عادل الجبوري ||
في مثل هذه الايام قبل ستة اعوام، كان المشهد العراقي العام محتدما بأحداث ووقائع متسارعة ومفاجئة ومربكة الى حد كبير، ففي صبيحة العاشر من شهر حزيران-يونيو من عام 2016 استفاق العراقيون على انباء اجتياح تنظيم داعش الارهابي لمدينة الموصل ومدن ومناطق اخرى، وبعد يومين، نفذت عصابات داعش، مدعومة بأفراد من بعض العشائر، جريمة بشعة ومروعة، تمثلت بقتل اكثر من الف وسبعمائة شاب من طلبة كلية القوة الجوية بقاعدة سبايكر في مدينة تكريت، والقاء جثثهم في مياه نهر دجلة، وبعد يوم واحد او يومين اصدرت المرجعية الدينية في النجف الاشرف فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة داعش.
هذه الاحداث او المحطات الثلاث، هي من رسمت وصاغت المسارات والصور والحقائق اللاحقة، التي راحت مصاديقها تتبلور وتنضج وتتجلى يوما بعد اخر، لتصل الى الايذان بنهاية وهزيمة تنظيم داعش اواخر عام 2017، والقاء القبض على معظم المتورطين بأرتكاب جريمة سبايكر، وقبل ذلك تحول الحشد الشعبي من الحالة التعبوية التي فرضتها ظروف طارئة الى حالة مؤسساتيه حاضرة وفاعلة ومؤثرة في مختلف الساحات والميادين.
ولاشك ان هناك عوامل وظروف داخلية داخلية وخارجية ساهمت في ايجاد داعش وتمكينه من احتلال مدن ومناطق عديدة في غضون فترة زمنية قصيرة، ولان المرجعية الدينية استشعرت خطورة تداعيات الامور، لذا فأنها سارعت الى اصدار فتوى الجهاد الكفائي بعد ثلاثة او اربعة ايام من اجتياح الموصل، في ذات الوقت، كان التوقيت المبكر جدا لجريمة اسبايكر شيئا مناسبا من باب (رب ضارة نافعة) بأعتبار انه كشف عن النزعة الاجرامية والدموية لذلك التنظيم الارهابي ومن كان يقف وراءه، تمويلا وتشجيعا وتخطيطا وتحريضا.
ورغم ان عصابات داعش ارتكبت فيما بعد الكثير من الجرائم ضد ابناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم واديانهم وعقائدهم، الا ان مجزرة سبايكر كانت الاكثر دموية والاشد اجراما ووحشية، وقد اشرت منذ وقت مبكر-كما اشرنا انفا-وبكل وضوح الى طبيعة النهج الاجرامي لداعش وقبله تنظيم القاعدة وكل الجماعات والتنظيمات الارهابية التي تبنت ذات النهج واستخدمت نفس الادوات والوسائل والاساليب في تنفيذ سياساتها واجنداتها ومشاريعها ومخططاتها الاجرامية.
ولايختلف اثنان في ان الاثار النفسية والمعنوية التي خلفتها تلك الجريمة المروعة، في نفوس ذوي الضحايا كانت كبيرة وعميقة جدا، ولعله من الصعب جدا ان تنمحي خلال وقت قصير، وحسنا فعلت الجهات المعنية في ذلك الحين حينما شكلت لجنة خاصة لمتابعة شؤون ذوي شهداء مجرزة سبايكر، فضلا عن الخطوات والمبادرات الاخرى التي قامت بها، وكذلك تلك التي قامت بها المؤسسات الدينية، لاسيما المرجعية الدينية والحوزة العلمية، وهيئة الحشد الشعبي لتخليد تلك الفاجعة من جانب، وتكريم ضحاياها ورعاية ذويهم من جانب اخر.
وارتباطا بطبيعة ومستوى المخاطر والتحديات التي استدعت تأسيس الحشد الشعبي، من خلال فتوى الجهاد الكفائي، فأنه قد لايخفى على المراقب، وعموم الرأي العام، ان هناك ثلاثة عوامل ساهمت في ان يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وان يتنامى حضوره الميداني من خلال انجازات وانتصارات عسكرية مشرفة، الى جانب دوره في الجوانب الانسانية والخدمية المتنوعة، وهذه العوامل الثلاثة تمثلت بفتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتفاعل الجماهيري الواسع من مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، دون اقتصارها على عنوان ديني او مذهبي او قومي او مناطقي واحد.
ولعل الاطار المرجعي "فتوى الجهاد الكفائي" الذي تأسس الحشد على ضوئه، هو ذاته الذي حدد طبيعة سلوك ودور ومكانة وموقع الحشد بعد التخلص من عصابات داعش، مع الاخذ بعين الاعتبار ان اقرار قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2016، وضع النقاط على الحروف، وأجاب على تساؤلات واستفهامات عديدة، وبدّد قدرا غير قليل من المخاوف والهواجس المثارة من هنا وهناك.
وما يلفت الانتباه منذ البواكر الاولى لتأسيس الحشد وحتى الان، هو انه بينما واصل الاخير حضوره الفاعل والمؤثر في شتى الميادين والساحات، لم تتوقف حملات التشوية والاساءات ضده من قبل بعض الدوائر السياسية والاعلامية المخابراتية الخارجية الاقليمية والدولية، مع جهات داخلية متماهية معها ومنساقة ورائها، والتي بدت انها وجها اخر للاستهداف العسكري المسلح طيلة مرحلة الحرب ضد داعش، وقد توجت حملات الاستهداف هذه بأغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشهيد ابو مهدي المهندس ومعه قائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني الذي كان قادما للعراق بمهمة رسمية من قبل الحكومة الايرانية، عبر ضربة صاروخية اميركية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من شهر كانون الثاني-يناير الماضي، علما انه قبل ايام قلائل من ذلك التأريخ كانت طائرات اميركية قد ضربت مقرات للحشد في منطقة قرب الحدود العراقية-السورية، وتسبب ذلك باستشهاد واصابة العشرات من منتسبي الحشد، لتشكل تلك الاحداث حافزا ودافعا اضافيا لتصاعد المطالبات السياسية والشعبية بأنهاء التواجد الاجنبي في العراق، الذي بات يعد اولوية تتصدر قائمة اولويات الجماهير والمرجعية والنخب السياسية والمجتمعية المختلفة.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha