أتابع قصائد الشاعر الكبير السيد أحمد مطر منذ أوائل السبعينات، إذ ما إن تقرأ له حتى تحس أن هذا الشاعر يتكلم ما في قلبك وما في مخيلتك حتى في ازمنة الخوف التي كانت تكلكل برعبها على الجميع كان أحمد مطر يتألق في إخراج مكنونات قلوبنا ضد الحكام والخونة، وكانت لغته الجريئة قادرة وبشكل مذهل على تجريد هؤلاء من كل الألوان التي كانوا يغطون أنفسهم بها يجاملونها تارة ويسترونها أخرى، فهم في كل الأحوال مترجمون مهرة لكل المفردات التي كنا نتناولها بهمس في داخل أقبية أنفسنا: الغدر والخسة والعهر والنذالة والخيانة وما يشاكل ذلك من كلمات.
ولي معاه قصة طريفة ومؤلمة في نفس الوقت ففي العام 1975 وفقت لمداهمة بيتي من قبل أوباش النظام العفلقي وما بين ذهول الوالد والوالدة (رحمهما الله) تم العثور على أدلة الجريمة التي ارتكبتها إذ كانت كلها قابعة في مكتبتي فمفاتيح الجنان والمسائل المنتخبة ونهج البلاغة فضلا عن عدة كتب لفتحي يكن ومحمد قطب وسيد قطب والشهيد الصدر الأول والشيخ كاظم الحلفي والشيخ محمد امين زين الدين والسيد محمد جمال الهاشمي والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ أسد حيدر (رحمهم الله جميعا) وغيرها وكان من بينها مجلة صوت الخليج الكويتية وكنت اقتنيها من أجل قصائد أحمد مطر تحديداً، وتم اقتيادي بشكل سريع من سراي المدينة (النجف الأشرف) إلى الشعبة الخامسة في مديرية الأمن العامة وكانت آنذاك في حي الأندلس ببغداد، وسرعان ما وجدت نفسي في مزاح بعثي شائق مع الأخوة المعنيين بالمزاح البعثي في مديرية الأمن العامة وكانت أدوات المزاح تتراوح بين الفلقة وبين اعتباري كيس ملاكمة وبين استعمال طفيف للكهرباء (من نعم الله لم يكن في وقتها كريم وحيد وزيراً للكهرباء لأن وفرة كهرباء كريم وحيد كانت ستعمل على مضاعفة الفولتية المستخدمة في المزاح البعثي) وانتهى اليوم الأول بلا خسائر في الأرواح والحمد لله ورجعنا حبايب لدى ضابط الأمن المختص بمراقبة آثار المزاح عليّ وجلس يتكلم إلى ان بدأ بالتحدث عن أدلة الجريمة التي لدي وسؤال بعد آخر حتى وصلنا إلى أحمد مطر وقال لي: كيف تصلك صوت الخليج ولماذا تشتري صوت الخليج؟ كانت المجلة تباع في النجف آنذاك وبندرة ولكني كنت قد اتفقت مع المرحوم السيد محمد حسن الطالقاني أن يعتبرني مشتركا فيها فكان يجلبها من بغداد لمكتبته في شارع الرسول وبالفعل كان يحفظها لي لقاء ما اتفقنا من سعر وبعد الأجوبة المعتبرة: قال لي ما علاقتك بأحمد مطر؟ قلت له: من أحمد مطر؟ قال لي هذا الذي يكتب هذه القصيدة وكانت آنذاك قصائده تخلط ما بين الجدية والسخرية المتهكمة بالواقع المزري من دون أن تتسبب بكشف المستور ضمن ما يسمح به الظرف، قلت له لا أعرفه وبالفعل أنا لا اعرفه إلا شابا بصرياً هرب من البصرة إلى الكويت ولكن ما من معرفة بيني وبينه وبعد إلحاح في السؤال واصرار على الجواب بدأ الجميع باحتفال تم تعليقي به في مروحة الغرفة وبدأ المجون البعثي يضفي بلمسته المعروفة والحجة في التعذيب: ما هي علاقتك باحمد مطر؟ واليوم الثاني كان أيضاً عنوان الحفلة: ما علاقتك بأحمد مطر؟ واليوم الثالث كان أيضاً المهرجان معنوناً بما علاقتك بأحمد مطر؟ ومرت الأيام وهاجرنا ضمن من هاجر بعيداً عن مجون البعثيين وأنا في داخلي سؤال: ما علاقتي بأحمد مطر؟ ودخلنا الجبهات ومررنا بالخنادق، وتعرفت على شتى أصناف الأسلحة وحظينا بأوسمة المعارك ما بين جرح هنا وشمة لكيمياوي هناك إلى أن التقيت بأحمد مطر ولكن هذه المرة بشوق كبير حينما تحدث صديق لي عن أن لديه ديوان لأحمد مطر وكان يحمل اسم لافتات 1 وبلهفة قرأت لأحمد مطر ديوانه ولا أعرف كيف أصف لحظات القراءة ففي داخلي كان ثمة اضطراب عجيب في المشاعر تختلط ذاكرة التعذيب والمجون البعثي على جسمي النحيل آنذاك بسبب أحمد مطر ومشاعر تهتاج حينما تجد هذا الشاعر البصراوي يقتلع كل المخبأ في قلبك من غضب على الحكام والسلاطين وجلاوزة البعث المجرم فلقد كان يتحدث بلسان الضحية، وفي وقتها لم يقبل الصديق أن استعيره منه رغم الحاحي الشديد ، فقلت له: اذن لا تتكلم معي حتى انهي ما فيه، والديوان لم يكن كبيراً ولكن ليس من السهل أن تجد الفرصة لتلاقي هذين الشعورين في وقت واحد، ترى هل أقول لأحمد مطر: أنت السبب؟ وهو لم يكن ولا شك السبب، ولكن بالله عليكم حينما تقرأون قصيدته: انت السبب ألا تجدون أنها الأليق بحكامنا الجرب؟ ولكن حينما قرأتها دعني أصارحك يا ابن العم سيدنا العزيز: الحاكم لم يكن هو السبب، ولكن تواكلنا أمام عناصر الهزيمة هو السبب، فلقد قيل لفرعون: كيف تفرعنت فقال: اسألوا من فرعنني، فأنا السبب يوم ان ناشدت امة سلاحها مغمّد في القرب، وانا السبب يوم استمعت لحكامي الجرب، وانا السبب يوم وجدت البرد باللهب، وانا السبب حينما اقنعوني إن السكوت من ذهب، وانا السبب لألف علة لأنني صدقت كذابا اقنعني أنه سيثأر لدمي المسفوح في دوائر صناع رزايانا من أول دجال في الغرب إلى آخر ماخور في عواصم العرب، وجاء متنسكاً بلباس النساكين يصرخ يا لدماء الشهداء ولكن لم انتبه أن نشيجه يتردد من خلال اجهزة نسج عليها: made in Ba'ath
نعم سيدنا العزيز أنا السبب، وغدا حينما نؤكل للمرة الثانية لا تشتم بعثياً قادم فأنا السبب إذ لا زلت أتذرع بذرائع الغباء التي جعلت من صدام المجرم وحشاً؟ ولا زلت أتلفع بنفس قناع الخانع الذي يغلف جبنه بشعور ومن دونه بمفهوم (أنا شعليه) وتحول بفضله عزت الدوري من عزوز أبو الثلج إلى أمير المؤمنين، وها هي جحافل البعث تزحف وهي تختبأ تحت إبط صالح المطلك وزبانيته وتحت عباءة ظافر العاني وختله وتحت أكمام أسامة النجيفي وغدره ومعه الطبال والزمار وضارب الدف ويقودهم نسل قوم لوط في الأردن وتحركهم أموال وأرتال من كل حدب وصوب جاؤوا ليصنعوا الألم وجاؤوا لينسجوا رداء المعاناة على أكمامنا، وانا وابن عمي لا زلنا ننظر ونتفرج فمن هم هؤلاء؟ لنشرع من بعد ذلك بترتيل أنشودة السباب والشتائم محفوفة بنثر عزائم التمائم.
يا قومنا في ائتلاف دولة القانون ويا أهلنا في الائتلاف الوطني العراقي بالله عليكم لا تدعونا نقول: أنتم السبب، فلا زالوا هم السبب ولكن لو لم تتحدوا فإننا نحملكم وسنقول مع السيد أحمد مطر : أنتم السبب.
اخواني في دولة ائتلاف القانون: بالرغم من كل دعوات اخوانكم في الائتلاف الوطني لكي تتوحدوا معاً لا زالت أعيننا تترقب اليوم السعيد لكي تتحدوا ولا نعرف حقيقة عذرا مقبولا، ولكننا نعرف أمراً حقيقياً: بأن الساعة لو حلت وعاد البعث المجرم فلن ينفع ندم ولن ينفع عتاب، فالكل سيصيبها الوزر وسيلحق العار والذل بالجميع، فقد تقولون انكم لستم السبب، وقد تقنعون حتى الصم بأنكم لستم السبب ولكن انصتوا لقول الله تعالى: واتقوا فتنة لا تصيبن لذين ظلموا منكم خاصة، وتذكروا بأن الحسين ع حينما قتل لم يكن هو السبب، وإنما قتلته نفس الذرائع التي نتذرع بها اليوم.
اخواني في الائتلاف الوطني العراقي: نستمع إلى نداءاتكم المكررة بالتوحد، ولكن بالله عليكم يجب أن تصنعوا المستحيل، وقد جربناكم أنكم أهلا لذلك، وها انتم حينما أسقطتم مؤامرة عزت الدوري لايقاف الانتخابات باسقاطكم لكل الحجج والذرائع، فإن أعداء الله سيشحذون المزيد من سكاكين الذبح للثأر من هذه الهزيمة، ولهذا نستغيث بكم أن تهبوا لإخوانكم في دولة القانون للتوحد بينهم ولعن الله الكرسي الذي يفرق والكرسي الذي يستأثر والكرسي الذي يسهّل عودة المجرمين، عندئذ اخواننا لن ينفع ان تقولوا اننا لم نك السبب، فالكل سيحرق بالنار القادمة حتى لو لم يكن هو السبب، واسمعوها صادقة من السيد أحمد مطر: حينما قال في قصيدته: أنا السبب
أنا السببْ . في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ . سلبتُكم أنهارَكم والتينَ والزيتونَ والعنبْ . أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم وعِرضَكم ، وكلَّ غالٍ عندكم أنا الذي طردتُكم من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ . والقدسُ ، في ضياعها ، كنتُ أنا السببْ . نعم أنا .. أنا السببْ . أنا الذي لمَّا أتيتُ : المسجدُ الأقصى ذهبْ . أنا الذي أمرتُ جيشي ، في الحروب كلها بالانسحاب فانسحبْ . أنا الذي هزمتُكم أنا الذي شردتُكم وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ . أنا الذي كنتُ أقول للذي يفتح منكم فمَهُ : " شَتْ ابْ " نعم أنا .. أنا السببْ . في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ . وكلُّ من قال لكم ، غير الذي أقولهُ ، فقد كَذَبْ . فمن لأرضكم سلبْ ؟ومن لمالكم نَهبْ ؟ ومن سوايَ مثلما اغتصبتكم قد اغتَصبْ ؟ أقولها صريحةً ، بكل ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ ، وقلةٍ في الذوق والأدبْ . أنا الذي أخذتُ منكم كل ما هبَّ ودبْ . ولا أخاف أحداً ، ألستُ رغم أنفكم أنا الزعيمُ المنتخَبْ ؟ لم ينتخبني أحدٌ لكنني إذا طلبتُ منكم في ذات يوم ، طلباً هل يستطيعٌ واحدٌ أن يرفض الطلبْ ؟ أشنقهُ ، أقتلهُ ، أجعلهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ . فلتقبلوني ، هكذا كما أنا ، أو فاشربوا " بحر العربْ " . ما دام لم يعجبْكم العجبْ . مني ، ولا الصيامُ في رجبْ . ولتغضبوا ، إذا استطعتم ، بعدما قتلتُ في نفوسكم روحَ التحدي والغضبْ . وبعدما شجَّعتكم على الفسوق والمجون والطربْ . وبعدما أقنعتكم أن المظاهراتِ فوضى ، ليس إلا ، وشَغَبْ . وبعدما علَّمتكم أن السكوتَ من ذهبْ . وبعدما حوَّلتُكم إلى جليدٍ وحديدٍ وخشبْ . وبعدما أرهقتُكم وبعدما أتعبتُكم حتى قضى عليكمُ الإرهاقُ والتعبْ . يا من غدوتم في يديَّ كالدُّمى وكاللعبْ . نعم أنا .. أنا السببْ . في كل ما جرى لكم فلتشتموني في الفضائياتِ ، إن أردتم ، والخطبْ . وادعوا عليَّ في صلاتكم وردِّدوا : " تبت يداهُ مثلما تبت يدا أبي لهبْ ". قولوا بأني خائنٌ لكم ، وكلبٌ وابن كلبْ . ماذا يضيرني أنا ؟ما دام كل واحدٍ في بيتهِ ، يريد أن يسقطني بصوتهِ ، وبالضجيج والصَخبْ ؟أنا هنا ، ما زلتُ أحمل الألقاب كلها وأحملُ الرتبْ . أُطِلُّ ، كالثعبان ، من جحري عليكم فإذا ما غاب رأسي لحظةً ، ظلَّ الذَنَبْ . فلتشعلوا النيران حولي واملأوها بالحطبْ . إذا أردتم أن أولِّيَ الفرارَ والهربْ . وحينها ستعرفون ، ربما ، مَن الذي ـ في كل ما جرى لكم ـ كان السببْ ؟
مع كل محبتي واعتذاري من سيدنا العزيز وشاعرنا الأريب: احمد مطر
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha