التقارير

باريس والدخول من البوابة الخطأ..!..فرنسا تتخبط في متاهات الشرق الأوسط!

2016 12:45:25 2015-06-03

بغداد ـ عادل الجبوري  منذ اندلاع الازمة السورية قبل اكثر من اربعة اعوام، وفرنسا تحاول جاهدة ان تجد لها موطىء قدم حقيقي في المنطقة، بعد مرور عقود طويلة على انحسار دورها وانكماش حضورها، وانكفائها على نفسها في ظل هيمنة قوى عالمية اخرى.
   قررت باريس ان تدخل بقوة الى المنطقة من البوابة السورية، مستفيدة من الفوضى العارمة التي شهدتها المنطقة العربية بعد تفجر ما يسمى بثورات الربيع العربي اواخر عام 2010.
   وراحت باريس تتسابق مع عواصم دولية واقليمية عديدة مثل واشنطن وانقرة والدوحة والرياض على تبني ودعم المعارضة السورية الساعية لاسقاط النظام القائم بزعامة الرئيس بشار الاسد، وقد احتضنت باريس عدة اجتماعات ومؤتمرات علنية وسرية للمعارضة السورية ذات التوجه العلماني، المنضوية تحت عنوان "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، الذي تشكل في عام 2011 بمدينة اسطنبول التركية، وكان لباريس دور وتأثير كبيران في اختيار الذين تصدوا لزعامة ذلك الائتلاف، بدءا من الاستاذ الجامعي برهان غليون، مرورا  بجورج صبرا، وصولا الى عبد الباسط سيدا.     

   ولم يكتف الساسة الفرنسيون بالدعم والتبني السياسي لجماعات وشخصيات من المعارضة السورية، وانما قدموا الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي، بيد ان الرياح لم تأت بما تشتهي سفن باريس، فنظام الرئيس الاسد نجح في الصمود والبقاء، وذهبت محاولات وطموحات اسقاطه أدراج الرياح، وقوى المعارضة دخلت في صراعات فيما بينها وصلت الى استخدام السلاح خلال معارك طاحنة استنزفت مختلف الاطراف، وما حصلت عليه من دعم وتمويل من انقرة وواشنطن وباريس والدوحة والرياض وربما عواصم اخرى، لم يأت بالنتائج المرجوة.
   كل ذلك وغيره، فضلا عن تسارع وتيرة الاحداث في المنطقة، دفع باريس الى البحث عن ميدان آخر–او ميادين اخرى-وطبيعي ان العراق في ظل ظروفه الامنية القلقة، والتجاذبات والتقاطعات السياسية بين مكوناته، أغرت باريس في الاقتراب منه من بوابة "العنوان الطائفي". حيث راحت تمد الخيوط وتُنشئ القنوات مع شخصيات سياسية وعشائرية ودينية "سنية" من داخل العراق وخارجه، وتهيئ لمؤتمرات وملتقيات لرموز وممثلي المكون السني.
   ومنذ سيطرة تنظيم "داعش" على محافظة نينوى صيف العام الماضي، تحركت باريس بعدة اتجاهات لتعزيز حضورها في المشهد العراقي.
  فهي من جانب انخرطت في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية لمواجهة "داعش" في العراق، وساهمت بسلاحها الجوي في ضرب اهداف محددة لذلك التنظيم في شمال العراق، وساهمت من جانب اخر في تقديم معونات انسانية للنازحين من المناطق الساخنة، وكذلك فتحت ابوابها لاستقبال اعداد غير قليلة من المسيحيين العراقيين الهاربين من بطش "داعش".

   في الوقت ذاته، كان خطابها السياسي والاعلامي الرسمي، وحتى غير الرسمي، يتمحور حول مظلومية المكون السني وضرورة رفع الحيف والظلم عنه واشراكه بصورة حقيقية في العملية السياسية.
   واخر ما جاء بهذا الشأن ما قاله وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس امام الجمعية الوطنية، مستبقا زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لفرنسا ومشاركته في المؤتمر الدولي الثاني لمواجهة تنظيم "داعش"، اذ وجه فابيوس انتقادات واضحة للحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي، مشيرا الى انه "لا يوجد حل عسكري في العراق دون حل سياسيي، وان فرنسا ربطت في شهر سبتمبر-أيلول الماضي انضمامها إلى التحالف العسكري ضد داعش بـتنفيذ الالتزامات السياسية التي أطلقتها الحكومة العراقية والتي تعني بالنسبة إلينا سياسة حاضنة لجميع الأطراف، ونؤكد بكل وضوح هنا إن هذا العقد بيننا وبين الحكومة العراقية يجب أن يحترم من الآن فصاعدا بشكل أفضل".
   وانطلاقا من ذلك اخذت باريس تتواصل مع شخصيات ورموز سياسية وعشائرية ودينية سنية عراقية، كما اشرنا انفا.
   وقبل ذلك فإنها ارادت ان تبعث برسالة قوية وواضحة عن دورها وحضورها في المشهد العراقي، عبر الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند الى العراق في الثاني عشر من شهر ايلول/سبتمبر الماضي 2014، وقد اطلق هولاند اشارات ايجابية في حينه، حيث اكد "ان العراق يواجه عدوا لا يعترف بالحدود، وهو مجموعة إرهابية أصبح لها اليوم امتدادت على الأرض"، وتعهد بدعم بلاده للحكومة العراقية التي وصفها بـ"ديمقراطية جامعة".

   لكن مراقبين واصحاب رأي رأوا في تصريحات الرئيس الفرنسي، نوعًا من المواقف التي تفرضها السياقات الدبلوماسية، خصوصا وان تلك الزيارة كانت الاولى لهولاند الى العراق.

   ويستند هؤلاء الى ان فرنسا تنطلق في تعاطيها الحقيقي مع الشأن العراقي من عدة منطلقات، او حقائق، من بينها:
-ان طبيعة الظروف والاوضاع العالمية تقتضي ان يكون لها حضور وتأثير ودور في مختلف القضايا والمشاكل والازمات، لا سيما وانها تعد من القوى العالمية الكبرى، وبالتحديد، فإن منطقة الشرق الاوسط التي تعد من اكثر المناطق خطورة وحساسية واهمية في العالم، تفرض على باريس ان تتواجد فيها، ولا تتركها لواشنطن وحدها، ولا تترك موسكو تحصل على مواطئ قدم فيها، وتكتفي هي بالمراقبة والرصد عن بعد.
   ومثلما ترى مراكز دراسات وبحوث "ان الفرنسيين بدأوا بالحديث عن دور إقليمي جديد لهم، انطلاقا من موقف قوي إلى جانب المعارضة ضد نظام الأسد في سوريا، وتمكنوا في الوقت ذاته، في العراق من الحفاظ على قنوات الاتصال مع غالبية الأطراف، أضف إلى ذلك أن تطوير الخليجيين للعلاقات معهم يشكل رسائل الاستياء السعودية للبيت الأبيض. ولم يعد سرا أن فرنسا تلعب دور وسيط بين الفرق السنية المختلفة في هذا البلد، وأنه من الممكن أن تنظم محادثات ولقاءات لهذه الفرق خارج العراق، ولما لا على الأراضي الفرنسية، لخلق توازن حقيقي على الساحة السياسية العراقية يحد من نفوذ تنظيم "داعش" ويمكن أن يساهم في إعادة الاستقرار، وقد لا تنجح هذه الجهود الفرنسية دون مساعدة من القوى التي تورّد الدعم والسلاح للأطراف العراقية".   
-رغم كل المشاكل والازمات التي يعيشها العراق، الا انه يبقى يحظى بالاهمية الاقتصادية والامنية والسياسية بالنسبة لقوى دولية واقليمية مختلفة، فهو بلد نفطي كبير، والشركات العالمية-من بينها الشركات الفرنسية-تتسابق لدخول سوق النفط العراقي، فضلا عن مجالات الاستثمار الاقتصادية الاخرى، والاخرون لا ينظرون الى العراق وهو يئن من وطأة وجود "داعش"، ويغرق في مشاكل الامن والسياسة والاقتصاد، وانما ينظرون اليه من زاوية استراتيجية بعيدة المدى باعتباره سوقا واعدة، وبيئة استثمارية مربحة جدا.

-لفرنسا، كما لغيرها من القوى الدولية الكبار، اصدقاء وحلفاء في المنطقة، وهي تحرص على ارضائهم، حتى لا يبتعدوا عنها من جانب، ومن جانب اخر، لكي تتمكن من ايجاد اسواق لتصدير المنتجات الفرنسية-العسكرية وغير العسكرية- وأحد عوامل ارضائهم هو في تبني مواقف سياسية تنسجم مع مصالحهم، وهذا الامر ينطبق الى حد كبير على منظومة دول الخليج العربية، لذلك فإن الموقف الفرنسي الداعم للمعارضة السورية، والاتجاه لتبني ودعم المكون السني في العراق، والوقوف مع المعسكر العالمي والاقليمي ضد الحوثيين في اليمن، ما هي الا انعكاس لطبيعة حرص باريس على توظيف السياسة لخدمة الاقتصاد، فضلا عن تعزيز الدور والحضور والتأثير.
   وقد وصف سياسيون عراقيون وعرب زيارة هولاند الى العراق العام الماضي بأنها "تسعى الى تحقيق دور فرنسي في العراق في المجالين الامني والسياسي بالاضافة الى تطوير علاقات البلدين في المجالات الاقتصادية، حيث ان فرنسا راغبة لضم العراق الى خارطة دورها الامني والسياسي في الشرق الاوسط الى جانب دورها في كل من سوريا ولبنان، خاصة وانها اتفقت مع السعودية على تنسيق مواقفهما بشأن سوريا ولبنان والعراق، بعد فشل النظام السعودي في سحب الولايات المتحدة الى مواقف لاتخاذ قرارات تخدم الاستراتيجية السعودية في سوريا والعراق".      
   يبقى التساؤل المطروح هو .. هل دخلت باريس الى الملف العراقي من المدخل الصحيح؟.. لا يبدو الامر كذلك أبدًا، لأنها انطلقت من مصالح وحسابات بعضها ضيقة وبعضها الاخر غير واقعية، وانطلقت كذلك من قراءات خاطئة وغير دقيقة للواقع العراقي، وانطلقت من فشل وخيبة امل في "الملف السوري"، وغياب الافق فيما بعد في "الملف اليمني"، وهي اذا كانت قد راهنت على تقريب وتبني المكون السني، لم تدرك ان هذا المكون مشارك اساس في العملية السياسية وادارة شؤون الدولة، ولم تدرك ان الانفتاح على المكون السني بطرق ومسالك ملتوية، يمكن ان يخسرها التواصل مع المكون الشيعي بثقله السياسي والديني والجماهيري، مضافا اليه عمقه الاقليمي.  باريس، او غيرها، حينما تتخبط في متاهات الشرق الاوسط، فإنها بلا شك تخسر اكثر مما تربح، وتدفع اكثر مما تقبض، وهذه هي ضريبة "الدخول من البوابة الخطأ"!. 
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك