الدكتور فاضل حسن شريف
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: ويـظهر مـن الأحـاديث الواردة عن أهل البيت ـ عليهم السـلام، أن أفـضل شـيء وهبه الله تعالى للإنسان في أصل خلقته هو العقل، فقد روى الكليني بطريق صحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جـعفر البـاقر عليه السلام، قال (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجـلالي مـا خـلقت خلقاً هو أحب إلى منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إيـاك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب) (الكافي 1 / 10 ـ ح 1). ولعل هذا العقل أو بعض درجاته العالية، هو الذي وصل إليه آدم في جـنة الأولى التي أسكنه الله تعالى فيها، وابتلاه واختبره بالتكاليف الإلهية عندما نهاه وزوجه عـن أكـل الشجرة فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، حيث وجدت عنده قـدرة التـمييز بـين الحسن والقبيح على ما يظهر من القرآن الكريم، والله سبحانه أعلم. 3 ـ والإرادة: هي الحـرية التي تـمثل الميزة والخصوصية الثالثة التي يختص بها الإنسان من بين المخلوقات، وهي تعني الإرادة والاختيار في أن يـسلك طـريق الهدى والصلاح والشكر لله تعالى، فتتطابق إرادته السلوكية مع الإرادة التشريعية لله تعالى فيصل إلى الجنة ورضـوان الله تـعالى، أو يختار طريق الضلال والفساد والكفر بالله تعالى، فتختلف إرادته السلوكية مع إرادة الله التشريعية، فـيسقط في مـهاوى النار. وهذه الحرية تؤهل الإنسان إلى الامتحان والفتنة والاختبار فيتكامل بذلك، كما تجعله أمام المـسؤولية الإلهـية والعقاب والثواب، عندما يكون كامل العقل والعلم بلطف الله تعالى. وبهذه الحرية يواجه الإنـسان جـهاد النـفس، وجهاد العدو، ويتحمل المصاعب والآلام من أجل الأهداف الكبرى. كما أن الإنسان بهذه الحرية، يكون فـي مـوضع خطر السقوط والفساد، وسفك الدماء والوقوع تحت تأثير الهوى والشهوات. وهذه الإرادة هـي نـفخة مـن الصفات الإلهية، التي اتصف بها الله تعالى، ويمكن أن تعبر عنها الآية الكريمة التي تحدثت عن النـفخ فـيه مـن روح الله. ولكن مع ذلك نجد أن آيات الاستخلاف تحدثت عن هذه الصفة ـ أيضاً ـ مـثل مـا سبق من آية سورة يونس، وفاطر، وغيرهما. كما أن القرآن الكريم تحدث عن هذه الحرية في خـلق الإنـسان، وقانون الابتلاء الذي يتعرض لها في أصل هذا الخلق. قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك 2).
جاء في كتاب علوم القرآن عن مفاهيم حول الاستخلاف للسيد محمد باقر الحكيم: مفاهيم حول الاستخلاف: الخلافة: الخليفة بحسب اللغة: من خلف من كان قبله وقام مقامه وسد مسده، وتستعمل أيضا بمعنى النيابة، ومن هذا المنطلق يطرح هذا السؤال: لماذا سمي آدم خليفة؟ توجد هنا عدة آراء: الأول: أن آدم سمي خليفة لأنه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض، وهذه المخلوقات إما أن تكون ملائكة أو يكونوا الجن الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء، كما روي عن ابن عباس، أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم هذا. الثاني: أنه سمي خليفة لأنه وأبناءه يخلف بعضهم بعضا، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها بعضا الاخر، وقد نسب هذا الرأي إلى الحسن البصري. الثالث: أنه سمي خليفة لأنه يخلف الله سبحانه في الأرض، وفي تفسير هذه الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللغوي تعددت الآراء واختلفت: أ انه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق. ب يخلف الله سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها، من انبات الزرع واخراج الثمار وشق الأنهار وغير ذلك. ج يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء كما ذهب إلى ذلك العلامة الطباطبائي. د يخلف الله سبحانه في الأرض بما نفخ الله فيه من روحه ووهبه من قوة غير محدودة، سواء في قابليتها أو شهواتها أو علومها، كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبدة. ولعل المذهب الثالث هو الصحيح من هذه المذاهب الثلاثة، خصوصا إذا أخذنا في مدلوله معنى واسعا لخلافة الله في الأرض بحيث يشمل مجمل الآراء الأربعة التي أشرنا إليها في تفسيره، لان دور الانسان في خلافة الله في الأرض يمكن أن يشمل جميع الابعاد والصور التي ذكرتها هذه الآراء، فهو يخلف الله في الحكم والفصل بين العباد بما منح الله هذا الانسان من صلاحية الحكم بين الناس بالحق. وكذلك يخلفه في عمارة الأرض واستثمارها من انبات الزرع واخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشق الأنهار وغير ذلك: " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" (الملك 15).
جاء في صفحة مقالات / وكالة انباء براثا عن الانسان والعملية الانتاجية في فكر السيد محمد باقر الحكيم (رض) للكاتب كريم الوائلي: بنى الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه رؤيته الاقتصادية على اعتبار ان حل المشكلات الاقتصادية تبدأ من تلبية الحاجات الانسانية للفرد اولا وللمجتمع ثانيا ، منطلقا في ذلك من تحليل النوازع الفطرية والغريزية للانسان وحاجته الى اشباع ميوله التملكية ، ولا شك ان وضع حاجات الانسان موضع الاساس في الرؤية الاقتصادية عند الامام الحكيم يعبرعن فهم كوني عميق لمحورية الانسان في النظرية الاقتصادية الاسلامية وفق القرآن الكريم والنظام الكوني ، وقد استحضر الامام الحكيم رضي الله عنه في هذا الجانب الانسان بوصفه خليفة الله في الارض يشكل العنصر الاساس في العملية الانتاجية التي تاتي بعد اجراء التحويلات على المدخولات الطبيعية لمخزون الارض من الثروات وتحويلها الى مخرجات انتاجية صالحة لاشباع حاجات الانسان المختلفة ، ولا شك ان الامام الشهيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه قد رأى ان العالم شهد قدرا من المتغيـرات التي طالت مختلف جوانب الحياة المعاصرة، و مست كافة البنى الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في حياة الانسان ، ومن الطبيعي ان يؤثر ذلك على هيكل القيم التي يؤمن بها الانسان وكذلك نسق العلاقات الاجتماعية ، بمعنى ان العملية الانتاجية هي عملية خلق وابداع انساني مدفوعة بدافع الغريزة والفطرة ويشكل الانسان ذاته احد وسائلها وغايتها وترتدي لباسها الانساني من كونها سمه اساسية من سمات الانسان الغريزية وتستهدف الارتقاء به ، وتبعا لذلك فالعملية الانتاجية هي عملية انسانية في المقام الاول قبل ان تكون حضارية واقتصادية وعلى ذلك فأنها لا تقبل الاستغلال والاضطهاد ، وفي ذلك يقول الامام الحكيم (ان طريق التكامل الذي يمكن للانسان ان يسير فيه وان يحقق اهدافه من خلاله انما هو استخدام الفطرة والطاقات الغريزية استخداما صالحا باتجاه الخير دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ص18) . يقرن السيد شهيد المحراب رضوان الله عليه بين حرية الانسان وقدراته من جهة وبين حرية اختيار العمل والنشاط الاقتصادي الذي ينسجم مع ما يحسنه وما يتلائم مع فطرته من جهة اخرى ، ويرى ان حرية النشاط الاقتصادي للانسان كفلها الله تعالى في محكم كتابه المجيد مستشهدا بالآية الكريمة "هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" (الملك 15).
https://telegram.me/buratha