التقارير

كهرباء العراق بين اجندات واشنطن والارهاب والفساد

1890 2021-07-09

 

عادل الجبوري ||

 

   كما في صيف كل عام، القت ازمة الطاقة الكهربائية بظلالها الثقيلة على ملايين العراقيين، مع تجاوز درجات الحرارة في معظم مدن البلاد حاجز الخمسين درجة مئوية، وربما تبدو الازمة في صيف هذا العام اشدة وطأة واكثر تعقيدا، لانها بدلا من ان تخرج من متاهات التوظيف والاستغلال السياسي السيء، وتتحرر من قبضة الاجندات والحسابات الخارجية-الاميركية تحديدا-فأن هناك من راح يدفع بها اكثر فأكثر الى غياهب مظلمة وانفاق مجهولة النهايات.

   ولعل التصريحات التي ادلى بها مؤخرا الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز الالمانية الشهيرة الرائدة في مجال انتاج وتطوير الطاقة الكهربائية، تؤشر الى جانب من جوهر ازمة الكهرباء في العراق، واسباب عدم حلها رغم مرور ثمانية عشر عاما على سقوط نظام صدام، وانفاق اكثر من ستين مليار دولار على هذا القطاع، ناهيك عن الاموال الطائلة التي انفقها المواطنون العراقيون لشراء الكهرباء من المولدات الاهلية.

   الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز، جو كيزر، قال، "ان الولايات المتحدة الاميركية رفضت للمرة الثانية عمل الشركة لإنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في العراق بصورة كلية"، علما انه في وقت سابق، اكد، "إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حينها مارس ضغوطاً كبيرة على العراقيين لمنح شركة جنرال إلكتريك الأمريكية صفقة تطوير قطاع الكهرباء في العراق".

   وفي وقت لاحق، جددت الشركة الالمانية رغبتها في حل أزمة الكهرباء في العراق، واستعدادها لإنشاء خارطة طريق فنية وإستراتيجية متكاملة لتحقيق التكامل في تجهيزِ الطاقة، وإنهاء أزمة المواطنين بشكل تام، بشرط عدم تدخل السفارة الاميركية.

   ما كشفه رئيس شركة سيمنز، وما صرحت به الشركة، يعكس جزءا صغيرا جدا من خفايا وملابسات كثيرة، تراكمت على مدى عقدين من الزمن، لتوصل الامور الى مستويات خطيرة ومقلقة للغاية، وبالتالي تبدد فرص وامكانيات التوصل الى حلول واقعية مقبولة ومعقولة. 

   بعبارة اخرى، ان ما جاء على لسان كيزر، يؤكد بما لايقبل الشك أن واشنطن باداراتها المتعاقبة على البيت الأبيض طيلة الأعوام الثمانية عشر المنصرمة، كانت وراء بقاء مشكلة الكهرباء على حالها، رغم الأموال الطائلة التي أنفقت على هذا القطاع الخدمي المهم والحيوي في مختلف المجالات.

   صحيح أن واشنطن، تسعى لفرض هيمنة الشركات الأميركية على قطاع الكهرباء في العراق، وتحديدا شركة جنرال الكتريك، المنافسة الرئيسية لشركة سيمنز الألمانية، إلا أن هناك الكثير من الدلائل والمؤشرات التي تثبت أن الولايات المتحدة لو كانت جادة وصادقة فعلا بحل مشكلة الكهرباء في البلاد لفعلت ذلك، سواء خلال فترة الاحتلال العسكري المباشر الممتد حتى نهاية عام 2011، أو فيما بعد، او لكانت سمحت للشركات الاخرى، مثل سيمنز، الدخول على الخط، مثلما فعلت في مصر خلال الاعوام القلائل الماضية.

  وصحيح أن منظومات الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة العراقية، لعبت دورا سلبيا وسيئا في تعميق المشكلة، لكن ما هو واضح للكثيرين هو أن الاميركان يتحملون جزءا غير قليل جراء تفاقمها الى حد كبير, وهناك شخصيات تولت شؤون وزارة الكهرباء وافسدت فيها كثيرا، وفي النهاية هربت إلى الولايات المتحدة، حيث حظيت هناك بالحماية رغم أنها مطلوبة للقضاء العراقي حتى يومنا هذا، حيث انه حينما اصدرت المحكمة الجنائية في شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2006، حكما حضوريا بالسجن لمدة عامين بحق وزير الكهرباء في الحكومة الانتقالية الاولى عام 2004، ايهم السامرائي الحامل للجنسية الاميركية، بتهمة الاهمال واهدار المال العام، اقدمت عناصر من القوات الاميركية على اخراجه من  قاعة المحكمة عنوة، وتسفيره مباشرة الى الولايات المتحدة، ليتولى من هناك ادارة عمليات دعم  وتمويل مجاميع ارهابية مسلحة، تحت مسمى فصائل المقاومة العراقية، والعمل ضد النظام السياسي القائم.     

   ولعل الساسة الاميركان يدركون أن حل مشكلة الكهرباء بصورة جذرية في العراق من شأنه حل ومعالجة كمّ كبير من المشاكل وإعادة الروح للصناعة والزراعة وقطاعات خدمية اخرى، وهذا ما لا تريده واشنطن ارتباطا باحندات وحسابات خاصة.

وبينما خطت شركة سيمنز خطوات جيدة في عام 2020 في مجال عملها لتحسين واقع الطاقة الكهربائية، وفقا لاتفاق ابرمته مع الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبد المهدي في عام 2019، فأن شركة جنرال الكتريك الاميركية لم تفعل شيئا ذا قيمة، رغم انها امسكت بملف الكهرباء بقوة منذ عام 2003، ويشير خبراء بهذا الشأن الى "ان الولايات المتحدة الاميركية دخلت بشركاتها بأهم قطاعين في العراق، وهما الكهرباء والنفط، وحصلت شركة جنرال الكتريك منذ 2003 على ثلاثة عقود رئيسية لسد عجز الكهرباء، بيد انها فشلت وتقاعست بإنهاء أزمة الكهرباء، وعندما توجه العراق إلى شركة سيمنز الألمانية لإنهاء العجز تدخل ترامب بشكل مباشر وأوقف العقد". 

  والموقف الاميركي تجاه شركة سيمنز الالمانية يشبه الى حد كبير الموقف من الاتفاقية العراقية-الصينية التي ابرمت هي الاخرى في عهد حكومة عبد المهدي، الا ان العراقيل والعقبات التي وضعت امامها، جعلت الشروع في العمل بها امرا صعبا وعسيرا.

  الى جانب ذلك، فأن التواجد الاميركي في العراق، سواء على الارض او في الجو، لم يوظف بشكل ايجابي لايقاف الحملات الارهابية ضد ابراج وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، لاسيما في الاونة الاخيرة، حيث تسببت التفجيرات التي طالت عشرات الخطوط والابراج والناقلة، بأنقطاع تام او شبه تام للكهرباء في اغلب محافظات وسط وجنوب البلاد، عندما بلغت درجات الحرارة ذروتها الاسبوع الفائت.

   ولم تفعل واشنطن شيئا، وهي تراقب وتشاهد عن كثب حملات عصابات داعش التخريبية في مناطق شاسعة لايغيب الطيران الاميركي عن سمائها الا نادرا. هذا في الوقت الذي راحت وسائل اعلام محلية وعربية واجنبية، تحمل ايران المسؤولية بسبب عدم تصديرها الغاز المطلوب لتشغيل محطات انتاج الكهرباء، علما ان المسؤولين الايرانيين، اكدوا ان طهران مستمرة بضخ الغاز للعراق، رغم تراكم المستحقات المالية بذمة العراق، وعدم تسديدها وفق الاليات المتفق عليها، واكثر من ذلك، فأن مسؤولين حكوميين عراقيين، ثمنوا التعاون الايراني في تزويد العراق بالغاز للتخفيف من مشكلة الكهرباء.

   في مقابل ذلك، فأن مباحثات ومفاوضات الربط الكهربائي بين العراق وبعض دول الخليج ودول اقليمية اخرى، لم تنعكس على ارض الواقع، رغم  ان جهات سياسية واعلامية مختلفة روجت كثيرا في اوقات سابقة بأن توجه العراق الى دول الجوار العربي كبديل عن ايران سيكون اقل كلفة ويساهم بتوفير موارد مالية كبيرة.

   وفي خضم الصراع والتنافس بين الشركات الكبرى، والاسقاطات السياسية السلبية، والدور الاميركي السيء، والتضليل الاعلامي المتواصل، يبقى الفساد، يمثل احد ابرز الحلقات المؤثرة في تفاقم ازمة الكهرباء، سواء تعلق الامر، بضعف الاجراءات الحكومية المتخذة بحق الفاسدين في مختلف المفاصل، او تعلق الامر، بكونه-اي الفساد-جزءا محوريا من اجندات التعطيل والتخريب السياسية.

   كل ذلك، يمكن ان يبلور حقيقة خطيرة، هي ان بقاء الحال على ماهو عليه، يعني فيما يعنيه، وضع اسوأ الاحتمالات في الحسبان، واستقالة وزير الكهرباء تحت ضغط الشارع، ربما يكون اقل الاحتمالات سوءا، خصوصا وانه مازال امام العراقيين شهرين من الحر اللاهب، التي غالبا ما كانت على طول التأريخ المعاصر والحديث تشهد الهزات والحوادث الكبرى في بلد لم يعرف الامن والاستقرار اليه سبيلا!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك