تشير كلمة الفضائيين في كل العالم إلى العلماء المتخصصين في الفضاء وعلومه، إلا في العراق فإنها تشير إلى أمر آخر لا يجري في الفضاء وإنما يجري تحت الأرض في حكومة لا تجد احد من رعاتها إلا ومطّ حاجبيه وزمّ شفتيه وأشّر بيديه وهو يتحدّث عن دولة المؤسسات والقانون وحاكمية الدستور ومحاربة الفساد وتحكيم الشفافية..
قصة الفضائيين لا يعرف بها إلا المتنفذين في الحكومة ومن دونهم وصولاً إلى غالبية أفراد الوزارات الأمنية ومعهم أعداد أقل بقليل من الهائلة بقليل من أفراد الشرطة والجيش إذ القضية تدخل في عداد الأمور المتعلقة بالأمن! وكل ما أسمع بها أو أرى مصاديقها أو يحدثني متضرر منها أو متق لربه وهو يراها تحدث في حكومة القانون والمؤسسات حتى اتذكر القسم 52 الأمريكي الذي يعنى بالفضائيين من صنف اليوفو (UFO) والتي تشير إلى آثار المخلوقات الغريبة القادمة من الفضاء الخارجي، ولكن الفارق بيننا وبينهم أن الأمريكان لديهم آثار نادرة، ونحن لدينا الآلاف من هؤلاء الفضائيين، والفارق الآخر بيننا وبينهم أن أخبار اليوفو محاطة بسرية بالغة بحيث أن ملفااتها لا يطلع عليها إلا قلة قليلة من المسؤولين، لأنهم بصراحة ليسوا بشفافين مع شعبهم، بينما نحن نعيش عصر الشفافية لأن فضائيينا يعرف بهم القاصي والداني من الأجهزة الأمنية.
قد تحسبني أسخر؟ وقد تشك باني أهزأ ولكني والله لا أهزأ ولا أسخر لأن قصة الفضائيين قصة حقيقية تجري في طياتها حركة مليارات الدنانير شهرياً صعوداً ونزولاً، وكل هذه الأموال تسجّل في سجلات وزارة الداخلية والدفاع ووزارة المالية وديوان الرقابة المالية إلخ من الدوائر المعنية.
وقد تتلهف لتعرف من هم هؤلاء الفضائيين؟
قبل أن أروي لك قصة هؤلاء رغم أني اعرف أن غالبية من يقرأ المقال من داخل العراق يعرف بالتفاصيل ولكنه ربما لم يسمع بالإسم الذي يطلق ضمن دوائر الخبثاء والحاقدين والحاسدين من أمثالي، دعني أروي لك ما شاهدته بعيني قبيل أيام في محلات هوم سنتر home center في الكرادة، كنت بمعية العشرات الذين غص بهم دريم هاوس حينما وجدنا ان موظفي المحل قد بان عليهم الإهتمام الشديد باحد الزبائن وما كان صعباً علي لكي اتعرف على هذا الزبون الهام إذ إنه كان أحد الوجوه الحكومية الأمنية اللامعة جدا مع عائلته، وسرعان ما بدأ الموظفين حركة سريعة للتناغم مع يديه التي كانت تؤشر على أغراض المحل لتكدس بالكراتين والأكياس ومن كان معه من أفراد القوى الأمنية كانوا منشغلون بتحميل ذلك إلى سيارت الجي أم سي السوداء التي تحمل شارة أحد الجهات الحكومية الحساسة، وبصورة طبيعية هجمت علي الأسئلة المشاكسة والمتخابثة: من أين له كل هذا؟ ولماذا هذه الصورة من الإسراف في الشراء؟ ولأن لدينا حكومة حساسة جداً تجاه الفساد كنت أقول: ألا يجدر به أن يخفي كل ذلك الشراء؟ وهكذا عشرات الأسئلة اللئيمة التي تقاطرت علي, وقد عادت هذه الأسئلة بألم وبإلحاح حينما فجعنا في اليوم اللاحق بفاجعة ساحة الزهراء عليها السلام في الكاظمية.. فمن يشتري مسؤوليه الأمنيين كل هذا الإسراف بل القيء من البضائع لا بد وأن يفجع من ائتمنوه بأرواحهم وبسوء التدبير الأمني الذي يخطط له مثل هؤلاء وعندئذ جائتني حكاية الفائيين وهجمت على ذهني أسوة برفيقاتها من القصص الطريفة والمسلية الكثيرة التي نرويها مع أنفسنا حينما نبدأ بلم جثث ضحايانا واشلائهم، ولم لا؟ لأننا نحارب الإرهاب بها!!
هل لا زلت أخي القارئ تريد معرفة قصة الفضائيين لدينا؟
لا ادري لماذا تبحث عن النكد؟ وما هي رغبتك بتكدير أجواء صفاء ذهنك؟ ولكني كما تعوّدت أن أتخابث مع مسؤولينا المبجلين لم لا اتخابث معك؟
قصة الفضائيين يا أعزائي هي قصة يأتي فيها مجند في الشرطة أو الجيش من مكاريد هذا الشعب يريد ان يخدم بلده وياكل لقمة عيش كريمة، ولكنه ما أن يلتفت إليه مسؤولي وأعوان الشبكة الفضائية حتى يتناوشوه لتنتهي القصة بأن يتقاسم راتبه معهم ولكن لقاء أن يأخذ راحته في خارج إطار القوى الأمنية يعني الأخ اسمه مسجل في الدوام في كركوك مثلاً والأخ ربما يكون صاحب محل في البصرة أو في النبار او سائق تاكسي هنا وهناك، هذه خلاصتها الشكلية ولكن خلاصتها المالية فهي كالتالي 500 ألف للجندي و500 ألف للضابط فلو قدر أن هناك ألف واحد من هؤلاء فيعني ان الضابط الفقير جداً يستلم: 500000 في 1000 ليكون الناتج الشهري: 500.000.000 مليون دينار عراقي فقط لا غير، ولك أن تحسب البقية كل ما كبر الرقم أو صغر، ولكن من باب الإنصاف فهذا الضابط يمرر المال عبر حلقة تنتهي بأرقامها الضخمة إلى مكاتب رفيعة المستوى جداً والكل متفق على ان يبقى الطبق مستور، طبعا خبثي أوصلني إلى معادلة إذا كانت المناصب الكريمة تمر بها هذه الأرقام الكريمة فلماذا لا يتم بيع المناصب وشرائها بمبالغ طائلة؟
هل تنتهي القصة؟
للأسف لا تنتهي لأن الفوج المسجل تعداده 450 جندياً او شرطياً مثلاً في سجلات الأعمال الأمنية تحال إليه مهمات ومسؤوليتا 450 جندي او شرطي من دون حساب من رزقتهم حكومة القانون والمؤسسات توفيق الإنتماء إلى الشبكة الفضائية مما يجعل أي سرية أو فوج او لواء او فرقة تتنعم بوجود أفراد هذه الشبكة تعاني من ثغرات أمنية حقيقية لأنها لا تستطيع ان تؤمن فراغات الفضائيين إلا بواحدة من طريقتين، ففراغهم إما أن يترك بحيث ان السرية لو كان العدد المطلوب فيها 40 وتحولت إلى عدد 25 بسبب طيران الفضائيين منها فإن المكان التي يفترض ان يحرسوها ويؤمنوها ستبقى فارغة والشعار من يقرأ؟ ومن يكتب إذا كان المدير داخل في اللعبة؟ أو أن يتم ملء الفراغات بمن لم تنعم عليه هذه الحكومة بالإنتساب إلى هؤلاء الفضائيين عندئذ فإن إجازته بدلاً من أن تكون كل اسبوع يومين ستكون كل اسبوع يوم او كل اسبوعين يومين أو ان راحته اليومية بدلاً من أن تكون 6 ساعات في مقابل ستة ساعات تكون 8 ساعات في مقابل اربعة وهكذا.. أما من هو الأمن.. فلك أن تعلم بأخباره إما من شبكات الإعلام وهي تزف لك اخبار ما جرى في الزعفرانية من مجازر الإرهاب او في تصريحات القادة الامنيين وهم يؤكدون عزمهم ومضاءهم في طريق تعزيز الأمن.. ودمتم يا فضائيي العراق وأنتم تحلقون في سماء الشفافية الوطنية وليخسأ محسن الجابري وبقية الشعب معه
محسن علي الجابري
النجف الشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha