الدكتور فاضل حسن شريف
يتضمن الكتاب أصحاب الحسين عليه السلام، الرحمة والشفقة على الأعداء، الوعي والبصيرة، نزول كربلاء، مسلم بن عوسجة، حنظلة بن سعد، بنو تغلب، صبغة الله، رد على شبهات، يزيد الكندي البهدلي، الحر ابن زياد، عمار بن حسان الطائي، والطفل الرضيع. حلقات سلسلة المقالات هذه تتضمن آيات قرآنية من كتاب موسوعة في ظلال شهداء الطف للشيخ حيدر الصمياني.
جاء في کتاب موسوعة في ظلال شهداء الطف للشيخ حيدر الصمياني: عن مفهوم الإمامة عند الشهيد الكربلائي: ولا يفوتني وأنا أتحدّث عن هذا الحوار بين الشهيد ومالك بن النسر، أن أشير إلى مفهوم الإمامة في نظر الشهيد الكربلائي واستدلاله بالآية القرآنية: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ" (القصص 41). فهو قد استنطق القرآن الكريم الذي يشير إلى أنّ هناك طائفتين من الأئمّة؛ أئمّة هدى وأئمّة ضلال، وأشار إلى الطائفة الأولى بقوله: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" (الانبياء 73). وإلى الطائفة الثانية بقوله: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ" (الانبياء 73). وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام وهو يتحدّث عن خصائص كلّ من هاتين الطائفتين قوله: (إنّ الأئمّة في كتاب الله إمامان؛ قال الله تبارك وتعالى: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا" (الانبياء 73). لا بأمر الناس، يقدّمون الله قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم، قال: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ" (القصص 41). يقدمون أمرهم قبل أمر الله، وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف كتاب الله). وينقل الصدوق في أماليه كما ورد في تفسر الثقلين عن بشر بن غالب عن الإمام الحسين، أنّه سأله عن تفسير الآية: "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ" (الاسراء 71). فقال عليه السلام: (إمام دعا إلى هدى فأجابوه اليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه اليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قول الله: "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى 7)). ولعمري لقد كان الشهيد الكربلائي بصيراً في كتاب الله، متدبّراً في آياته، عالماً في أحكامه. ومن هنا نراه يستدلّ استدلال العلماء، ويتحدّث تحدّث الحكماء، وينطق عن يقين بالله تعالى، ولا غرابة في ذلك، فهو الذي نهل من معين الإسلام الصافي، وأُشرب علوم القرآن ومفاهيمه من مورده النقي فانعكست أقوالهم وأفعالهم*، على وعي الشهيد نتيجة لهذه المعاشرة لأئمّة أهل البيت* فأدرك أنّ الخزي كلّ الخزي حينما يتخلّى الإنسان عنهم، وأنّ السعادة كلّ السعادة في الكون معهم ونصرتهم والذبّ عنهم ولهذا نراه يقول لمالك بن النسر: عصيت ربّك وأطعت إمامك (الضالّ) في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار. يعني أنّ سوء اختيارك باتّباعك لأئمّة الضلال، وتخلّيك عن أئمّة الهدى، هو الذي سوف يُرديك فتخسر آخرتك بدخولك النار، كما أنّ العار سوف يلاحقك، وسبّة التاريخ والأجيال سوف لا تفارقك، لأنك تخلّيت عن الحقّ ونصرت الباطل.
وعن الشهيد عمّار بن حسّان بن شريح الطائي يقول الشيخ الصمياني في موسوعته: بين يدي الشهيد: هذا الشهيد هو واحد ممّن يصفهم البعض بأنّهم من رجال ساعة العسرة، والذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم يقوله: "لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (التوبة 117). وساعة العسرة قد تمرّ في زمن رسول الله فينزل فيها قرآنٌ، وقد تمرّ بعد زمن رسول الله، إنّ ساعة العسرة متوقعة في أي وقت على مدى الحياة، لأنّ كلّ إنسان منّا قد يمرّ بساعة عصيبة لا يجد إلى جانبه من يبثّه همومه، ويلتفت يميناً وشمالاً فلا يجد إلاّ نفسه، ومثل هذا الأمر كثيراً ما يحدث لأصحاب المبادئ والقيم. حيث تجد أنّ حياتهم مثقلة بالمتاعب والهموم والمشاكل، وكثيراً ما كانوا يعيشون الوحدة والغربة تحت وطأة هذه الظروف، وهذا ما كان علي بن أبي طالب يعاني منه بعد رحيل رسول الله’ حينما كان يعيش تلك المحنة التي مرّت على الإسلام بعد فقده’ فاضطرّته للابتعاد عن تلك الأجواء، وجرّته إلى غربة حقيقية، ووحدة ووحشة، جعلته يفضّل الموت على البقاء. لقد تمتّع الشهيد الكربلائي بأجداد عرفوا عند العرب بأنّهم من كبار الشخصيات وأصحاب المنزلة الاجتماعية الكبيرة، حتى أنّ الجاحظ وهو يتحدّث عن سعد، الجدّ الثاني للشهيد، يقول: قال ابن الكلبي: من الأشراف سعد الأثرم بن حارثة بن لأم، أخو أوس بن حارثة بن لأم، وكان شريفاً نبيهاً. لقد وُهِبَ الشهيد الكربلائي ذرية صالحة مباركة، صاحبة عطاءٍ كبير، حملت فكر أهل البيت وعلومهم، من جيل إلى جيل، حتى لقد كتب عنهم المؤرّخون وأصحاب الحديث والرجال، ومجّدوا شخصياتهم، فكانوا مصداقاً للآية الكريمة: "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ" (الكهف 82). ولقد تحدّر من صلب الشهيد أعلام مشهورون شهد لهم أرباب العلم والمعرفة، بالعلم والمعرفة وكان من هؤلاء أحمد بن عامر الطائي، وولده عبد الله، حيث يقول عنه المامقاني: (أحمد بن عامر، أبو الجعد، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا عليه السلام قائلاً: أحمد بن عامر بن سليمان الطائي، روى عنه ابنه عبد الله بن أحمد وأسند عنه، انتهى. وقال النجاشي: أحمد بن عامر بن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر، وهو الذي قتل مع الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء، ابن حسّان الشريح (بن شريح) ابن سعد بن حارثة بن لأم بن طريف... ويكنّى أحمد بن عامر أبا الجعد.
يقول الشيخ حيدر الصمياني في موسوعته: لقد عاش رسول الله’ حياته كما يعيشها سائر الناس في جميع صورها وأشكالها، وكما يقول القرآن الكريم: "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" (الكهف 110). حيث كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وكان له بيته كما كان للناس بيوتهم، فضلاً عما يترتب على وجود مثل هذا البيت من تحملٍ لمسؤولية الأزواج والذرية يقول القرآن الكريم وهو يتحدث عن هذا الجانب المهم في حياة الأنبياء عموماً: "وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً" (الرعد 38). ومع كل هذه المسؤوليات نجده’ يحب ويرغب أن يباشر أعماله وأعمال بيته بنفسه، بل كان لا يرضى للآخرين أن يؤدوا بعض شؤونه، لا سيما فيما يتعلق بالطهارة والصدقة كما في بعض الروايات، ومع ذلك فقد ذكر لنا التاريخ اسماء رجالٍ ونساءٍ تشرفوا في خدمته’، ونذروا أنفسهم في سبيل راحته’، لعظيم ما كانوا يرونه من أخلاقه العالية وشفقته المميّزة مع من يخدمه، حيث كان رافعاً لمعنوياتهم، وجابراً لخاطرهم، مبتسماً في وجوههم، قاضياً لحوائجهم، عائداً لمريضهم متفقداً لأحوالهم، ساداً لخلتهم، داعياً لهم بالخير، فضلاً عن تعليمهم أمور دينهم ودنياهم، حتى خرج من خدمته كبار العلماء والفقهاء والحكماء، ولقد ذكر لنا التاريخ العشرات ممن تبرعوا لخدمة رسول الله’، وكان منهم والد الشهيد الكربلائي عبد الله بن يقطر، حيث ذكر السيد البرقي في تاريخ الكوفة ما نصه: كان عبدالله بن يقطر الحميري صحابياً، وكان لدة الحسين، كما ذكره ابن حجر في الاصابة، والجزري في اسد الغابة، واللّدة: الذي ولد معك وتربى، لأن يقطر اباه كان خادماً لرسول الله’.
https://telegram.me/buratha