الدكتور فاضل حسن شريف
وعن السر في عدد الأربعين يقول المؤلف تاج الدين في كتابه النور المبين في شرح زيارة الأربعين: لا يعرف أحد السرّ الدفين في عدد (الأربعين) وفلسفته الوجوديّة، وامتيازه على الأعداد الأُخرى والأرقام الثانية، حيث نواجه في الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام، تركيزاً كثيراً في شتّى المجالات والمواضيع على هذا العدد: (الأربعين) بالذات، ممّا يسترعي الانتباه والوقوف أمام هذه الظاهرة الفريدة بين الأعداد والأرقام . كما أن القرآن الكريم عند سرده لقصص بعض الأنبياء العظام يومء إلى دور هذا العدد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإليك بعض التفصيل لما ألمحنا إليه من القرآن الكريم والسنة الشريفة. وهو: تحدّث القرآن الكريم عن قوم موسى عليه السلام وتقهقرهم على ما كانوا من الكفر والضلال عندما تأخر عنهم موسى عليه السلام أربعين ليلة قائلاً: "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" (البقرة 51). كما وأن القرآن الكريم قد جاء على ذكر قوم موسى عليه السلام، وما تلقّوا من العذاب في الدنيا بعد أن رفضوا الانصياع له عليه الصلاة والسلام، متحدثاً: "قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ" (المائدة 26) بعد أن أمر موسى عليه السلام قومه بالدخول في الأرض المقدسة حسب ما يحكي القرآن الكريم "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ" (المائدة 21). ولكن قومه تعنتوا وتمرّدوا و "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" (المائدة 24) فتاهوا أربعين سنة في البيداء. وفي مجال ثالث يربط القرآن الكريم بين بلوغ الأشدّ وكمال العقل لدى الإنسان من جهة وبين البلوغ للعام الأربعين من جهة أُخرى حيث يقول عزّ من قائل: ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ" (الاحقاف 15) ففي هذه الموارد الثلاثة يؤكد القرآن الكريم على عدد (الأربعين).
ويستطرد المؤلف تاج الدين عن عدد اربعين قائلا: ومنها احتباس الوحي عن النبي موسى عليه السلام (أربعين) صباحاً وأن مدّة ملك داود عليه السلام كانت (أربعين) سنة وأن الوحي قد احتبس عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً. كما قيل إن الله سبحانه وتعالى قد جعل إنتقال الإنسان في أصل الخلقة من حال إلى حال في (أربعين) يوماً كالانتقال من النطفة إلى العلقة ، ومن العلقة إلى المضغة ومن المضغة إلى العظام ومنها إلى اكتساء اللحم. وأورد المحقق الخبير الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة إثنا عشر كتاباً لعلمائنا الكبار القدامى باسم (الأربعون) مثل (الأربعون مسألة) للشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفّى عام (606 هـ) الموافق عام (1185 م). و (الأربعون مسألة) للشيخ شمس الدين محمد بن مكي الشهيد عام (786 هـ) الموافق سنة (1366 م). كما أن جمعاً من علمائنا العظام رضوان الله تعالى عليهم وضعوا كتباً اسموها بـ (الأربعينيات) لاستقصاء ما ورد ذكر الأربعين فيها . مثل (الأربعونيّات) للشيخ حبيب الله بن شيخ الحكماء. و (الأربعونيات) للعلامة النوري قدس الله نفسه. فنستظهر من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، واهتمام العلماء بعدد (الأربعين) في تصانيفهم القيّمة، أن لهذا العدد شأناً قد لا يتوفر في الأعداد والأرقام الأُخرى. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حفظ عني من أُمتي أربعين حديثاً في أمر دينه يريد به وجه الله عزّ وجل والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).
وعن الكلام في شرح متن الزيارة جاء في کتاب النور المبين في شرح زيارة الأربعين للمؤلف مهدي تاج الدين: فنقول قول الإمام الصادق عليه السلام: اَلسَّلٰامُ: نوع من التحيّة وإنّها تحيّة الإسلام والمسلمين، وكان قبل الإسلام يحيّون بقولهم: (أهلاً ومرحباً) وغيرهما، وبعد الإسلام والشَّرع إختصَّ بقول: (سلام عليكم) والمقصود منها : تعظيم المحيّي للمحيّ للتأليف بين القلوب. ويدلّ على أنّ المراد به التحيّة قوله تعالى: "تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ" (الاحزاب 44) وقوله تعالى: "دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ" (يونس 10)، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ابدؤا بالسَّلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السَّلام فلا تجيبوه. وعن الباقر عليه السلام: إنّ الله يحبّ إفشاء السَّلام. ولذا نرى الشريعة المقدّسة أكّدت على إفشاء السَّلام وجعلت ردّ السّلام واجباً كفائيّاً وأمّا البادئ بها فله من الأجر كما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: من قال السَّلام عليكم كتب له عشر حسنات، ومن قال السَّلام عليكم ورحمة الله كُتب له عشرون حسنة، ومن قال: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة. وجاء في تفسير السَّلام: أنّه مأخوذ من سلم الآفات سلامة أي سلمت من المكاره والآفات وإليه يرجع ما قيل من انّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدُّنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحيّة والبشرى بالسلامة.
https://telegram.me/buratha