الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة اعصار ومشتقاتها "أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" ﴿البقرة 266﴾ اعصار اسم، إعصار: ريح عاصف يرفع ترابا إلى السماء كأنه عمود، وهو الذي يقال له الزوبعة. وقيل: ري عاصف تثير سحبا ذات رعد وبررق وتحمل غبارا شديدا، إعصار: ريح عاصف (زوبعة)، إعْصارٌ فيهِ نارٌ: ريح فيها سموم شديدة، أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والأعناب، تجري من تحت أشجارِه المياه العذبة، وله فيه من كل ألوان الثمرات، وقد بلغ الكِبَر، ولا يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس، وله أولاد صغار في حاجة إلى هذا البستان وفي هذه الحالة هبَّت عليه ريح شديدة، فيها نار محرقة فأحرقته؛ وهكذا حال غير المخلصين في نفقاتهم، يأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم، وبمثل هذا البيان يبيِّن الله لكم ما ينفعكم؛ كي تتأملوا، فتخلصوا نفقاتكم لله، و "ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ" ﴿يوسف 49﴾ يَعْصِرُونَ: يَعْصِرُ فعل، ونَ ضمير، يعصرون: يستخرجون ماء يعصر كالزيتون و العنب، و العصيرة: ما تحلّب مما عصر. وقيل: هي بمعنى ينجون، من العصر و العصرة الذي هو المنجاة و الملجأ، يعصرون: ما شأنه أن يُعصر كالزّيتون، يَعْصِِرونَ: ما شأنه إن يعصر أو يحلب، ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر، فيرفع الله تعالى عنهم الشدة، ويعصرون فيه الثمار من كثرة الخِصْب والنماء، و "وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا" ﴿النبإ 14﴾ الْمُعْصِرَاتِ: الْ اداة تعريف، مُعْصِرَاتِ اسم، المعصرات: السحب فيها مطر يعصر بعضه بعضا فيخرج ماء المطر من بين السحابتين. أو هي الرياح، أو الغيوم نفسها، وقيل: هي السحب التي تأتي بالإعصار وتثير الغبار، المُعْصِرَاتِ: السحاب الممتلئ ماء، وأنزلنا من المعصرات: السحابات التي حان لها أن تمطر، كالمعصر الجارية التي دنت من الحيض، وأنزلنا من السحب الممطرة ماء منصَبّا بكثرة، لنخرج به حبًا مما يقتات به الناس وحشائش مما تأكله الدَّواب، وبساتين ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَالْمَعْصُورَةَ لَهُ وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ وَبَائِعَهَا وَالْمُبْاعَةَ لَهُ وَسَاقِيَهَا وَالْمُسْتَقَاةَ لَهُ حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الضَّرْبِ). جاء في نور الثقلين عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال في تفسير آية: "وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ" (العصر 1-2): العصر عصر خروج القائم (أي خروج الإمام المهدي المنتظر سلام اللّه عليه).
جاء في المعاجم: العَصْر والعِصْر والعُصْر والعُصُر؛ الأَخيرة عن اللحياني: الدهر قال الله تعالى: "والعَصْرِ * إِنّ الإِنسان لفي خُسْرٍ" (العصر 1-2)، قال الفراء العَصْر الدهرُ، أَقسم الله تعالى به، وقال ابن عباس: العَصْرُ ما يلي المغر من النهار، وقال قتادة: هي ساعة من ساعات النهار، وقال امرؤ القيس ف العُصُر وهل يَعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالي والجمع أَعْصُرٌ وأَعْصار وعُصْرٌ وعُصورٌ، قال العجاج والعَصْر قَبْل هذه العُصور مُجَرِّساتٍ غِرّةَ الغَرِير والعَصْران: الليل والنهار. عَصْرُ وعُصْرُ وعِصْرُ وعُصُرُ: الدَّهْرُ، ج: أعْصارٌ وعُصُورٌ وأعْصُرٌ وعُصُرٌ. عَصْرُ: اليومُ، والليلَةُ، والعَشِيُّ إلى احْمِرارِ الشمسِ، والغَداةُ، والحَبْسُ، والرَّهْطُ، والعَشِيرَةُ، والمَطَرُ من المُعْصِراتِ، والمَنْعُ، والعَطِيَّةُ، عَصَرَهُ يَعْصِرُهُ. عَصَرُ: المَلْجَأُ، والمَنْجاةُ، كالعُصْرِ، والمُعَصَّرِ، والغُبارُ. أعْصَرَ: دَخَلَ في العَصْرِ. أعْصَرَتِ المرأةُ: بَلَغَتْ شَبابَها، وأدْرَكَتْ، أو دَخَلَتْ في الحَيْضِ، أو رَاهَقَت العِشْري. اعتصرَ يعتصر، اعتصارًا، فهو مُعْتَصِر، والمفعول مُعْتَصَر: اعتصرَ البرتقالَ ونحوَه عصرَه، ضغطه واستخرج ما فيه من سائل واتّخذَه عصيرًا يُشْرَب: عتصر عنبًا. اعتصر القلقُ قلبَه: اشتدَّ به وأحزنه وأغمَّه، اعتصره الهَمُّ: أضناه، وأنهكه. اعتصر الثَّوبَ: عصره، استخرج ماءَه بلَيّه. المُعْصِرَاتُ: السَّحائبُ تعتصرها الرياح بالمطر. وفي التنزيل العزيز: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً" (النبأ 14) وهي جمع مُعْصِرَةٍ. عصر، ج: عصور. أعصر: 1- مصدر عصر. 2- عشي، أو آخر النهار إلى احمرار الشمس. 3- يوم. 4- غداة. 5- ليلة. 6- عطية. 7- عشيرة، رهط، الجماعة. 8- و جمع : عصور وأعصر وعصر وأعصار، وجمع أعصار أعاصر: دهر. 9- مرحلة من الزمان منسوبة إلى حكم رجل أو سيادة دولة أو إلى ظاهرة اجتماعية أو علمية أو نحو ذلك: (عصر المأمون، العصر الراشدي، العصر الحجري، عصر الذرة). 10- (العصر): سورة من سور القرآن الكريم.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عبارة "إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ" (البقرة 266) قد تكون إشارة إلى رياح السموم التي تحرق الزرع و تجفّف المياه، أو الرياح التي تكتسب الحراة من المرور على الحرائق فتكتسح معها النيران المحرقة و تحملها إلى مناطق اخرى، أو قد تكون إشارة إلى العواصف التي تصاحبها الصواعق فتصيب الأرض و تحيلها إلى رماد، إنّها على كلّ حال إشارة إلى إبادة سريعة. الإعصار ريح تثير الغبار، و هي تهبّ من اتجاهين مختلفين، بحيث إنّها تتجه من الأرض عموديا إلى السماء. قوله تعالى "وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً" (النبأ 14). "المعصرات": جمع (معصر)، من العصر بمعنى الضغط. و الكلمة تشير إلى أنّ الغيوم تقوم بعملية و كأنّها تعصر نفسها عصرا لكي ينهمر منها الماء على شكل أمطار (ينبغي ملاحظة أنّ "المعصرات" جاءت بصيغة اسم فاعل). و فسّرها بعضهم بالغيوم المستعدة لإنزال الأمطار، باعتبار أنّ اسم الفاعل يأتي في بعض الأحيان بمعنى الاستعداد للقيام بعمل ما. و قال بعض آخر: إنّ "المعصرات" ليست صفة للغيوم، و إنّما للرياح التي تقوم بضغط و عصر الغيوم. (الثجاج): من الثج، بمعنى سيلان الماء بكمية كبيرة، و (ثجاج) صيغة مبالغة، و يراد بها هنا غزارة الأمطار المنهمرة نتيجة العصر الحاصل للغيوم. و بالإضافة لكون المطر منبعا لكثير من مصادر الخير و البركة، فهو: ملطف للجو، مزيل للتلوثات الموجودة في الجو، مخفض للحرارة و معدل للبرودة، مقلل لأسباب الأمراض، يمنح الإنسان روحا متجددة و نشاطا. يقول بعض العلماء: إنّ الغيوم حين تتراكم تخضع لنظام معين، حيث تقوم بعصر نفسها فتتساقط قطرات الأمطار منها، و هذا في واقعة يكشف عن إحدى المعاجز العلمية للقرآن في استعماله لهذا التعبير. التعبير ب "إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً" (يوسف 36) امّا لانّه راى في النوم انّه يعصر العنب للشراب او العنب المخمّر الذي في الدنّ، و هو يعصره ليصفّيه مستخرجا منه الشراب، او انّه يعصر العنب ليقدّم عصيره للملك دون ان يكون خمرا، و حيث انّ العنب يمكن ان يتبدّل خمرا اطلق عليه لفظ الخمر.
https://telegram.me/buratha