التقارير

سياسة العداء لروسيا تفشل على كل الجبهات

1575 18:19:42 2015-04-25

صناعة الاسلحة الروسية تواجه بفعالية الحصار الاقتصادي الغربي صوفيا ـ جورج حداد
منذ فترة غير بعيدة أعلن الرئيس الاميركي باراك أوباما، بزهوِّ من اكتشف الأبجدية، ان "هذه الطريقة - طريقة الحصار الاقتصادي على كوبا - التي لم تأت بنتيجة طوال اكثر من نصف قرن، يجب تغييرها"، وبعد إعلان "الاتفاقية الاطارية" حول البرنامج النووي الإيراني، خرج أوباما مجددا ليصرح أن "طريقة الحصار والمقاطعة الاقتصادية لإيران لتركيعها وتطويعها، لم تأت أيضا بنتيجة!"
والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه في الوقت الراهن: اذا كانت "طريقة" المقاطعة الاقتصادية لم تأت بنتيجة لصالح الغرب الامبريالي، مع كوبا وايران، فكيف هي الحال مع روسيا؟ 
فشل استعمار روسيا بواسطة "الطابور الخامس"
خلال مرحلة غورباتشوف ـ يلتسين، طبق النظام الروسي الليبيرالي حينذاك سياسة الانفتاح على الغرب، بمفهوم سلبي وهو فتح أبواب روسيا على مصراعيها للاحتكارات والعصابات والمافيات الغربية عامة واليهودية خاصة، لنهب روسيا بدون حسيب ولا رقيب، ولإفقار وتجويع الشعب الروسي وتقليصه ديموغرافيا حتى 50 مليون نسمة على الأكثر، حسب سبيغنيو بريجينسكي، ليتم التخلص نهائيا من روسيا كدولة كبرى، وتحويلها الى مستعمرة.
ومع ذلك، وبعد إزاحة الخائن يلتسين وفريقه عن السلطة، فإن القيادة القومية المعتدلة الجديدة لروسيا، بزعامة فلاديمير بوتين، والتي قامت على التآلف وتوحيد الجهود بين قطاعات: الجيش، والمخابرات، والمجتمع الصناعي الحربي، وقطاع الطاقة (النفط والغاز والنووية) والقطاع المالي، نقول ان هذه القيادة القومية المعتدلة، وبعد ان وضعت حدا للاقتحام الغربي ـ اليهودي لروسيا، لم تنتهج سياسة عدوانية تجاه الدول الغربية، بل على العكس تماما انتهجت سياسة انفتاح وتعاون إيجابي مع الغرب، لطي صفحة "الحرب الباردة" السابقة تماما، والعمل المشترك لحل المشكلات التي تواجه العالم في العصر الحديث، كمشكلة حفظ السلام العالمي والحؤول دون تحول أي نزاع إقليمي الى صراع عالمي يحمل في طياته خطر الحرب النووية الشاملة، ومشكلة مكافحة الإرهاب.
وفي هذا النهج الانفتاحي تنطلق القيادة الروسية من الادراك، انه لولا روسيا لما امكن القضاء على النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وانه اليوم بدون روسيا لا يمكن حل أي مشكلة عالمية.  
وبعد أحداث 11 أيلول 2001 في اميركا، وبالرغم من التحفظ تجاه الأهداف الحقيقية لاميركا وانتقاد التعرض للمدنيين، لم تعارض روسيا الحرب الاميركية ضد "القاعدة" في أفغانستان، بل على العكس سمحت للجانب الأميركي باستخدام الأراضي والأجواء الروسية لمرور قوافل الشحنات المدنية والعسكرية الأميركية والجنود الجرحى والمصابين. وفي 2009 استُقبل أوباما في موسكو كـ"صديق قديم" ورئيس "دولة كبرى حليفة" منذ الحرب العالمية الثانية، واتيح له إجراء مقابلات عامة والسير في شوارع موسكو ومصافحة المواطنين العاديين. وأنشئت آلية دائمة لتمثيل روسيا لدى الناتو والاتحاد الأوروبي، وانضمت روسيا الى مجموعة الثمانية الكبار ومجموعة العشرين الكبار، الخ. وانفقت روسيا عشرات مليارات الدولارات لمد انابيب الغاز والنفط نحو أوروبا، ولمساعدة بعض البلدان الأوروبية في بناء او تجديد المفاعلات النووية لانتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة.  
الغرب "يعض" اليد التي مُدَّت إليه
ولكن هذه السياسة الدولية الانفتاحية ـ التعاونية لروسيا لم ترق للأوساط العدوانية الغربية، التي شرعت في تطبيق حملة إرهابية واستفزازية ضد روسيا، لاعتبارها إياها تمثل العقبة الرئيسة أمام الهيمنة الامبريالية الأميركية ـ اليهودية على العالم. وفي هذا السياق جاءت العمليات الإرهابية "الإسلامية المزيفة" ضد روسيا في العقد الأول من القرن الحالي، والتي شملت بعض مدارس الأطفال والمسارح والمستشفيات والمجمعات السكنية المدنية وقطار الانفاق والمطارات. وذهب ضحيتها آلاف المواطنين الروس المسالمين. 
الكتلة الغربية تقع هي نفسها في "الأفخاخ" التي تنصبها لروسيا
وفي العقد الثاني من القرن، حركت الكتلة الامبريالية الغربية ما يسمى "الربيع العربي" في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الدولي، بهدف أساس هو طرد ما يسمى "النفوذ الروسي" في المنطقة، ومحاولة استدراج روسيا الى "فخ أفغاني" جديد في سوريا.
ولكن "الفخ الافغاني" الذي نصبته جبهة الكتلة الغربية والعربية الموالية لها وتركيا و"إسرائيل"، بواسطة ما كان يسمى "المعارضة السورية" و"القوى الديمقراطية العراقية"، لروسيا وحلفائها، وقعت هي فيه. وها هي تلك الجبهة تضطر اليوم للاعتراف ولو إعلاميا بإرهابية "داعش" و"النصرة" وتوابعهما، وبضرورة التفاوض مع النظام السوري، وبحق ايران في امتلاك برنامجها النووي السلمي وحق روسيا بتسليم ايران صواريخ S-300 الروسية.
و"الفخ" الذي تحاول الجبهة "العربية ـ الغربية" ان تنصبه لإيران وروسيا وحلفائهما في اليمن والخليج، ستقع هي فيه أيضا، ولن ينقذها من النتائج الدراماتيكية لهذا الفخ سوى ايران وروسيا وحلفاؤهما.
اما "الفخ الافغاني" الذي نصبته الكتلة الغربية في تونس وليبيا ومصر، فقد حققت فيه بعض النجاحات المؤقتة في ليبيا، ولكنها منذ مقتل السفير الأميركي في ليبيا، بدأت هي نفسها تتخبط في شباك هذا الفخ، وحينما ينفجر غدا الغضب الساطع المضغوط لجماهير الشعب المصري، سيبدأ صرير الاسنان والعويل في "إسرائيل".
النازيون الاوكرانيون في خدمة "الديمقراطية" الأميركية 
وبلغت قمة التحدي والاستفزاز لروسيا في مؤامرة الانقلاب الفاشستي الذي تم في 21 شباط 2014 في كييف، وهو الانقلاب الذي نظمته المخابرات المركزية الأميركية، بالتعاون مع النازيين القدماء أنصار الزعيم النازي الاوكراني "ستيبان بانديرا"، الذي كان حزبه يقاتل الى جانب هتلر في الحرب العالمية الثانية، وارتكبوا المجازر ضد المدنيين في أوكرانيا وبولونيا وبيلوروسيا. وبقدرة قادر تحول أنصار "بانديرا" وهتلر الى "ديمقراطيين" واستبدلوا الأعلام النازية بأعلام الاتحاد الأوروبية والأميركية، وبدأوا باحتلال المباني والمرافق العامة وقتل واحراق المواطنين أحياء في الشوارع والأماكن العامة. بهدف استدراج روسيا الى حرب روسية ـ اوكرانية ولاتهام روسيا بالعدوان على جارتها، وبذلك يحصلون على قرارات "أممية" و"ناتوية" جاهزة ضد روسيا تبرِّر أي عدوان عليها. 
الانتفاضة الشعبية الأوكرانية المعادية للنازية الجديدة
ولكن كل هذا المخطط العدواني فشل فشلا ذريعا، ثم "انقلب السحر على الساحر". اذ ان جميع القطع البحرية الأوكرانية في سيباستوبول وجميع الثكنات العسكرية الأوكرانية في القرم وشرق وجنوب أوكرانيا رفضت توجيه أسلحتها ضد الاسطول الروسي وجماهير الشعب في القرم والدونباس ذي الأكثرية الشعبية الروسية. وانضمت غالبية الضباط والجنود الى جانب جماهيرهم الشعبية، وتركت الحرية للأقلية من الضباط والجنود الذين ظلوا موالين لكييف ان ينسحبوا من الثكنات بدون أسلحة. وشكلت الوحدات البحرية والبرية والجوية المتمردة على الانقلابيين في كييف نواة "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" التي تحولت بسرعة الى جيش شعبي كبير. وأعلنت شبه جزيرة القرم عودتها الى الانضمام الى روسيا، بعد استفتاء شعبي عام. وأعلنت مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك نفسيهما جمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا. 
ومنذ ان أعلنت القرم الانضمام الى روسيا لم يجرؤ أي طرف على توجيه رصاصة واحدة إليها. وطوال أكثر من سنة حاولت المجموعات الفاشستية وقوات الجيش الانقلابية اقتحام "الجمهوريتين الشعبيتين" في دونيتسك ولوغانسك، دون جدوى. بل كانت المجموعات المعتدية كلَّما تجمعت في مكان تتعرض لهجوم مضاد من "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" فتضطر للفرار او التعرض للحصار، ومن ثم يتوسل الطرف الروسي للتوسط لدى "قوات الدفاع الشعبي" لفتح الطريق لها للانسحاب. 
الانتقام من المدنيين
ولتغطية فشلها الذريع اخذت قوات كييف تقصف الأهداف المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور المسنين والملاجئ والمعامل والمناجم والساحات العامة ومحطات القطارات والباصات، مما أوقع أكثر من خمسين ألف قتيل ومئات الاف الجرحى والمعاقين، واضطر أكثر من مليون مواطن اوكراني من شرق وجنوب اوكرانيا للجوء الى روسيا لأجل حماية أنفسهم واطفالهم من القصف الهمجي. وتعطلت تماما الدورة الاقتصادية والحياتية في الدونباس، وفقدت الادوية ومياه الشفة والمواد الغذائية. وهذا ما دفع روسيا لإرسال قوافل متواصلة تحمل مساعدات غذائية وادوية ولوازم حياتية أخرى، لمنع وقوع كارثة إنسانية في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا. 
  دبابات الجيش الروسي
دبابات الجيش الروسي المساعدات الانسانية هي... عدوان!
وكان للمساعدات الإنسانية الروسية أهمية سياسية كبيرة في انها قطعت الطريق امام الفاشست والانقلابيين في كييف للضغط على مقاتلي "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في الدونباس ودفعهم للتنازل عن طريق قتل اهاليهم وحرمانهم من الغذاء والدواء والماء ولوازم الحياة الضرورية خصوصا في فصل الشتاء. وهذا ما أفقد الفاشست والانقلابيين في كييف واسيادهم صوابهم.
واعتبرت هذه الأوساط ان موافقة روسيا على انضمام القرم القانوني وإيوائها اللاجئين الاوكرانيين وتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة، بأنه "عدوان وتدخل في الشؤون الداخلية الأوكرانية". وبناء على هذا الادعاء الكاذب والافترائي، المناقض لكل الأسس والمعايير الإنسانية والأخلاقية والحقوقية الدولية، شنت الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية حملة عنصرية مسعورة ضد روسيا، لم يسبق لها مثيل حتى في أسوأ ظروف "الحرب الباردة" السابقة بين المعسكر الغربي والسوفياتي السابق. 
روسيا ترد بثبات وهدوء على المقاطعة الغربية
ومن اللافت للنظر انه قد انضم الى هذه الحملة المعادية لروسيا جميع القادة الرئيسيين الأوروبيين والأميركيين. وفي ظل هذا الافتراء المزيف، وبحجته، بدأ اتخاذ قرارات "معاقبة" روسيا ومقاطعتها اقتصاديا وماليا. 
وترد روسيا بهدوء وثبات وبشكل فعال على المقاطعة الغربية، على المستويين:
أ ـ المستوى الاجرائي العملاني. وهو الأبرز والأكثر ظهورا للعيان، كقرار منع استيراد المواد الغذائية والزراعية من بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان الداخلة في نظام المقاطعة الغربية لروسيا. وهذا المستوى هو قابل للأخذ والرد والمساومة، تبعا للعلاقة مع كل دولة على حدة، ولحاجات السوق الروسية.
ب ـ المستوى الاستراتيجي العام بعيد المدى، والمتعلق بالخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية العامة للدولة الروسية. وستظهر نتائج هذا المستوى في العقود القريبة في تغيير شامل لوجه الاقتصاد العالمي برمته. وهنا يمكننا القول ان الدولة الروسية كانت حتى بداية "المقاطعة الاقتصادية الغربية" تنتهج سياسة التعاون والتكامل مع الاقتصاد العالمي، ونواته الرئيسة الاقتصاد الغربي (بالمعنى الضيق للكلمة: أي أوروبا وأميركا). ولكن قرارات "المقاطعة الغربية" سببت "صدمة" حقيقية للقيادة الروسية، التي اعتبرت ان "المقاطعة" هي عدوانية وغير مبررة بتاتا وهي تتضمن رفضا مسبقا لسياسة الانفتاح والتعاون بين روسيا والغرب. وهذا ما اقنع القيادة الروسية بأن الدول الغربية هي دول "مريضة" لا تريد الصداقة مع أي بلد او شعب او دولة، ما دفعها لاستبدال استراتيجية التعاون مع الاقتصاد الغربي، بالتوجه نحو إيجاد اقتصاد عالمي رديف.
رفع الدعم عن الروبل: ضربة في الصميم للدولار
من هذه القرارات على سبيل المثال لا الحصر: قرار البنك المركزي الروسي رفع الدعم عن الروبل للمحافظة على سعره بحدود (1 دولار = 30 ـ 35 روبلا) ما أدى إلى نتائج اقتصادية عدة منها: 
أ ـ ان الدولار خسر "زبونا" كبيرا كالبنك المركزي الروسي الذي كان يشتري يوميا مئات ملايين الدولارات لدعم الروبل. 
ب ـ ان أسعار السلع التي مصدرها منطقة الدولار قد تضاعفت بالروبل مما يعني توجيه الشاري نحو السلع الروسية والصينية الخ. غير المسعرة أصلا بالدولار. 
ج ـ ان غالبية السياح الروس والذين يقدرون بعشرات الملايين الذين كانوا يشترون "الدولار الرخيص المدعوم"، صاروا مضطرين الى شراء "دولار ثقيل" وبالتالي التخلي عن السفر الى الخارج او تقليص مصروفاتهم في الخارج.
التعامل بالعملة الوطنية مع الصين وغيرها
ومن ضمن النهج الاستراتيجي الاقتصادي الجديد لروسيا: 
1 ـ الاتفاق مع الصين ان جميع الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدها الرئيس بوتين معها خلال زيارته لبكين في السنة الماضية، بما في ذلك تزويد الصين بالغاز لمدة 40 سنة قابلة للتجديد وبكميات هائلة، كل تلك الاتفاقيات سيكون الحساب فيها بالروبل وباليوان الصيني، وليس بالدولار الأميركي. وتسعى روسيا لتطبيق المبدأ ذاته مع دول صديقة أخرى. 
2 ـ قرار البنك المركزي الروسي بالاتفاق مع البنوك المركزية لدول مجموعة بريكس لتكوين بنك مركزي مشترك لدول البريكس والتوجه نحو إصدار عملة خاصة لهذه الدول تنافس الدولار واليورو في الأسواق والبورصات العالمية.
وغير ذلك من القرارات التي تصب في اتجاه خلق اقتصاد عالمي بديل، مزاحم للاقتصاد الغربي، ويهدف الى تدميره، وتفجير التناقضات الداخلية والخارجية للدول الغربية، وتدميرها، في نهاية المطاف، كدول نشأت بالأساس بشكل استعماري لصوصي معاد لجميع شعوب العالم. 
وقد شملت المقاطعة الغربية لروسيا بالطبع القطاع العسكري، بيعا وشراء. وهذه النقطة هي شديدة الحساسية بالنسبة لروسيا. ونحاول الإضاءة عليها قدر المستطاع، من الداخل اذا صح التعبير، لان غالبية المحللين يأخذون بظواهر الأمور وسطحيتها، وبالنتائج دون المقدمات والأسباب: 
ـ1ـ ان روسيا هي بلد كبير وشاسع، ذو مناخ قاس، ومواصلات طويلة وصعبة، وكثافة سكانية قليلة. وهذا ما جعل الإنتاج مشتتا. فروسيا تنتج كل شيء. الا ان غالبية فروع الإنتاج تبقى ذات طابع "محلي" لا يتجاوز حدود المقاطعة التي يتم الإنتاج فيها. 
ـ2ـ ان كل تاريخ روسيا يتمحور حول عاملين أساسيين: 
الأول ـ مطامع الدول الاستعمارية والتوسعية (من روما القديمة الى اميركا المعاصرة)، والمجتمعات المتوحشة الغازية (كالخزر القدماء، والمغول والتتار والطورانيين)، في غزو روسيا ونهبها واستعباد رجالها واسترقاق نسائها.
والثاني ـ المقاومة الشديدة التي أبداها الروس تجاه الغزاة والمستعمرين. وبهذه الروح القتالية الشرسة استطاعوا حماية أرضهم وأنفسهم وسحق جميع الغزاة الذين دخلوا تلك الأرض.
وقد انعكس هذان العاملان السببيان في نتيجتين منطقيتين تمثلا أولا بالحقد الغربي الدفين ضد روسيا والسياسة العدوانية المتواصلة ضدها وثانيا بالاستنفار الدائم لروسيا لرد العدوان الوشيك، او المفترض، القادم او المؤجل.
روسيا والغرب نقيضان تاريخيان
وهذه الحقائق التاريخية تدخل في صلب السياسة العدوانية الراهنة تجاه روسيا. وقد تبدى ذلك بشكل مثير للاشمئزاز في سياسة "قلب الحقائق" والجحود ونكران الجميل، ومن ثم الافتراءات والمقاطعة والعقوبات ضد روسيا، ردا على مواقفها السلمية والوسائطية والتفاوضية من الازمة الأوكرانية، تماما على طريقة الجحود ونكران الجميل والاتهام بـ "الإرهاب" ضد حزب الله، ردا على وقوفه الى جانب جنود وضباط الجيش وقوى الامن اللبنانية الذين كانوا يقومون بوظيفتهم الأمنية.
التسلح المتطور في رأس أولويات القيادة الوطنية الروسية
وهذه الحقائق التاريخية والمعاصرة هي في صلب وعي القيادة القومية الروسية المعتدلة الحالية. وبناء على هذه الحقائق تضع القيادة الروسية في رأس أولوياتها السياسة الدفاعية الروسية، ومن ثم التطوير والتحديث المتواصل لصناعة الأسلحة الروسية. 
وأمام المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها روسيا باستمرار، وفي المرحلة الراهنة بالخصوص، وضعت القيادة الروسية أمام العلماء الروس، والمهندسين والمخترعين، ووزارة الدفاع وكل قطاعات الجيش، والمجمع الصناعي الحربي، المهمة الاستراتيجية المركزية لتحديث وتطوير الجيش الروسي، وكل أسلحته، من القنبلة النووية والصواريخ الجبارة والغواصات الفريدة من نوعها، حتى المسدس الفردي الصغير، وتشجيع إيجاد اختراعات وابتكارات جديدة. على ان يتم ذلك على أساس اقتصادي ـ أي ربحي وريعي ـ بشكل أساس.

بناء على ذلك يمكن استخلاص النتيجة التالية: ان الاقتصاد الروسي هو اقتصاد كبير وشامل، ولكنه يقوم على قاعدتين اساسيتين هما: 
ـ1ـ قطاع الطاقة بكل اشكالها.
ـ2ـ قطاع الأسلحة بكل أنواعها.
وفي ظل سياسة المقاطعة الغربية الغبية لروسيا، فإن روسيا ستعتمد أكثر فأكثر على قطاع الأسلحة وتجارة الأسلحة. وعندما قامت فرنسا بمخالفة الاتفاق مع روسيا لبيعها حاملتي الهليكوبتر من طراز ميسترال، فإنها قدمت "خدمة كبرى" لتوجه روسيا نحو التفعيل الأقصى لتسويق الأسلحة والخبرات العسكرية في الخارج.
ففي حين كانت فرنسا تشارك روسيا في مفاوضات المصالحة وإيجاد حلول سلمية للنزاع في أوكرانيا، وبدون تقديم أي دليل على التدخل الروسي في أوكرانيا، قامت ـ أي فرنسا ـ بالإخلال بعقد بيع الميسترال الى روسيا، بدون أي اعتبار للأعراف والقوانين الدولية وللأمن القومي والمصالح الروسية وبدون أي حساب لمراعاة طي صفحة "الحرب الباردة" وتحسين العلاقات الغربية ـ الروسية. 
  معرض دبابة "ترميناتور" الفريدة
معرض دبابة "ترميناتور" الفريدة ومؤخرا قامت إدارات معارض الأسلحة التقليدية، في فرنسا وبريطانيا وغيرهما، بإبلاغ المسؤولين الروس المعنيين، بعدم الرغبة في المشاركة الروسية في هذه المعارض. وللمثال يقول دميتريي شوغاييف، نائب المدير العام لشركة "روستيك" لإنتاج الأسلحة ان إدارة المعرض البريطاني للأسلحة سنة 2015 (DSEI 2015): " أرسلوا لنا رفضهم قائلين: لا نريد ان نراكم في هذا المعرض". هكذا ببساطة يتم التعامل الغربي مع دولة عظمى كروسيا. فاذا كانت الدول الغربية لا تحترم روسيا، فلماذا على روسيا ن تحترم الدول الغربية. 
طبعا ان الامتناع الفرنسي عن تسليم الميسترال لم يهز "شعرة" في جبروت القوة الروسية وقدرة القطاع العسكري على انتاج أفضل من الميسترال.
الدول الغربية ستندم... بعد فوات الاوان
ولكن هذا الحادث، وكل سياسة المقاطعة الغربية لروسيا، ستشكل دافعا قويا لها لانتهاج سياسة تجارة خارجية للأسلحة، غير آخذةٍ في الاعتبار المصالح والامن القومي و"خواطر" الدول الغربية المنافسة.
ولم تمض سوى عدة اشهر على امتناع فرنسا عن تسليم الميسترال، حتى قامت روسيا بتنفيذ صفقة بيع صواريخ S-300 لإيران، ضاربة عرض الحائط بالاحتجاجات الغربية والإسرائيلية. وكانت روسيا قد اجلّت تنفيذ هذه الصفقة اخذة بالاعتبار موقف الدول الغربية (وحلفائها من العرب، واسرائيل). ثم قامت بعد ذلك ببيع صفقة صواريخ اكثر تطورا، هي S-400، إلى الصين الشعبية.
روسيا ستُغرق سوق الاسلحة
ولدواعٍ جيو-استراتيجية، تركز روسيا عمليًّا جل قدراتها العلمية والصناعية والمالية على تطوير الأسلحة وابتكار أخرى جديدة، خصوصًا في القطاعات النووية والصاروخية والجوية، محتفظةً بكل هذا لنفسها، إلى جانب احتياطات استراتيجية من الجيل ما قبل الأخير، وذلك من أجل التفرد بتفوقها العالمي. وكل ما عدا ذلك هو معروض للبيع. 
وإن عملية التحديث المتواصلة هذه، تتيح توفر كميات هائلة من الأسلحة "الخارجة من الخدمة" والمعروضة للبيع بأسعار أدنى بكثير من الأسعار الغربية لـ"السلع" المماثلة، رغم تقدمها عليها في الحداثة والفعالية. 
مزاحمة بلا هوادة
ونظرا للنزعة الوطنية الشديدة لدى روسيا، وما تمتلكه من بنية تحتية تكنولوجية متطورة وتمركز لرأس المال في القطاع الصناعي الحربي، مع مركزية قرار للسلطة، فإنها تمتلك الكثير من "أوراق اللعب" للقيام بمبادرات غير مسبوقة، تجني منها روسيا مكاسب مالية وتجارية وعسكرية وسياسية تهز أسس وجود الكتلة الغربية الاستعمارية. ونلقي نظرة سريعة على بعض هذه "الأوراق" التي تتلخص بالنقاط الآتية، حيث يمكن لروسيا أن:
1. تدخل سوق الأسلحة العالمية، دون أن تقيم أي اعتبار لعلاقاتها مع الدول الغربية وردود أفعالها، طالما أن الأخيرة تفتري على روسيا وتتهمها بالعدوان على أوكرانيا وتفرض العقوبات عليها.
2. تملأ بأسلحتها "السوق السوداء" للأسلحة في البلدان الغربية، وبأسعار غير قابلة للمنافسة، تدخل من الآن سوق الأسلحة العالمية، وذلك ردًا على مقاطعتها.

3. توفير أموالها، فبدلًا من تصنيع كميات من الأسلحة، تقوم ببيع نسخٍ عن أوراق التصاميم الفنية لصناعة سلاح معين لمختلف الدول أو المجموعات المهتمة بمثل هذا السلاح والقادرة على إنتاجه. وهذا ينطبق بشكل خاص على دول كالصين والهند وإيران وإفريقيا الجنوبية والبرازيل وفنزويلا وكوبا وتنظيمات المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية وغيرها، والتي لا تتناقض سياستها الرئيسية مع روسيا.
4. تطوير بعض الأسلحة حسب حاجة السوق العسكرية. 
5. "بيع" الخدمات العسكرية للبلدان الراغبة والمحتاجة، وذلك عبر إرسال العلماء والخبراء العسكريين إليها لمساعدتها في وضع خطة عسكرية دفاعية فعالة، وتصنيع الأسلحة الملائمة لها، وذلك مقابل قيام أميركا بإرسال المئات والآلاف من "المستشارين العسكريين" الى مختلف البلدان.
6. بيع الأسلحة والخدمات العسكرية بالعملة الوطنية وليس بالدولار، لكل من روسيا والدولة المستوردة. ويمثل ذلك إغراء كبيرًا للأخيرة من أجل تطوير التجارة بشكل عام بين الطرفين.  
إستنادا إلى ذلك كله، فإن ما يسمى "سباق التسلح" لن يعود عبئا على الاقتصاد الروسي، كما كان في المرحلة "السوفياتية"، بل سيصبح حافزًا كبيرًا لتطوير الاقتصاد والسلاح الروسي معا.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك