حسام مطر
العدوان السعودي ينطلق من سعي سعودي للهيمنة بالقوّة على اليمن بعد فشل الهيمنة عبر الوكلاء. هذا هو المختصر المفيد. هذا القرار السعودي لم ينطلق من فراغ بل مسند الى وقائع التحولات المتسارعة في الإقليم. يرى السعوديون أن واشنطن أخذت قراراً نهائياً بتبريد المواجهة مع طهران والإقرار بنفوذ ودور إيران في بنية النظام الإقليمي الجديد، وذلك بعد أعوام من التحريض الخليجي – الصهيوني لحرب أميركية على إيران.
لذا، فإن الخطوة السعودية هي بمثابة "صرخة وجود"، أو كضربة يد على طاولة التفاوض الأميركي – الإيراني للقول "أنا هنا". طبعاً، لا يمكن أيضاً تجاهل حاجة الحكم الجديد في المملكة لصورة قوة واقتدار تسهم في منحه جرعة شرعية في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتصاعدة.
بالطبع، لا يعارض الأميركيون هذه الخطوة بل تماهوا معها لأسباب عدّة أهمها، تسكين القلق السعودي تجاة جديّة التزام واشنطن بمصالحه، تنفيس الاحتقان السعودي عبر تمكين السعودية من تقديم صورة قوة وحضور، وثالثاً من باب الضغط المقنّن على المفاوض الإيراني، وأخيراً من باب حاجة الأميركي للبقاء حاضراً لرسم سقف للعدوان السعودي كي لا تنفلت الأمور نحو مواجهة أكبر مما للأميركي فيه من مصلحة.
في المقابل، لا شك أن أنصار الله وحلفاءهم أو إيران لا يسعون لمواجهة شاملة في اليمن. هذه العوامل، تضاف الى أن السعوديين يدركون عجزهم عن خوض مواجهة شاملة تعزز من فرضية بقاء الاشتباك السعودي – اليمني ما دون مواجهة كبرى.
ما هي حدود العدوان السعودي إذاً؟، أولاً الضربات الجوية، ثانياً الحصار البحري والجوي، وثالثاً هناك احتمال لحصول دخول أو إنزال بري محدود في عدن مثلاً. على الصعيد البري، من المستبعد جداً أن يتجاوز الأمر محاولة تأمين رأس جسر داخل الأراضي اليمنية لتأمين منطقة آمنة تتحرك فيها ما تسمى "الشرعية"، وهذه المنطقة لن تتجاوز مدينة عدن ومحيطها. السعودية التي كانت تهيمن على اليمن أصبحت تحلم بالسيطرة على مدينة يمنية. بعد هذا الاستعراض الحربي والإعلامي لا تملك السعودية إلاّ الإقرار بالحاجة لتسوية سياسية في اليمن تكرّس الواقع الجديد. السعودية لا تمتلك الرؤية ولا القدرة ولا المشروعية ولا الاستقلالية المطلوبة لإعادة عقارب الساعة الى الخلف.
حشد الدول خلف السعودية ليس إلاّ من باب "الصورة" وإضفاء شرعية ذات طابع مذهبي قومي. في الواقع، كُثر ممن يشجعون السعودية ويحرضونها وفي مقدمتهم تركيا و"الإخوان المسلمون" يرجون لها الهزيمة والانكسار لجرها الى تحالف قائم على شروطهم بعد استنزافها وسفك ماء وجهها. فيما حلفاء السعودية الآخرون إما منهكون بأزماتهم الداخلية وإما في غير الوارد دفعوا جنودهم نحو الجحيم اليمني. فيما يجب أن لا ننسى أن اللعبة لم تبدأ بعد، إذ لم ينزل اليمنيون الى المعركة بعد، ومن المستبعد العودة الى التفاوض والمبادرات السياسية قبل تنفيذ اليمنيين للنقلة الأولى بوجه جرائم السعودية.
كما في كل حرب، يظهر أمثال توكل كرمان، وهي نموذج من النخبة الأنانية التي تتلاعب بمشاعر وغرائز ودماء عامة الجمهور. كرمان "الإخوانية" وفي مرحلة الخلاف السعودي – الإخواني بعد انقلاب السيسي (نعم السيسي الداعم للشرعية في اليمن اليوم)، كتبت على مواقع التواصل الاجتماعي مهاجمةً السعودية: "ما نعلمه أن شعبنا في نظر الشقيقة الكبرى يستحق الإفقار والتدمير ونهب أرضه والسطو على ثرواته", وأيضاً "حين تدار الممالك من غرف الإنعاش تكون القرارات محنطة". أما بعد العدوان السعودي فتحولت كرمان من "القرارات المحنطة" الى القول: "أنا فخورة جداً بدور المملكة العربية السعودية في حفظ استقرار اليمن واستقلاله". هذه هي "النخبة" التي تعبىء شعوب المنطقة حول "المؤامرة الفارسية – الرافضية" طوال الوقت.
يجب أن نتفهم حاجة السعودية ومن معها لهذه البطولات المصطنعة. لقد أذلهم سيدهم الأميركي أيما مذلة خلال السنوات الأخيرة. هم بحاجة لأي انتصار وهمي لتسكين مشاعر الهوان والخيبة التي تغلي في عروقهم. مئات مليارات الدولارات من التسلح الخليجي، وفي النهاية يخرجون لشن غارات من الجو على شعب فقير أعزل إلا من إرادة الصمود والتحدي. الزهو والاختيال الذي رافق العدوان في ساعاته الأولى لن يستمر طويلاً، سريعاً سيرتفع غمام البروباغاندا السعودية ويعود كل لاعب لحجمه المُستحق. من يسعَ للتوازن في المنطقة، عليه أن يسعى بداية ليكون مستقلاً، وهي كلمة غائبة من قاموس "آل سعود"، وهنا المعضلة.
28/5/150330
https://telegram.me/buratha