الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للسيد أبوالقاسم الخوئي: أن الطهور والطهارة مما لم تثبت له حقيقة شرعية ولا متشرعية في زمان نزول الآيتين، ولم يعلم أن المراد من الطهور هو المطهر من النجاسات ولم يظهر أنه بمعنى الطهارة المبحوث عنها في المقام. ولعل المراد منها ان الله من عليكم بخلق الماء وجعله طاهرا عن الكثافات المنفرة، ومطهرا من الاقذار العرفية، فان الانسان ليس كالحيوان بحيث لو لم ير الماء شهرا أو شهورا متمادية لا يكون موردا للتنفر عرفا، ولا يستقذره العقلاء بل هو يحتاج في تنظيف بدنه، ولباسه، وأوانيه، وغيرها إلى استعمال ماء طهور، فهو طاهر في نفسه ومطهر عن الاقذار. وقد جعله الله تعالى كذلك من باب الامتنان، إذ لولاه لوقع الانسان موقع التنفر والاستقذار. فالآية ناظرة إلى بيان هذا المعنى، لا بمعنى أن الماء مطهر من النجاسات المصطلحة المبحوث عنها في المقام لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، والمتشرعية في شئ من الطهارة والطهور. بل ولعل أحكام النجاسات لم تكن ثابتة في الشريعة المقدسة حين نزول الآيتين أصلا، حيث أن تشريع الاحكام كان على نحو التدريج لا محالة. ويؤيد ذلك أن الآيات القرآنية لم تشتمل على شئ من عناوين النجاسات وقذارتها إلا في خصوص المشركين، لقوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" (التوبة 28) على أن فيه أيضا كلاما في أن المراد بالنجس هل هو النجاسة الضاهرية المصطلحة، أو انه بمعنى النجاسة المعنوية وقذارة الشرك؟ كما يناسبها تفريعه تعالى بقوله فلا يقربوا المسجد الحرام فان النجس الظاهري لامانع من دخوله وادخاله المسجد على المعروف كما يأتي في محله. وكيف كان فلا دلالة في الآيتين على المطلوب. أجل لا نضايق من الحاق النجاسة الحدثية. أعني الجنابة بالاقذار العرفية في دلالة الآية على "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" (التوبة 28).
جاء في كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ما ذكره صاحب المصباح من أن (الاصل في البيع مبادلة مال بمال) فلا يكون دليلا على ذلك لعدم حجية قوله. وعلى هذا فإذا كان المبيع موردا لغرض المشتري سواء أكان مالا عند العقلاء أم لا كالحشرات واشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. وهذا بين لا ريب فيه. غاية ما يلزم كون المعاملة على ما ليس بمال عرفا سفهية. ولا دليل على بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البيع. والفاسد شرعا إنما هو معاملة السفيه والدليل على الفساد فيها أن السفيه محجور شرعا عن المعاملات وإذن فلا وجه لاخذ قيد المال في تعريف البيع. قيل: إذا تعلق غرض المشتري باشتراء مالا يعد مالا في نظر أهل العرف كان ذلك الغرض موجبا لعروض المالية له. لما عرفته آنفا من أن مالية الاشياء متقومة بنظر العقلاء، ورغبتهم فيها. ومن البديهي أن المشتري من أفرادهم. والجواب عن ذلك: أن مالية الاشياء وإن كانت متقومة برغبة العقلاء وتنافسهم فيها إلا أن المراد من العقلاء نوعهم، دون الشخص الواحد. ولاجل ذلك أن من اعتبر المالية في البيع فقد رتب على اعتباره هذا فساد بيع الحيات والعقارب والديدان والخنافس، وأشباهها من هوام الارض وصغار دوابها، وغير ذلك مما لا يعد مالا في نظر نوع العقلاء وإن كان ذا رغبة لدى بعضهم لغرض ما. ويضاف إلى ذلك أنا لو سلمنا وجود الدليل على اعتبار المالية في البيع. إلا أن ذلك حكم شرعي غير مربوط بمفهوم البيع حتى يؤخذ في تعريفه. ولو صح أخذ ذلك في تعريف البيع لحسن بنا أن نأخذ أحكام البيع برمتها في تعريفه. مع أنه واضح الفساد. ثم لا يخفى على الفطن العارف أن مفهوم البيع لا يتحقق إلا بدخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه: بان يفك البائع اضافته القائمة بالمتاع، ويجعلها قائمة بالثمن. ويفك المشتري اضافته القائمة بالثمن، ويجعلها قائمة بالمتاع. ومثال ذلك أنه إذا باع زيد طعامه من عمرو بدينار صار الدينار ملكا لزيد. ولو صار الدينار ملكا لبكر لما صدق عليه مفهوم البيع بوجه. ويستوضح هذا المعنى من الكتاب العزيز ومن كلمات الفصحاء. قال الله تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" (التوبة 113). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الظاهرة في أن دخول العوض مكان المعوض معتبر في مفهوم البيع، والشراء.
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: لا يقاس صاحب الملكة بمن ليست له ملكة الاجتهاد بالفعل إلاّ أنه يتمكن من تحصيلها لاستعداده وقابليته ولو بالاشتغال بالدراسة سنين متمادية ، وذلك لأنه غير متمكن حقيقة من تحصيل العلم التعبدي بالأحكام ولا يحتمل حرمة التقليد عليه بأن يحتمل وجوب الاجتهاد في حقه ، كيف فإن الاجتهاد واجب كفائي وليس من الواجبات العينية كما هو مقتضى قوله عزّ من قائل : "فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122). لدلالته على أن الاجتهاد وتحصيل العلم بالأحكام إنما يجب على طائفة من كل فرقة لا على الجميع. وهذا بخلاف صاحب الملكة إذ من المحتمل أن يجب عليه الاجتهاد وجوباً تعيينياً لتمكنه من تحصيل العلم بالأحكام ويحرم عليه التقليد لانصراف أدلة الجواز عنه ، حيث إن ظاهرها أن جواز التقليد يختص بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بالأحكام
جاء في كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي: وقد اسبقنا عند التكلم على معنى التقليد أن كون المفتى ضامنا هو الموافق لمعنى التقليد ومفهومه، لانه بمعنى جعل الشخص ذا قلادة فكأن العامي جعل أعماله التي استند فيها إلى فتوى ذلك الشخص قلادة ووضعها على رقبته، وإذا كان الامر كذلك فلا مناص من الحكم بوجوب الاعلام في المقام، لانه لو تركه بعدما زالت غفلته ضمن ما اتى به الجاهل من المحرمات أو ما تركه من الواجبات وكان وزر ذلك عليه. نعم لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على وجوب تبليغ الاحكام الشرعية وحفظها عن الاندراس، وذلك لانها انما دلت على وجوب تبليغها فحسب ويتحقق ذلك ببيان الاحكام الشرعية على نحو يتمكن العامي من الوصول إليه حتى لا يندرس الدين بلا فرق في ذلك بين المجتهد وغيره من المكلفين. وأما ايصالها إلى كل فرد فرد من آحاد المكلفين ولو بدق ابوابهم فلم يقم على وجوبه دليل ولم يلتزم به الائمة عليهم السلام فما ظنك بغيرهم، وانما التبليغ كذلك كان لازما على النبي (ص) بالمقدار الممكن منه دون بقية المكلفين، ويتحقق بيان الاحكام الشرعية على النحو المزبور في حق المجتهد بطبع رسالته العملية وجعلها موردا يتمكن من الوصول إليه، أو بجلوسه في بيته وتهيؤه للجواب عند السؤال عن الاحكام الشرعية. وهذا بخلاف المقام لان المطلوب فيه ليس هو التحفظ على الاحكام الشرعية عن الاندراس ببيانها على نحو يتمكن المكلف من الوصول إليها. بل المراد ايصال الحكم إلى العامي الجاهل بشخصه، وهذا مما لا تقتضيه الادلة الواردة في وجوب تبليغ الاحكام الشرعية فالاستدلال بتلك الادلة مما لاوجه له في المقام. هذا كله في الصورة الاولى. (أما الصورة الثانية): فالصحيح أن الاعلام غير واجب حينئذ، إذ لا دليل على وجوبه، فإذا سئل المجتهد عن الصوت المرجع مثلا فافتى بحرمته وانه غناء وظهر بعد ذلك أن فتواه فيه الاباحة وأن المحرم هو الصوت المرجع المطرب. لم يحب عليه اعلام السائل بالحال، لانه أو الناقل وان سبب ترك العمل للمكلف الا انه تسبيب إلى التزام المكلف بترك امر مباح أو باتيان عمل غير واجب ولا حرام وهو مما لا محذور فيه بل هو امر مستحسن لانه موافق للاحتياط فما استدللنا به على حرمة التسبيب غير جار في المقام. وأما الاستدلال على وجوب الاعلام في هذه الصورة بما دل على وجوب تبليغ الاحكام وحفظها عن الاندراس فيرد عليه: (أولا): ما قدمناه من ان تلك الادلة انما تقتضي وجوب تبليغ الاحكام بمعنى بيانها على نحو يتمكن من الوصول إليها ولا دلالة لها على وجوب ايصالها إلى آحاد المكلفين الذي هو المطلوب في المقام. و (ثانيا): ان الآيات والاخبار المستدل بهما على وجوب تبليغ الاحكام مختصة بالاحكام الالزامية، ولا تعم الاحكام الترخيصية إما لاقترانها بالقرينة في نفسها كقوله عز من قائل: "ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون" (التوبة 122) لوضوح أن الانذار لا يتحقق الا ببيان الاحكام الالزامية، إذ لا انذار في الاحكام الترخيصية. وإما لما اسلفناه من أن التعلم واجب طريقي وليس بواجب نفسي، والوجه في هذا الوجوب الطريقي هو التحفظ على المصالح لئلا تفوت، والتجنب عن الوقوع في المفاسد، ومن الظاهر عدم وجوب التعليم الا فيما وجب فيه التعلم.
https://telegram.me/buratha