يعد انعقاد مجلس النواب بالصورة التي انعقد فيه أحد المعالم الرئيسية للمرحلة القادمة، وتمثل صفقة توزيع المناصب والاتفاقات المعلنة والسرية أحد المنعطفات الجوهرية في مسار العمل السياسي بالنسبة للكثيرين والعملية السياسية، ولئن فضحت التناقضات في الجلسة الأولى المشهد وعرّت القائمين عليه، فإنها في نفس الوقت أبرقت برسائل كثيرة عن طبيعة المرحلة القادمة، والأبطال كثر في هذا المشهد، ولكن لا أعرف لم اوجست في نفسي خيفة يوم أمس حينما استمعت إلى خطبة الجمعة والتي اشار فيها الشيخ الصغير إلى إن الحكومة قد انقضت من عمرها ثمانية أشهر، ولكن النائب عباس البياتي جعلني اطمئن إلى أن خيفتي كانت في محلها تماما، فالنائب البياتي حينما طالب باعتبار الثمانية أشهر المنصرمة بحكم الملغاة لم يطالب في الواقع بمخالفة الدستور فحسب، وإنما طالب في نفس الوقت بلهط وشفط وعلس وكنس وبلع وشلع ملايين الدولارات التي قبضها السادة النواب أثناء فترة الراحة والاستجمام التي قضوها بكد وجهد وتعب ونصب خلال الفترة المنصرمة من مجلس النواب، وحينما تراكض النائب العبادي والأديب والمالكي معهم على التأكيد على الالتزام بالاتفاقية المعقودة بينهم وبين العراقية، كان مشهد النجيفي وهو يعرض الاتفاقية قد علق أوسمة على جبين من وقّع الاتفاقية السرية التي تذكر بالمثل الشعبي (ما شافوهم يسرقون، ولكن شافوهم يتعاركون على اقتسام السرقة) وهي الاتفاقية التي وقعت بحضور السفير الأمريكي، وهذه الأوسمة سينظر إليها ضحايا البعث المجرم وعوائل الشهداء بالخصوص شهداء حزب الدعوة الإسلامية وسيتمعن بها كل من فكر في يوم ما بحنين إلى البديل الإسلامي ورأى في حزب الدعوة أملاً لكي يحقق أو يقرّب هذا الطموح، سينظر الجميع إلى هذه الأوسمة ولربما ستعيد هذه العوائل احزانها، وتنعى شهداءها، فقبل اليوم كانت تفتخر، ولكن حينما أبرزت الوثيقة (العار) اكتشفت ان أولادها سرقوا وتضحياتهم نهبت وفدائيتهم زوّرت، واعذروني لو قلت أوسمة ففي هذا الزمن الرديء انقلبت المفاهيم، فالحرامي هو المؤتمن، والأمين هو المخوّن، ولهذا كتبت وساماً ولم أكتب وصمة عار، فلقد انقلبت المفاهيم فالبيت صفه لمطيرة وطارت بيه فرد طيرة وفق المثل الذي كانت حبوبتي (الله يرحمهه) تردده.
شظايا ما جرى يوم أمس ليست في اتجاه واحد، فالقانون وقبله كان الدستور مضحكة ورداءاً للتهريج اكثر مما هو خيمة يستظل بها كل عراقي، والسياسة أبرزت وجهها القبيح، والشعارات والبرامج والطموحات والأهداف كلها ديست تحت الأقدام حينما راح يتراكض الجمع المتوافق تجاه المناصب والكراسي، ولغة عباس البياتي ولغة الأديب تدخل ضمن نفس السياق، فهذا يريد علاوة الفوز بالحكومة باسم القانون فيعطيها ثمانية أشهر اضافية، وذاك يغطي مخالفة الدستور والقانون بالقانون والقضاء، فهم ملتزمون بالاتفاقية الكريمة والقضاء يجب ان يكون مطواعاً، وزاد علي اللامي الطين بلة حينما قال بإمكانية رفع أسماء رموز الاجتثاث من الاجتثاث.
على أي حال إذا كان اليوم البرلماني الأول حافلاً بهذه العجائب ستر الله على اليوم الأخير القادم بعد أكثر من 3 سنوات كيف سيكون فيه المشهد؟
ستر الله على العراق من قانونه ودستوره وقيمه وطموحاته وآلامه ومعاناته ومخلصيه ومجاهديه ومناضليه وشهدائه، فهؤلاء كلهم هم السبب وهم وجع الراس لسادة العراق الجديد ومسؤوليه، سادة استطاعوا بكفاءة أن يجمّلوا أقبح وجه في التاريخ، فلقد راحوا يتنافسون مع أساليب المجرم ابن صبحة التكريتي وفي بعض الأحيان تفوقوا عليه من حيث السرعة، وهاهم جميعا يصرخون منتشين بسكرتهم وسكرهم: ملعون أبو الشعب وليعش قوّاد الضرورات التاريخية!!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha