التقارير

الرؤية العراقية للثورة الاسلامية الايرانية

2351 2019-02-14

  عادل الجبوري   ظروف وعوامل كثيرة، جعلت الثورة الاسلامية الايرانية بزعامة اية الله العظمى الامام الخميني، ترتبط بالواقع العراقي، بجوانبه وابعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والعقائدية، سواء بالنسبة للمرحلة التي سبقت انتصار الثورة، والممتدة منذ نفي الامام الخميني خارج ايران، في عام 1964 وحتى عودته اليها في عام 1979، او بالنسبة للمرحلة التي اعقبت انتصار الثورة. ولعل مظاهر القمع والاضطهاد السياسي والنزعات الديكتاتورية الاستبدادية لنظامي الحكم في كل من طهران وبغداد قبل الثورة، تعد من ابرز واهم عوامل الارتباط بين الاخيرة والواقع العراقي. ويتجلى ذلك العامل بصورة اكبر، حينما تتمثل اسباب ودوافع القمع والاضطهاد السياسي، بالنهضة الاسلامية، والوعي الديني، اللذان شكلا الركنين الاساسيين للثورة الايرانية. والعامل الاخر، تمثل بوجود الامام الخميني في العراق، لمدة اربعة عشر عاما، وتصديه ومواصلته لحركة المعارضة ضد نظام الشاه، واكثر من ذلك نشاطه السياسي الثوري، الذي كان يستهدف فيه منظومات الظلم والطغيان والانحراف اينما وجدت. وفي الوقت الذي، ساهم الامام الخميني من النجف الاشرف مع شخصيات دينية وعلمائية كثيرة، في مقدمتها اية الله العظمى المفكر الشهيد محمد باقر الصدر، في صياغة وبلورة منهجية الثورة الاسلامية بأطارها الواسع والشامل، فأنه اصبح في دائرة الاستهداف، ليس من قبل نظام الشاه فحسب، وانما من قبل نظام الحكم في العراق حينذاك، والذي ارغمه في نهاية المطاف على البحث عن منفى اخر. وبعد الانتصار التأريخي الكبير للثورة الاسلامية، برز العامل الاخر لارتباط الثورة بالواقع العراقي، متمثلا بالدعم والاسناد اللامحدود من قبل نظام الحكم الجديد في ايران للشعب العراقي في نضاله ضد النظام الديكتاتوري البعثي، ذلك الدعم والاسناد الذي كان له الاثر الواضح والملموس في تقوية وتعزيز ارادة الشعب العراقي، وفي اضعاف النظام الحاكم، وبالتالي التهيئة والتمهيد لاسقاطه بمساعدة القوى الدولية، التي لم يعد بأمكانها الدفاع عنه ومساندته. بعبارة اخرى، مثلت تلك الثورة واحدة من عناصر ومقومات مسيرة نضال العراقيين للخلاص من الديكتاتورية والاستبداد، فهم منذ وقت مبكر رأوا فيها نموذجا يحتذى به، كنظرية وفكر وسلوك وممارسة، وكان مفجر الثورة، الامام الخميني ملهما للكثير من العراقيين الذين انخرطوا في العمل السياسي والجهادي، حتى من غير اصحاب التوجه الاسلامي. وفي كل تلك المحطات وما بعدها-التي تمثلت في جانب مهم منها بدعم ايران للعملية السياسية الديمقراطية في العراق بعد عام 2003، ومساعدتها العراقيين بالتصدي للعدوان الداعشي على بلادهم في صيف عام 2014-كانت مسيرة العلاقات والروابط بين بغداد وطهران تترسخ اكثر فأكثر، وتتحدد مساراتها الصحيحة والصائبة، وتنعكس مصاديقها العملية على ارض الواقع. وازاء ذلك فأنه من الطبيعي ان ترى نخب سياسية ودينية وثقافية عراقية في الثورة الاسلامية الايرانية، بأنها مثلت بداية عصر جديد، تمثل بالعودة الى الاسلام، وان انتصارها ارتكز على ثلاثة أسس متينة، هي الإسلام والشعب والعلماء، وهي بالتالي اعادت للامة الاسلامية هويتها. وان الصحوات التي حصلت في العالم كانت امتدادا لتلك الثورة، وان ما حصل من رفض للاستبداد والاستكبار وكسر لشوكة الكيان الصهيوني هو الاخر امتداد لها. ولاشك ان الكثيرين، حينما ينظرون بعمق وموضوعية الى الثورة الايرانية وهي تكمل عامها الاربعين، وتدخل في العقد الخامس من عمرها، لابد ان يتوقفوا عند عدة حقائق، منها: -ان تلك الثورة استطاعت مواجهة وتجاوز تحديات كبيرة وخطيرة طيلة عقودها الاربعة، من حروب عسكرية، وضغوط سياسية، وعقوبات اقتصادية، وتسقيط وتشويه اعلامي، ونجحت في البقاء والصمود، بل واكثر من ذلك اكتساب المزيد من نقاط وعناصر القوة. -انها تمكنت من بناء نظام سياسي متميز، يختلف في الكثير من خصوصياته وميزاته عن الانظمة السياسية القائمة في المحيط الاقليمي وفي عموم المجتمع الدولي. -زاوجت وبقدر كبير من النجاح بين اليات ومناهج وسياقات المفاهيم السياسية المعاصرة، كالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وحرية التعبير والعمل السياسي، وبين قيم ومباديء الدين الاسلامي التي شكلت هويتها الاساسية. -استطاعت التوفيق بين الثوابت الوطنية والدينية ومصداقية الشعارات التي رفعتها وتبنتها من جهة، وبين المصالح السياسية والاقتصادية التي يفرض الواقع الاهتمام بها وعدم اهمالها في ظل واقع اقليمي ودولي لايحتمل انعزال وانكفاء أيا من مكوناته، من جهة اخرى. ولعل مراجعة سريعة لاحداث ووقائع الثورة خلال مرحلة مابعد الانتصار، تؤكد الحقائق المشار اليها انفا، اضف الى كونها تكشف عن حكمة تعاطيها مع العراق، وتمييزها بين نظام استبدادي ظالم، وشعب مظلوم مضطهد. وبينما لم تكن الثورة الايرانية قد تجاوزت عامها الاول الا بأشهر قلائل حتى وجدت نفسها في مواجهة عسكرية طاحنة مع نظام صدام، وبتوجيه وتحريض ودعم واسناد من اطراف وقوى دولية واقليمية، وقد توقع الكثيرون ان تؤدي تلك المواجهة الى افشال الثورة والقضاء عليها، بيد ان الامور سارت بأتجاهات اخرى تماما. وبينما افترض البعض-او الكثيرين – ان النهاية التي الت اليها حرب الثمانية اعوام، كانت انتصارا لنظام صدام وهزيمة للثورة الايرانية وزعيمها الامام الخميني، فأن الواقع لم يكن كذلك بالمرة، لان الارقام والمعطيات والحقائق كانت تشير الى عكس ذلك بالمرة. وبعد النجاح في اجتياز جملة من التحديات والمؤامرات الخطيرة، فأنه لم يكن بعيدا –او غائبا-عن اذهان اصحاب القرار ان تدعيم البناء الداخلي لايمكن له ان يتم وبصورة سليمة من دون تواصل مع بيئة اقليمية ودولية متشابكة المصالح والاتجاهات والاجندات، والتحرك وايجاد مواطيء قدم فيها على ضوء المصالح والاجندات والحسابات الوطنية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، مع عدم التفريط بالثوابت والمباديء والمنجزات المتحققة على ارض الواقع. ولاشك ان الجهورية الاسلامية الايرانية نجحت الى حد كبير جدا في بناء علاقات متوازنة مع محيطها الاقليمي رغم اجواء ومناخات الحروب والصراعات الدموية، وكذلك نجحت في بناء علاقات متوازنة مع مختلف اطراف المجتمع الدولي، سيما المهمة منها كألاتحاد الاوربي واليابان وروسيا والصين، واضطلعت بأدوار ايجابية في معالجة ازمات ومشكلات غير قليلة، ونجحت في احباط كثير من المؤامرات والمخططات الهادفة الى زعزعة استقرارها الداخلي، واقحامها في دوامة صراعات مع هذا الطرف او ذاك لاضعاف قدراتها وامكانياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وكل ذلك، كان وما زال له الاثر الكبير في تدعيم جهود ومساعي مكافحة الارهاب ودفع شروره عن المنطقة، لاسيما سوريا والعراق، وفي الحؤول دون تمرير المشاريع والاجندات الاميركية-الصهيونية، التي يراد من ورائها رسم خرائط جديدة، تغيب فيها دول، من بينها العراق، بعد ان يصار الى تشضيتها وتقسيمها، وبث الخلافات والفتن القومية والطائفية والدينية والعنصرية بين مجتمعات تلك الدول.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك