاد. 

   الرسالة الاولى جاءت على لسان وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان على هامش لقائه وفدا امنيا عراقيا زار طهران مؤخرا برئاسة مستشار الامن الوطني قاسم الاعرجي، حيث قال الوزير، أنّ بلاده "تنتظر من بغداد ألّا يكون تراب منطقة كردستان مكانا للعمليات الإرهابية والتهديدات لإيران، ويجب أن تتحمل كل من بغداد وأربيل المسؤولية الكاملة عن التصدي للجماعات الإرهابية والانفصالية في منطقة كردستان العراق". مؤكدا "أنّ أمن العراق من أمن إيران".

   والرسالة الثانية جاءت على لسان رئيس اركان القوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري، بقوله "لا يمكننا أن نتحمل أبداً وجود ثلاثة آلاف عنصر عسكري، ولديهم مركز لصنع القنابل، خلف جدارنا الحدودي، وسنتصدى لهم عبر كل السبل"، في اشارة الى الفصائل والجماعات الايرانية المعارضة، التي تتخذ ممن الاراضي العراقية في الشمال موطيء قدم لها منذ اعوام طويلة. ويضيف اللواء باقري قائلا، "إن الجيش الإيراني يراقب القواعد الأميركية في منطقة كردستان العراق، وانه يعرف مكان القاعدة الأمیركية في كردستان العراق وعدد قواتها، فإذا اتخذ الأميركان أي إجراء ضد طائراتنا المسيّرة، فسنقوم بالرد بالتأكيد".

    والرسالة الاخرى، تمثلت بالخطاب الموجه الى مجلس الامن الدولي من قبل البعثة الايرانية الدائمة في الامم المتحدة، والتي جاء فيها "ان ايران هي من كبار ضحايا الارهاب طوال اكثر من اربعة عقود، وان الجماعات الانفصالية الارهابية مثل جماعة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجماعات بيجاك وكوملة وباك متواجدة في اقليم شمال العراق وتتخذ من ارض العراق منطلقا للهجمات الارهابية والمسلحة ضد المواطنين والبنى التحتية الايرانية..هذه الجماعات المسلحة التي تصنفها القوانين الايرانية بانها جماعات ارهابية، لديها عدد من مخيمات التدريب على الارهاب داخل الاراضي العراقية وفي اقليم شمال العراق من اجل استعمال وتدريب وتحريض وتخطيط ودعم وتنفيذ الهجمات الارهابية والعمليات التخريبية في داخل الاراضي الايرانية".

   "وهذه الجماعات قامت منذ عام 2016 الى الآن فقط بشن 49 هجوما ارهابيا في داخل الاراضي الايرانية وبالقرب من الحدود، أسفرت عن استشهاد 24 شهيدا و32 جريحا، حيث تفيد المعلومات الموثقة بأن التخطيط والاعداد والتنفيذ لهذه الهجمات جاء من داخل اقليم شمال العراق".  

  والعراق بنظامه السياسي الحالي، يؤكد بأن دستوره يمنع استخدام اراضي البلاد للاعتداء على الجيران او على اي طرف خارجي، بما يهدد امنهم القومي، فضلا عن ذلك فأن مختلف الساسة والمسؤولين الرسميين العراقيين غالبا ما يشددون على رفضهم القاطع ان تكون اراضي بلادهم مقرا او منطلقا للجماعات المسلحة ايا كانت اهدافها ودوافعها ومبرراتها، ولعل مستشار الامن الوطني قاسم الاعرجي تحدث بهذا المعنى من طهران بالقول، "أنّ الدستور العراقي لا يسمح بنشاط العناصر والتيارات التي تهدد أمن جواره، وان الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ستواجهان أي تحرك يستهدف أمن كل من إيران والعراق، واي إجراء يمس أمن إيران سيجابَه بالرد من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، لأنّ العراق يعدّ أمن إيران من أمنه".  

   هذه الرسائل وتأكيدات المواقف والثوابت، ارتبطت بالحملات العسكرية الاخيرة للجيش والحرس الثوري الايراني، التي استهدفت مواقع الجماعات الايرانية المسلحة في داخل الاراضي العراقية، بعد تنفيذها عمليات ارهابية في مناطق ايرانية قريبة من الحدود بين البلدين، ناهيك عن احتمال تورطها بالتظاهرات واعمال العنف التي شهدتها منذ بضعة اسابيع العاصمة طهران ومدن اخرى على خلفية وفاة الشابة مهسا اميني في ظروف قيل انها غامضة، رغم ان الجهات الامنية والصحية والقضائية الايرانية اوضحت كل التفاصيل التي اكدت وفاة الفتاة المذكورة جراء امراض كانت تعاني منها منذ سن الطفولة.

   لم تكن الحملات العسكرية الايرانية الاخيرة ضد الجماعات المسلحة المتمركزة في الاراضي العراقية، الاولى من نوعها، بل انه بين الفينة والاخرى، كانت قوات الجيش او الحرس الثوري، تلاحق تلك الجماعات حيث تتمركز وتتحرك وتنشط.

في حقيقة الامر، يعود تواجد الجماعات الايرانية المسلحة المعارضة لنظام الحكم الاسلامي في ايران على الارضي العراقية الى الاعوام الاولى لانتصار الثورة الاسلامية في ايران ربيع عام 1979، اذ انه بعد اندلاع الحرب بين الاخيرة والعراق، عمد نظام حزب البعث حينذاك الى احتظان الالاف من قيادات وعناصر منظمة ما يسمى بـ(مجاهدي خلق) الايرانية المعارضة، ووفر لها كل الامكانيات العسكرية والمالية واللوجيستية، ليستخدمها اداة في حربه ضد ايران، ولقمع معارضيه فيما بعد. ولم ينتهي وجود تلك المنظمة التي كانت تتمركز بالدرجة الاساس في محافظة ديالى شرق العراق، الا اواخر عام 2011، علما انه في شهر كانون الاول-ديسمبر من عام 2003، اصدر مجلس الحكم المنحل خلال الرئاسة الدورية للراحل السيد عبد العزيز الحكيم، قرارا نص على:

1-طرد عناصر منظمة مجاهدي خلق الارهابية من الاراضي العراقية وخلال فترة اقصاها نهاية العام الحالي-اي عام 2003.

2-غلق مقرات المنظمة ومنع عناصرها من ممارسة اي نشاط لحين مغادرتهم.

3-مصادرة اموالها واسلحتها وضمها الى صندوق التعويضات.

   بيد ان ذلك القرار لم يجد طريقه للتطبيق لتقاطعه مع ارادة واجندة الاحتلال الاميركي في ذلك الوقت.

   واذا كانت منظمة (مجاهدي خلق)، قد تواجدت في العراق بقرار وترتيب وتسهيل من نظام الحكم السابق، فأن جماعات اخرى، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني، وحزب بيجاك(الحياة الحرة)، وحزب الكوملة اليساري، استغلت الظروف غير الطبيعية وضعف سيطرة السلطة المركزية على كل مناطق الشمال، لتنشيء لها وجودات تنامت واتسعت مع مرور الزمن، حالها في ذلك حال حزب العمال الكردستاني التركي المعارض(PKK).

   ولعل خروج اقليم كردستان العراق من قبضة السلطة المركزية في بغداد بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، والصراعات المتواصلة بين القوى الكردية العراقية، مثّلت عوامل اضافية مساعدة اخرى لتوسع وترسخ وجود الجماعات الايرانية المسلحة في العراق، ومن ثم ليتعزز ذلك الوجود بفضل الاحتلال الاميركي عام 2003، وما ترتب عليه من حضور عسكري كبير في اقليم كردستان، الى جانب مظاهر الحضور الامني والاستخباراتي الواسع للولايات المتحدة واسرائيل وغيرهما.

   كل ذلك جعل من الاقليم خاصرة هشة في جسد الجغرافيا العراقية، يسهل النفوذ عبرها واختراقها. وبالتالي تمرير اجندات معينة من خلالها، تستهدف اعداء وخصوم واشنطن وتل ابيب وحلفائهما واصدقائهما في المنطقة والعالم، ولاشك ان ايران تعد في طليعة هؤلاء الاعداء والخصوم، وتدميرها لاحد مقرات جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) في مدينة اربيل قبل حوالي سبعة شهور، ردا على قصف بطائرات مسيرة بدون طيار انطلق من ذلك المقر لمنشات ايرانية في مدينة كرمانشاه الايرانية في وقت سابق، يؤشر الى ذلك.

    قد لايختلف اثنان في ان العمليات العسكرية الايرانية وكذلك التركية في داخل الاراضي العراقية، تشكل انتهاكا للسيادة الوطنية العراقية، وتسبب بأرباك للاوضاع الامنية، واضطراب اجتماعي لاعداد كبيرة من الناس الذين يتضررون جراء تلك العمليات، الا ان عجز الحكومة العراقية الاتحادية عن فرض سلطتها ونفوذها في كل المناطق، ناهيك عن تغاضي السلطات المحلية في اقليم كردستان عن نشاط وتحرك الجماعات المسلحة، اوعجزها عن كبح ذلك التحرك والنشاط، ومنع اتخاذ الاقليم منطلقا لتهديد امن الجيران، اضطر انقرة وطهران للرد، مع الاخذ بعين الاعتبار حقيقة ان طبيعة التعاطي التركي يختلف الى حد كبير عن التعاطي الايراني، فأنقرة باتت مع مرور الزمن تمتلك العشرات من المقرات والقواعد العسكرية الثابتة التي تضم الاف العسكريين في مناطق تمتد مئات الكيلومترات في العراق، وتفصح بأستمرار عن طموحاتها ومخططاتها بضم كركوك والموصل اليها، بأعتبارهما كانتا في يوم من الايام جزءا من اراضي الامبراطورية العثمانية.على خلاف طهران التي تكتفي بشن عمليات عسكرية محدودة ومحددة النطاق والاهداف.  

  وبأستمرار يردد المسؤولون الاتراك والايرانيون في سياق ردهم على ردود فعل بغداد، متى ما توقف وانتهى التهديد لامننا من الاراضي العراقية، فسوف نوقف عملياتنا العسكرية، واخر ما ذكر في هذا السياق، ما اكده  اللواء باقري "ان إيران أبلغت سلطات إقليم كردستان العراق بان الجماعات الإرهابية إمّا أن تتحول إلى أحزاب وفصائل مدنية ويُنزَع سلاحها، وإمّا تبقى إرهابية فيتم ترحيلها". وكذلك كان السفير الايراني السابق في العراق ايرج مسجدي قد صرح تعليقا على تدمير مقر الموساد في اربيل، " لا يمكن أن نتنازل عن أمننا. لقد نبّهنا وحذّرنا مسؤولي إقليم كردستان مراراً وتكراراً، نريد من العراق أن يمنع نشاط الإسرائيليين الذي يستهدف أمننا، لكن إن لم ينجح، فنحن نقوم بذلك".

ويبدو ان المدخل الاساس بالنسبة الى العراق لمنع عمليات طهران وانقرة العسكرية في اراضيه، يتمثل بأنهاء كل مظاهر التواجد العسكري والامني المهدد لامن جيرانه، وهذا لايمكن ان يتحقق ما لم تستعيد الدولة قوتها وهيبتها وهيمنتها بالكامل، وما لم تتعاون الحكومتان الاتحادية والمحلية في بغداد واربيل، وتكون هناك قرارات واجراءات حاسمة وحازمة، واغلب الظن، ان ذلك غير ممكن التحقق على المدى المنظور، لان ازمات ومشاكل العراق الداخلية عميقة وشائكة، وكل واحدة منها تؤثر على الاخرى وتتأثر بها، وهذا ما يفهمه الجيران، ولكن ربما من الصعب عليهم تفهمه اذا هدد وقوض امنهم واستقرارهم.

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك