جمال كامل
شهدت المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا خلال الايام القليلة الماضية تطورات متسارعة، جعلت بعض المراقبين يعتقدون ان تغيرا ما قد طرأ على المزاج التركي، او مزاج اردوغان بشكل خاص، ازاء الحرب المفروضة على سوريا منذ اربعة اعوام، الا ان الحقيقة ليست كذلك بالمرة، فاردوغان مازال على موقفه القديم من هذه الحرب، وان كل ما يجري الان يندرج في اطار هذا الموقف.
من يعرف طبيعة اردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية، من الصعب ان من يقتنع بالرواية الاردوغانية حول اسباب التدخل العسكري التركي في سوريا، عبر قصف مواقع “داعش” وحزب العمال الكردستاني في العراق. وصعوبة الاقتناع لا تتأتى من العداء لسياسة تركيا او من العناد، من طبيعة الاسباب التي تظافرت مع بعض لتدخل تركيا اردوغان في “حرب مع داعش”، وفي نفس الوقت مع الاكراد، الاتراك والسوريين، على حد سواء.
المعروف ان الذريعة الاولى التي تذرعت بها القيادة التركية كانت حادثة مقتل جندي تركي في تبادل اطلاق النار على الحدود مع سوريا، اما الذريعة الثانية، فكانت حادثة تفجير “داعشية” نفسها في وسط تجمع لاكراد تركيا وطلاب يساريين في مدينة سوروتيش الكردية تضامنا مع بلدة عين العرب (كوباني)، والتي اسفرت عن مقتل 32 شخصا وجرح المئات.
حادث مقتل جندي على الحدود مع سوريا، لو ولن يكون سببا مقنعا من ان يدفع تركيا بالتورط بهذا الشكل الواسع في الحرب المفروضة على سوريا، كما ان تفجير سورويتيش كان في صالح حزب العدالة والتنمية من الالف الى الياء، حتى ان المعارضة التركية اتهمت الحكومة بانها تقف وراء التفجير للانتقام من الاكراد واليساريين، ولاظهار نفسها بانها ايضا مستهدفة من “داعش” شأنها شأن الدول الاخرى، وابعاد شبهة التواطؤ مع “داعش”.
التغيير السريع في الموقف التركي من الحرب المفروضة على سوريا، مثل اعلان الحرب على “داعش” وقصف بعض مواقع هذا التنظيم التكفيري داخل سوريا، وخاصة على الحدود مع تركيا، بعد ان كان التنظيم يعمل بحرية كاملة في الاراضي التركية تحت رعاية الاستخبارات التركية، وباعتراف المدعي العام التركي الذي تولى قضية شحنة الاسلحة التركية الى “داعش” والتي كشفت عنها الصحافة التركية، هذا التغيير جاء بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققتها “وحداث حماية الشعب”الكردية في سوريا، والتي انتهت بطرد “داعش” من مئات الكيلومترات على الحدود مع تركيا، وخاصة بعد سيطرتها على مدينة تل ابيض، فهذه الانتصارات هي التي دفعت تركيا للانخراط في التحالف الدولي ضد “داعش” الذي تقوده امريكا، ولكل يبدو ان اهدف تركيا تختلف كثيرا عن اهداف التحالف.
لم تتحرك تركيا ولم تستفز ولم تشعر بان امنها القومي في خطر، عندما كانت حليفتها “داعش” تسرح وتمرح على حدودها وخاصة في المناطق الكردية، الا ان المشاعر القومية لدى اردوغان تفتقت بعد ان نحج الاكراد من طرد حليفتها من عين العرب (كوباني) ومن تل ابيض والعديد من البلدات والقرى التركية، وخاصة الانتصارات حققها الاكراد مع الجيش السوري على التنظيمات التكفيرية في الحسكة، كل هذا الامر دفع اردوغان ل”اعلانها عثمانية ناصعة” عبر انتهاكه للهدنة بين نظامه وحزب العمال الكردستاني، ومحاولته اليائسة لاعادة العمل على تحقيق حلمه في ايجاد منطقة عازلة في الشمال السوري على حساب الاكراد والحكومة السورية، تكون نقطة انطلاق ل”المعارضة السورية” وعلى راسها “داعش” و “جبهة النصرة” والتنظيمات التكفيرية الاخرى، للهجوم على حلب، عقدة النقص الرئيسية لدى اردوغان، ومن ثم الضغط على الجيش السوري، للوصول الى اسقاط الحكومة السورية، حلم اردوغان الاثير، الذي تحول الى كابوس يؤرقه خلال الفترى الماضية.
البعض يرى ان تركيا ستتورط في سوريا، كما تورطت السعودية في اليمن، فجميع الوقائع على الارض لن تكون في صالح اردوغان، الذي يحاول اتخاذ “داعش” حصان طروادة للدخول الى سوريا، وضرب الاكراد هناك، واقامة منطقة عازلة، والعمل على تعزيز قوة ونفوذ “داعش” في الشمال السوري، ومحاولة ابتلاع حلب، للوصول الى اسقاط الحكومة السورية، فهذه الاهداف لا يمكن ان يراها اردوغان الا في الاحلام، فحتى اقرب واقوى حلفائه، مثل امريكا، لا توافقه على هذه الاهداف، لا حبا بسوريا ولا بغضا باردوغان، بل لاستحالة تحقيقها على الارض، ولكن عقلية اردوغان مازالت ترفض الاعتراف بالفشل وصعوبة تنفيذ كل ما يتمناه، كما هو حال القيادة السعودية التي مازلت تتحدث عن انتصارات وهمية فيما طائراتها الجبانة ترتكب كل يوم مجازر وحشية يندى لها جبين الانسانية ضد الشعب اليمني العربي المسلم.
البعض يرى ان اردوغان يعي ان ما يسعى لتحقيقه في سوريا يعتبر ضربا من الخيال، لذلك يعتقدون ان اردوغان يحاول من خلال حملات الدهم ضد من يعتبرهم ارهابيين، والقمع البوليسي ضد المتظاهرين، وتوجيه ضربات جوية وبالمدفعية على مواقع الاكراد في العراق و “داعش” في سوريا، اشعار الاتراك انهم مقبلون على الفوضى وانعدام الامن، الامر الذي سيلقي ظلالا من الرعب والخوف على الشعب التركي، الذي سيجعل من الهاجس الامني اهم مطلب له في الفترة القادمة، ومن هذه الحالة المصطنعة سيسعى اردوغان الحصول على اغلبية في الانتخابات المبكرة التي ينوي اجراءها قريبا، بعد عرقلته تشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة .
كل هذه الحقائق تفضح اكذوبة اردوغان في اعلان الحرب على “داعش”، فإردوغان، وخلال السنوات الاربع الماضية وضع سمعة تركيا على كف عفريت عبر تحالفه مع “داعش” والمجموعات التكفيرية، بعد ان وضع كل امكانيات تركيا في خدمتها، بهدف اسقاط الحكومة في سوريا، وتفتيت سوريا وتشريد شعبها خدمة للمشروع الصهيوامريكي، لذلك من الصعب على المرء ان يتصور ان اردوغان قد يطلق النار على قدميه.
نقلاً عن موقع شفقنا
https://telegram.me/buratha