متابعة ـ ياسر الربيعي ||
الوقتـ بالتزامن مع تطوّرات العالم العربي عام 2011 ، والتي أدّت إلى الإطاحة ببعض الحكومات المحافظة في المنطقة، ومنها السعودية والإمارات، في البداية، كانت هناك الكثير من المحاولات بهدف الحفاظ على الوضع الراهن في البلدان الحليفة ثم إيصال النخب المماثلة لها في التفكير في تلك الدول، وبعد تولّي الملك سلمان السلطة في السعودية انتقل هذا التعاون إلى اعتماد سياسة عدوانية من أجل زيادة تأثير هذا المحور في المنطقة ، ولكن مع مرور الوقت ، يشير الوضع الراهن في المنطقة إلى زيادة نفوذ الإمارات في معظم الملفات بالتزامن مع تراجع ملموس في نفوذ السعودية فيها. عملية يمكن أن تؤدّي الى تصعيد التضارب في مصالح الحليفين السابقين والمتنافسين الحاليين.
انتهجت السعودية سياسة عدوانية لإقامة نظامها الإقليمي المنشود منذ أن أصبح الملك سلمان ملكاً لهذا البلد وخاصة بعد تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد السعودي. في الواقع، كان السعوديون خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك السابق، يعتبرون التطورات الإقليمية تهديداً لمصالحهم الأمنية ووجهات نظرهم المحافظة تماشياً مع تعزيز الموقف الإقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية كمنافس إقليمي قديم لها، بحيث كانوا يرون ميزان القوى يتغيّر لمصلحة محور المقاومة. في الوقت الراهن، يرى الجيل الجديد من النخبة السياسية الحاكمة، التي ليس لديها الخبرة الكبيرة والكافية في السياسة، أن الحل يكمن في المواجهة الشاملة مع الحركات الإقليمية عبر الوسائل العسكرية والدعاية والإرهاب وخلق الفوضى والحرب.
وفي هذه الظروف، كان يتمّ تنفيذ معظم خطط السعودية المزعزعة للاستقرار على المستوى الإقليمي بدعم من الإمارات، وكان البلدان يحاولان بشكل عملي إنشاء تحالف ثنائي لتحقيق أهدافهما الإقليمية، ومع ذلك، شهدنا منذ بداية حرب اليمن من قبل التحالف السعودي، الذي كانت أركانه الرئيسة في الواقع الإمارات والسعودية، ظهور بعض التناقضات في سياسات البلدين.
ومع مرور الوقت، تحوّل الملف اليمني الى نقطة تشعب في سياسات الرياض وأبو ظبي ، فبينما لم تأخذ السعودية في الاعتبار في حساباتها الأولية إطالة أمد الحرب، واجهت العديد من الصعوبات. وفي هذا الصدد، ظهر العديد من العوامل التي قللت من قدرة السعودية على المناورة في هذا الملف:
1. أدت إطالة أمد حرب اليمن إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري السعودي، وواجه هذا البلد ، الذي ظن أن الحرب لن تستمر اكثر من شهر واحد، حرباً استمرت لعدة سنوات وحتى يومنا هذا.
2 ـ تضررت بشدة سمعة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، الذي كان وزيراً للدفاع في بداية حرب اليمن، وتراجعت مصداقيته بقوة على المستوى الداخلي وداخل العائلة المالكة بسبب مسؤوليته المباشرة عن هذا الملف وعدم تحقيق نتائج تذكر في هذه الحرب.
3. الضغط الدولي لوقف الحرب في اليمن، التي نشهد فيها إبادة جماعية كبيرة، يقلل باستمرار من قدرة السعودية على المناورة في هذا الملف.
4. كما أنّ الانقسامات الداخلية بين الأمراء السعوديين والعائلة المالكة، الذين أرادوا الإطاحة بمحمد بن سلمان من منصب ولي العهد ، تزيد من عمق المشكلات التي واجهت السعودية.
5. في حين أن قاعدة التأثير الإقليمي للسعودية تعتمد إلى حدّ كبير على المساعدات المالية الناجمة عن عائدات النفط الضخمة، فمن الطبيعي الآن بعد ظهور أزمة النفط العالمية والانخفاض الحاد في سعر هذه السلعة، التي لها الكلمة الأولى والأخيرة في الاقتصاد السعودي، توقع انخفاض التأثير الإقليمي لهذا البلد. بينما سيتمكّن الإماراتيون الذين لا يعتمدون كثيراً على عائدات النفط من جذب شركاء السعودية الاقتصاديين والسياسيين.
كل هذه العوامل دفعت الرياض إلى إعطاء الأولوية لحلّ المشكلات الداخلية، خاصة تلك التي كانت تضعف أسس النظام الملكي المستقبلي لابن سلمان ، فهذا العامل قلل من قدرة الرياض على التحرك في الملفات المهمّة في المنطقة.
في غضون ذلك، عزّزت الإمارات، التي يبدو أنّها سعت منذ البداية في ظل التحالف مع السعودية إلى تحقيق أهداف مختلفة عن السعودية في بعض القضايا، كما عزّزت وجودها في المنطقة وأبرزت دورها في معظم الملفات المهمة، وفي هذا الإطار، تحاول أبو ظبي ، بناءً على تعريف بعض الاستراتيجيات الأساسية، زيادة تأثيرها في العلاقات الإقليمية:
1. تعزيز العلاقات مع مصر للتأثير على معادلات المنطقة، خاصة في شمال إفريقيا، لذلك نفّذت أبو ظبي استثمارات كثيرة في مصر، وهو ما يتّضح من خلال دور أبو ظبي في بناء قاعدة برنيس العسكرية في مصر. وبناءً على ذلك، يمكن ملاحظة حضور الإمارات القوي في الملف الليبي أيضاً في خفايا العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي.
2. تعزيز العلاقات مع الدول المتشاطئة للبحر الأحمر بالتزامن مع تنفيذ خطط أبوظبي في اليمن ، حيث تم تصميم هذه الاستراتيجية بهدف وصول الإمارات العربية المتحدة إلى المناطق الاستراتيجية في الجغرافيا السياسية للمنطقة. فالمثال البارز لذلك هو محاولات الامارات للسيطرة على الجزر المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب.
3. إن استراتيجية تخطّي السعودية في عملية تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني وكسب موقع مركزي في هذا الشأن، والتحركات الأخيرة للإمارات ومواقف مسؤوليها، تثبت بوضوح أن أبو ظبي قد تبنت هذه الاستراتيجية.
في المحصلة، تحاول الإمارات من خلال استغلال تراجع قدرة السعودية على التأثير على العلاقات الإقليمية نتيجة لمشكلاتها الداخلية والضغوط الدولية، اعتماد بعض الاستراتيجيات وابراز دورها في المنطقة خاصة في الملفات المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha