لا يوجد شك أن المتضرر الرئيسي من الربيع العربي هي منظومة الشؤم العربية وعلى رأسها الكيان السعودي، بل لعل من غير المبالغة القول بأن السعودية هي أكبر المتضررين مما حصل ويحصل، ويكفي أن نرى أن 3 أضداد نوعية للكيان السعودي هي التي تتسيّد المشهد من بعد أيام الربيع العربي، فمن جهة كانت السعودية هي التي تمسك بزمام قيادة العالم السني مع كل ما فيها من ضرر عقائدي ومذهبي على عموم المذاهب الإسلامية بسبب تبنيها للتكفير الوهابي وهو التكفير الذي لم يسلم منه أحد من هذه المذاهب، وها هي تركيا تتصدر الزعامة وهي تحمل معها أزهار التحالف مع الشوافع والأحناف ولا يوجد في تراثها ما يثير الموالك والحنابلة، ومع ذلك تحمل تراثها الضخم بكونها وريثة الخلافة العثمانية وما يعني هذا التراث من بعد عاطفي ووجداني يعتمل في داخل العالم الإسلامي منذ أن أطاحت علمانية الغرب الأتاتوركية بالسلطان عبد الحميد، ومما لا نزاع فيها أن تركيا بهذه الأبعاد ضد نوعي متميّز جداً بالنسبة للكيان السعودي خصوصاً وانها كانت تبتزّ الجميع بحملة العداء للروافض كي لا يتحالفوا مع الجمهورية الإسلامية، ولكن ماذا يمكنها ان تتحدث عن الأتراك والأتراك هاهم يستعيدون صورتهم المحبوبة لدى العالم السني خصوصا بعد ان وجدوا ان استجداءهم للغرب كي يلتحقوا به لم ينفعهم بل أضرهم كثيرا، في وسط بغضاء مستمرة بسبب تحالف السعوديين مع الأمريكان.
وما أنتجه الربيع العربي ان ضداً نوعياً آخر قد بدا يتسيّد المشهد السياسي وهو سيطرة الأخوان المسلمين المتنامية في تونس والمغرب ومصر وما ستقبل به أيام ليبيا يتحدث عن السيطرة عينها، وهي قوة لا يمكن الاستهانة بها في اليمن وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن والسودان والكويت، وكانت السعودية هي العدو اللدود الذي وقف ضد الأخوان المسلمين في العالم السني بكل ما اوتيت من قوة، وهي التي كانت وراء غالبية إن لم يكن جميع الحملات القمعية التي طالت حركة الأخوان في العالم العربي ناهيك عن تكفير الوهابية للأخوان المسلمين، مع العلم إن التجربة الإخوانية ـ الشيعية المشتركة تظهر إمكانية التحالف المشترك او الصداقة المشتركة في أهون الأحوال، ومما لا شك فيه للأخوان ولغيرهم أن الشيعة دعموا وجود الأخوان السياسي طوال هذه الفترة وصولاً إلى نجاحهم في تونس ومصر مما يعزز من وجودها السياسي وهي ضد قيادي وفكري نوعي للسعودية ولأقزامها من الوهابية نتيجة لما تحمله من تراث ولما تمثّله من عمق في القواعد السنية المحافظة.
أما الضد الثالث فهو الضد المشاغب المستفيد من التحالفات العميقة مع الصهاينة والأمريكان والذي كانت له قدرة المشاكسة والمشاغبة والوقوف بوجه الهيمنة البدوية في منطقة الخليج وأعني بذلك قطر والتي تبذل جهوداً كبيرة في سلب السعودية عصا القيادة في الخليج، صحيح أن قطر في الموازنات العسكرية لا يمكن ان تضاهي جارتها السعودية، ولكنها من الواضح تسلب السعوديين قدرتهم على الحراك نتيجة لمبادراتها السريعة وموقفها في ليبيا وسوريا وتونس واليمن يظهر حجم ما يمكن لقطر أن تظهره، ولا يوجد في تاريخ قطر ما يستحي منه حكام قطر فهم متحالفون مع إسرائيل علنا بينما يخشى السعوديون ان تبرز الجزيرة طبيعة تحالفاتهم، وطبيعة تاريخهم الذي فيه الكثير مما تعمل السعودية جاهدة لستره وإخفائه، ولهذا تجري بين الطرفين ملاكمة شرسة ولكن من تحت الحزام، ولربما يساند الكويتيون المرتعبين من النفوذ السعودي المتنامي في داخل البيت الكويتي تارة باسم السلفية وأخرى باسم البدون جارتهم الصغيرة الجنوبية ولكن من تحت الحزام أيضاً، بالرغم من أن اللاعب الكويتي تقزّم بشكل كبير وتخلى عن فاعليته منذ ان اكتوى بنار المجرم صدام حليفهم السابق.
المشكلة السعودية في هذه الأضداد الثلاثة أنها غير قابلة للتحالف بعيد المدى، لأن أي تحالف يعني التنازل عن العرش القيادي الذي حرصت السعودية على الإمساك به تحت يافطة خدمة الحرمين.
ولهذا فإن السعودية في وضعها السياسي البائس استراتيجيا والتي لا زالت تحتفظ ببعض ماء الوجه في قربتها المنخورة تكتيكيا أمامها أصعب الخيارات، فمما لا ريب أن الطاولة قد قلبت عليها، وهي إما ان تستسلم وتنزع عن نفسها صفة القيادة وهذا أصعب ما في اليد، وإما أن تقلب ظهر المجن لكل تحالفاها المعاصرة وتبتدئ بالبحث عن تحالفات غريبة ولكنها جديدة يمكن أن تحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه وتحصّن جانباً من قوتها أمام الأضداد النوعية الثلاثة، وأنا شخصياً لا أستبعد ذلك، ولكني أرى أن الموقف السعودي من سوريا الذي لا زال متردداً إلى حد كبير قياساً إلى موقف الأتراك والقطريين ومن سواهم ربما يحكي جانباً من التريث السعودي لحسم الخيارات الصعبة أمامها، وبالرغم من ان المشهد السياسي يعرب عن اجتماع هذه الأضداد الثلاثة في الموضوع السوري وبشكل محموم أكثر من اي موضع آخر، إلا أني اعتقد أن السعوديين يمكن لهم أن يفكّروا بقلب المجن على الجميع في سوريا ليأتوا بعديل الملك عبد الله القابع في اسبانيا وأعني بذلك رفعت الأسد ليكون هو حصان طروادة الذي ينقض غزل هذه الأضداد. ومن يرقب التسويق الذ تقوم به بعض وسائل الأعلام لرفعت الأسد ولأبنه رئبال يرى أن تفكير المجانين هذا ربما يحظى بمصداقية تتنامى فرصها مع الأيام.. وما يدريك؟ فالسيااسة في الكثير من الأحيان أساليب مجنونة لحماية مصالح على شفير الهاوية.. والمستقبل بيننا!!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha