الصفحة الإسلامية

الطبيعة موعظة وعبرة.


مصطفى الهادي.

الطبيعة عاقلة : (ثم استوى إلى السماء وهي دُخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين).(1)

لم نقل باطلا عندما نقول أن أحداث الطبيعة لا تتحرك وحدها، فلابد من وجود محرّك لها. أي حدث مهما كان صغير او كبير لابد من وجود محرّك له ، باعث ، مسبب.(وجعلنا لكل شيء سببا).(2) ولكن الإنسان في عناده واستكباره وتدخله في الشؤون الدينية يجعلهُ يعتقد أن الكثير من الظواهر الكونية التي تحصل بأنها مجرد صدفة لا يوجد أي باعث آخر لها.

فقد دأب الإنسان على الاستخفاف بالظواهر الكونية وسعيه الدائم إلى عزل تلك الظواهر عن التأثير الإلهي (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) ، ويقولون بأن الطبيعة تتصرف وفق قوانين تحكمها ، وبسببها تحصل الكوارث. ولا دخل للعوامل الغيبية في ذلك.

هذا الكلام فيه تمويه وخداع لتبرير سلوك الإنسان المدمّر والمخرب تجاه الطبيعة. وقولهم هذا هو للتنصل من المسؤولية ، واتهام الطبيعة بأنها وراء حصول الكوارث.

فيما تقدم توجد نتائج وأسباب لحصول الحوادث. الأسباب هي الاستخدام المفرط حد الإسراف للموارد الطبيعية وإتلاف كل شيء على وجه الأرض بالحروب او بالاستهلاك الغير مدروس انطلاقا من جشع لا مبرر له، والنتائج كارثية. ولكن بالرجوع إلى الحقيقة تتضح ان هناك عوامل غيبية أخرى وراء ذلك ، فانتشار الظلم في كل مكان يدفع القوى الغيبية للتدخل من أجل الإنسان نفسه عبر تنبيهه بتحريك القوانين الطبيعية التي تحصل بسببها كوارث وغيرها. ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا).(3) أي إنذارا لهم لعلهم ينتبهون.

صحيح أن الكون وما فيه تحكمه القوانين الدقيقة الصارمة، ( إنا كل شيء خلقناه بقدر).(4) ومن وضع هذه القوانين فهو قادر على تحريكها وتغييرها لغايات وأهداف للصالح الإنساني وإن بدت محزنة. فهذه القوانين لم تُخلق للإضرار بالإنسان بل لحفظه إن هو رعاها حق رعايتها وتصرف بحكمة معها. الزلازل والفيضانات والبراكين والأوبئة، تشبه إلى حد بعيد ما يعتري الإنسان من أمراض. لأن الجسد أيضا تحكمه قوانين ، فإذا أخلّ الإنسان بهذه القوانين أصابته الأمراض والعلل التي لربما تؤدي إلى وفاته.

الرؤية العلمية المفسرة للظواهر الطبيعية صحيحة ولكن العلم عاجز عن التحكم فيها أو السيطرة عليها أو حتى منعها.

يقول تعالى : (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).(5) فقد حوّل الله تعالى الطبيعة إلى جنود تأتمر بأمره.(ولله جنود السماوات والأرض. وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر).(6)

حصلت الظواهر الطبيعية في الماضي (الآيات) وقد تحدث في أي زمان إما عقوبة أو علامة. مثل انشقاق القمر كآية من آيات اقتراب الساعة (اقتربت الساعة وانشق القمر).(7) فإذا كان الكافر الملحد العلماني لايؤمن ، فإن المؤمن يجعل من ذلك فرصة للضراعة والتوبة وطلب الرحمة وتجديد الصلة بالله تعالى. (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون). ( 8 )

ولعل اكبر حكمة حصلنا عليها بسبب كورونا هو وضوح أهل الحق وأهل الباطل. حيث أننا رأينا في هذه المحنة التي مرّت على البشرية اهتمام العلماء الطبيعيين وعلماء الدين لإيجاد حلّ لهذه المصيبة كلٌ حسب اختصاصه إن كان في المختبرات او المحاريب، وفي الطرف المقابل رأينا اختفاء أصحاب الطرب والغناء واللعب واللهو فلم نجد لهم أي دور يُذكر لا سلبا ولا إيجابا. لا ندري أين اختفوا حتى أننا لا ندري ماذا كانوا يصنعون، هل لجأوا إلى الله أم إلى معازفهم وألاعيبهم. فبسبب هذه المصيبة علمنا النافع من غير النافع ، وهذا مصداق قوله تعالى : (فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكُثُ في الأرض).(9) في هذه المحنة عرف الناس الله ولجأوا إليه.

(أفأمن أهلُ القرى أن يأتيهم بأسُنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهلُ القرى أن يأتيهم بأسُنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمنُ مكر الله إلا القوم الخاسرون. أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاءُ أصبناهم بذنوبهم ونطبعُ على قلوبهم فهم لا يسمعون).(10)

المصادر.

1- سورة فصلت آية : 11.

2- ليست آية قرآنية بل حديث يقول (لكل شيء سبب ، وليس أحد يفطن له).

3- سورة الإسراء آية : 59.

4- سورة القمر آية : 49.

5- سورة العنكبوت آية : 40.

6- سورة الفتح آية : 7. وسورة المدثر آية : 31.

7- سورة القمر آية : 1.

8- سورة الأنعام آية : 43.

9- سورة الرعد آية : 17.

10- سورة الأعراف آية : 97 ــ 100.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك