مما لا مرية فيه إن قناة الشرقية التي يديرها سعد البزاز صاحبة زصاحب أعلى قدر من الصورة المقيتة للبعثيين، سعد البزاز الذي انتقل بقدرة قادر إلى رئيس تحرير ألف باء في وقتها والذي أوصل هو ونظيره السابق له حسن العلوي المجرم صدام إلى درجة التأليه والتقديس، عاش مرتزقاً ومبتزاً منتهلا من السلوك البعثي القدر الأكبر من الخصوصيات والمواصفات الأخلاقية، ولا أدري هل هي محض صدفة أني كل ما مر اسمه على مسمعي أو عيني حتى اتذكر أيامنا حينما كنا رازحين في سجون مديرية الأمن العامة هل لأنه كان آنذاك هو رئيس تحرير مجلبة ألف باء، أو لأننا اعتدنا ان نسأل كل من يدخل إلى سجن مديرية الأمن العامة في السبعينات عن سبب المجيئ به وبتعبيرنا آنذاك (مقتله) إلى السجن فإذا قال لجريمة اختلاس أو سرقة سرعان ما يأتي النداء له: أهلا بك يا رفيق، لأن هذه سمة القوم المعروفة في السجون، ولم يخطئ هذا الوصف أبدا خلال السنوات التي قضيتها في ضيافة نظام المجرم صدام، وعلى كل حال فإن كليهما يصلحان لكي يذكر بهما مثل سعد البزاز.
ظلت قناة الشرقية طوال الفترة التي اعقبت انشاءها وفية لمبادئ البعث، ولهذا كانت حريصة جداً على مهااجمة المجلس الأعلى وبدر على وجه الخصوص، لا سيما شخصياتهم التي لم تتنازل للبعثيين ولم تستسلم لارهابهم، ولكن القناة رغم هذا السجل الحافل، تميزت في فترة الانتخابات بعطاء متميز جداً وهي الحملة التشويهية الواسعة النطاق التي أطلقتها ضد قائمة تيار شهيد المحراب (قدس سره) دون غيرها، مع مدح غير محدود بمنافساتها من القوائم، وأستطيع القول إن الحملة الاعلامية الواسعة النطاق التي نفذتها قائمة تيار شهيد المحراب وهي أكبر حملة دعائية متزنة ومنسقة وناجحة جدا(1) قامت في العراق بل ولعله في المنطقة كانت خلالها الشرقية تنفذ إحدى حلقات حملة مضادة وشرسة للحد من تأثيرات تلك الحملة.
والتساؤل الذي يجب أن نعثر على جواب دقيق له: لماذا تصدت الشرقية في هذا الوقت بالذات لمثل هذه الحملة، فهل كان عملها تطوعيا، ومثل هذه الحملة تكلف الملايين؟ أم أن في البين صورة أخرى تحكي وقائع ما جرى وتبين إن أمراً دبّر بليل كان قد افتضح في إحدى صوره عبر شاشات الشرقية؟
لاشك ولا ريب إن من السذاجة بمكان القول بأن الشرقية كانت تقوم بذلك بدافع بعيد عن الارتزاق الاعلامي والسياسي، فمن يعرف الشرقية والبزاز لا يتردد في أن القناة ومديرها قد أحسنوا وأتقنوا كل هذه الفترة للوصول إلى مصادر التمويل غير المشروعة، والتساؤل الذي يجب أن يعثر على جواب دقيق له: من تكفّل بالتمويل؟
من الواضح إن واحدة من مزايا الحملة التشويهية الشرسة التي تعرضت لها شهيد المحراب إن خطوطا متناقضة في العلن برزت متفقة بشكل كبير في شأن مهاجمة القائمة فالقنوات الحكومية كالعراقية والقنوات الشيعية التي تؤيد إئتلاف دولة القانون، والقنوات التي تؤيد المشروع الإقليمي المضاد للعملية السياسية كقناة العربية وابو ظبي ودبي والجزيرة، والقنوات التي تدار من قبل الأمريكيين كقناة الحرة والحرة عراق، ولم تخلو قناة المنار والعالم وغيرها من تعريضات وتلميحات، أما القنوات الليبرالية العراقية كالديار والسومرية والفيحاء أو البعثية كالشرقية والبغدادية والرافدين والبابلية والطائفية كالمستقلة كلها اشتركت مع تفاوت في الأدوار في هذه الحملة ضد قائمة تيار شهيد المحراب، وهذا الحشد الكبير لا يمكن تفسير اجتماعه بالصدفة، رغم إن البعض ربما اشترك نتيجة اختراق في هذه القنوات وليس نتيجة سياسة، كما إن قوة قائمة تيار شهيد المحراب حفزت القوائم الأخرى على التوحد في المهاجمة، ولكن يبقى إن السمة المشتركة في الكثير من هذه القنوات هي مدحها ومساندتها لقائمة محددة.
إذا كان الأمر ليس بصدفة؟ ولا يمكن لنا أن نكون سذجا لنقول إن عملا تطوعيا قد تم، إذن لا بد من وجود جهات أشرفت على التمويل، وتركت لهذه القنوات حرية التحرك بشأن الإضرار، وكان للشرقية قصب السبق في تفعيل سياسة تشويه وكذب وإفتراء تجاه رجال تيار شهيد المحراب وأهدافهم.
في الوقائع لا يمكن لنا أن ننكر ظاهرة بدت في وقتها للمراقبين غريبة، وهي عودة الشرقية لتفتح مكاتبها في بغداد بعد أن منعتها الحكومة وراحت تحجز لها موقعا في كردستان قبل الانتخابات بشهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير! فكيف عادت ومن أعادها؟ خصوصا وإنها لم تغير سياستها قبل العودة، مع العلم إنها كانت قد خصصت برامج شهر رمضان الماضي للإضرار بالحكومة والسيد المالكي ولكن هذا الأمر كله انتهى قبل الحملة الانتخابية!!
والمخبرين الذين يتحدثون على طريقة (أقول لك ولا تقول) يتحدثون عن لقاء مطول جرى بين سياسي كبير وبين سعد البزاز في داخل أحدى القصور الرسمية في المنطقة الخضراء، وأن اتفاقا حصل في شأن ما، قبض سعد البزاز على أثره عقد تجهيز بسبعة ملايين دولار من إحدى الوزارات، مع صدقة جارية بمقدار 3 ملايين دولار فقط (الله وكيلكم فقط هالمقدار)، وسرعان ما التحقت الشرقية ببقية الجوقة المهاجمة لتيار شهيد المحراب كالحرة التي لم تتوان من استخدام أساليب الكذب الرخيص، ولكنها سرعان ما بزّت الجميع في سبقها في عملية النتهاش من دماء مسيرة أعداء البعث وضحاياه.
لا زلت أشك في قدراتي الذهنية فهل من يخبرني بأن ما جرى من الشرقية كله كان مجرد عمل تطوعي وتوددي قربة إلى الله تعالى؟ لأني لا أصدق ذلك.
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
الهوامش:
(1) عدم نجاح القائمة في صناديق الاقتراع لا يتناسب اطلاقا مع حجم النجاح الذي اكتسبته القائمة في الحملة الاعلامية والتحشيد الجماهيري، مما ينحو بالقول إلى إن العوامل الخارجية في الانتخابات كان لها التاثير الأكبر في عدم خروج أصوات القائمة إلى العلن، ونقصد بالعوامل الخارجية: مشكلة سجل الناخبين، والتزوير والتعطيل والالغاء للآوراق المصوته للقائمة، وشراء الذمم، وعوامل نفوذ تاُثير إمكانات الدولة وروادعها على الناخبين وغيرها كثير.
https://telegram.me/buratha