الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جلت قدرته "يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" ﴿النحل 59﴾ هون بضم الهاء اسم اي مهانة لا يعتني بها، و "أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه" ﴿الأنعام 93﴾ الهُون: الهوان و الخزي، و "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" ﴿الفرقان 63﴾ هونا: رفقاً، رويداً، أو بسكينة و وقار و تواضع. و الهون بفتح الهاء: السكينة، و اللين و الرفق، و "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ﴿فصلت 17﴾ هون صفة اي مهين، صاعقة العذاب الهون هي صيحة ورجفة وعذابا وهوانا ، و "وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ" ﴿الأحقاف 20﴾ عذاب الهون هو الهوان والذل، و "الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" ﴿النساء 37﴾ عذابا مهينا يعني العقاب المذل، و "إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" ﴿النساء 102﴾، و "أُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا" ﴿النساء 151﴾ عذابا مهينا يعني العقاب المذل. كلمة هون ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم: مُهِينٌ، مُهِينًا، الْهُونِ، هُونٍ، هَيِّنٌ، يُهِنِ، هَيِّنًا، هَوْنًا، مُهَانًا، أَهْوَنُ، الْمُهِينِ، أَهَانَنِ.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" ﴿الحج 18﴾ أي إن من يهينه الله لا يكرمه أحد، وليست له سعادة ولا أجر، حقا إن الله يفعل ما يشاء فهو يكرم المؤمنين به، ويذل المنكرين له. قال الله تعالى "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" ﴿الفرقان 63﴾ إن أول صفة لعباد الرحمن هو نفي الكبر والغرور والتعالي، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي، لأن الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه بدقة من أسلوب مشيته. نعم، إنهم متواضعون، والتواضع مفتاح الإيمان، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر. هون مصدر، وهو بمعنى الناعم والهادي المتواضع، واستعمال المصدر في معنى اسم الفاعل هنا للتوكيد، يعني أنهم في ما هم عليه كأنهم عين الهدوء والتواضع. قال الله تعالى "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ﴿فصلت 17﴾إن الله قد بعث الرسل والأنبياء لهم مع الدلائل البينة، ولكن ثمود مجموعة تسكن وادى القرى منطقة بين الحجاز والشام وقد وهبهم الله أراضي خصبة خضراء مغمورة، وبساتين ذات نعم كثيرة، وكانوا يبذلون الكثير من جهدهم في الزراعة. ولقد وهبهم الله العمر الطويل والأجسام القوية، وكانوا مهرة في البناء القوي المتماسك لقد جاءهم نبيهم بمنطق قوي وقلب ملؤه الحب، ومعه المعاجز الإلهية، إلا أن هؤلاء القوم المغرورين المستعلين لم يرفضوا دعوته وحسب بل آذوه وأتباعه القليلين، لذلك شملهم الله بعقابه في الدنيا، ولن يغني ذلك عن عذاب الآخرة شيئا. قوله تعالى "فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ" ﴿الأحقاف 20﴾ فاليوم ترون جزاء كل ذلك التمتع الباطل، واتباع الشهوات الأعمى، وعبادة الهوى، والاستكبار والفسق والفجور وتذوقون العذاب المذل والمهين بسبب تلكم الأعمال. إن التعبير ب عذاب الهون بمثابة رد فعل لاستكبار هؤلاء في الأرض، لأن العقوبة الإلهية تتناسب تماما مع نوع الذنب والمعصية، فأولئك الذين تكبروا على خلق الله، بل وحتى على أنبيائه، ولم يخضعوا لأي تشريع إلهي، يجب أن يلاقوا جزاءهم بذلة وحقارة ومهانة.
جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: الهون: الرفق واللين والتثبت، ومنه الحديث احبب حبيبك هونا ما أي حبا مقتصدا لا إفراط فيه، وفي القاموس: هان هونا سهل. ورد عن سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام أنه قال بعد أن تفاقم الخطب أمامه في كربلاء، واستشهد أصحابه وأهل بيته: (هون ما نزل بي انه بعين الله تعالى، اللهم لا يكون اهون عليك من فصيل ناقة صالح). وفي تفسير السمعاني: قوله تعالى "أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ" (النحل 59) قال الكسائي: الهون والهوان بمعنى واحد، وقالت الخنساء شعرا: نهين النفوس ووهن النفوس * ليوم الكريهة أبقى لها.
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من قرأ سورة ق هون الله عليه تارات الموت وسكراته). و عنه صلى الله عليه وآله: (صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء). قال الامام علي عليه السلام (وحذركم عدوا نفذ في الصدور خفيا ونفث في الآذان تجيا، فأضل وأردى، ووعد فمنى، وزين سيئات الجرائم. وهون موبقات العظائم. حتى إذا استدرج قرينته واستغلق رهينته أنكر ما زين واستعظم ما هون وحذر ما أمن). وعنه عليه السلام: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما).
https://telegram.me/buratha