الدكتور فاضل حسن شريف
وبستمر الشيخ جلال الدين الصغير مستشهدا بآيات قرآنية حول مفهوم من عنده علم الكتاب قائلا: ومن العجيب أن بعض المفسرين يشير إلى أن لفظة المسلمين أراد بها مطلق أهل الإسلام, دون أن يلتفت إلى تقدم لفظة الذين آمنوا على لفظة المسلمين، مما يميز الكلمة هنا عن كلمة الإسلام في سورة الحجرات: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" (الحجرات 14) فهنا تقدم الإسلام على الإيمان لأنه إسلام كل الناس، ولذلك نهى من ادعاء الإيمان، أما في هذه الآية فنحن نرى العكس حيث تقدم لفظ الإيمان على الإسلام، مما يجعل هذه الصفوة تمثل عصارة الإسلام. ولولا حظنا بقية المواصفات بدقة لرأينا أن هؤلاء من أهل العصمة، وذلك لما أشير هنا إلى مواصفات مطلقة، وإذا ما كان وسط الشئ يعني أفضله كما يقول صاحب اللسان حيث يعقب: ومنه الحديث: خيار الأمور أوساطها. إذن لا بد وأن يكون ركوع هذه الأمة وسجودها وعبادتها وفعلها للخير، ثم جهادها وإقامتها للصلاة وإيتاؤها للزكاة واعتصامها بالله يكون من أفضل أنواع السجود والركوع والعبادة، بحيث يكون الله مولاهم، على نحو مطلق لذلك عبر عنه بأنه نعم المولى ونعم النصير.
ويقول الشيخ جلال الدين الصغير: ومن شأن تشخيص هوية الكتاب أن نستدل على طبيعة العلم الذي يمتلكه من عنده علم هذا الكتاب، وقد دار الجدل بعد دحض نظرية كون الكتاب، كتاب أهل الكتاب حول اتجاهين، فاتجاه ذهب إلى أن المقصود بالكتاب هو اللوح المحفوظ المدونة فيه أسرار عالم الملكوت، ويتقوى هذا الاتجاه بوصف آصف بن برخيا عليه السلام في القرآن حيث أشارت إليه الآية القرآنية بوصف: "قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" (النمل 40) حيث أن الآية التي تصور آصف بن برخيا عليه السلام بأنه يمتلك نمطا من أنماط الولاية التكوينية وهي من آيات علم الملكوت قد أشير إليه بأنه يمتلك بعضا من علم الكتاب لوجود (من التبعيضية) وحيث أن أشار إلى البعض فلا بد وأن يشير إلى الكل، ولهذا جاءت آية " ومن عنده علم الكتاب " للإفصاح عن هذا العالم بكل هذا العلم. وفي مقابل ذلك يتحدث الاتجاه الثاني عن أن هذا الكتاب إنما هو القرآن الكريم، وهو ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي في تفسيره حيث يرى أن ما يؤيد هذا الفهم هو مفتتح سورة الرعد "المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ" (الرعد 1)، ويؤكد أنه هو الشاهد على صحة الرسالة التي تضمنها باعتبار أنه: "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42) وفي تصوري أن لا تعارض من حيث الجوهر بين كلا الاتجاهين، فلئن كان علم اللوح المحفوظ قد حوى ما كان وما سيكون، فالقرآن فيه تبيان لكل شئ كما وصفه الله في قوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89) وهذه الكل شئ يمكن أن تمتد أيضا لعلم اللوح المحفوظ كما يذهب إلى ذلك البعض من المؤلفين.
وعن الواقع الروائي لأفكار الانحراف يقول الشيخ الصغير: نلاحظ أن هذا النص الذي جاء ليفسر القرآن بغير ظاهره، هل يستقيم هذا التفسير مع قواعد اللغة العربية أم لا؟ هل يمكن أن يحتفظ القرآن ببلاغته مع هذا التفسير أم لا؟ لذلك ليس كل حديث نقبله ولو كان صحيحا يأتي بتفسير للقرآن غير التفسير الظاهر. وما من شك في أن نفس القرآن يحكم كل شئ، ولكن حينما نجعل المفهوم القرآني حاكما، فإن ما نحتاج إليه مسبقا هو الآلية التي بموجبها نفهم هذه المفاهيم، ونحدد أطرها، ولن نجد عندئذ غير السنة الصحيحة والموثوقة بقادرة على تحديد هذه المفاهيم، ففي القرآن محكم ومتشابه، وخاص وعام، ومقيد ومطلق، وظاهر وباطن، وهذه تحتاج إلى من يخرجها من إطار اللفظ إلى إطار المراد الإلهي، ولن يتولى هذا الأمر سوى من له ملكة التعرف على هذا المراد، وبغيره فإن ما يعبر به هو عن المفهوم القرآني، أو الفهم القرآني للمسائل وما إلى ذلك، لن يعدو كونه عملا من أعمال مناهج الاستحسان العقلي والمصالح المرسلة، وهو منهج علاوة على كونه مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل مدرسة أهل البيت عليهم السلام، إلا أنه ظني الدلالة في أحسن الأحوال، وهذا ما يرفضه القرآن ويقرع من يستخدمه فقال جل من قائل: "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" (الانعام 116) وقوله: "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" (يونس 36) وكذا قوله: "وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا" (النجم 28) وذلك ضمن تفصيل يراجع في متون الكتب الأصولية.
https://telegram.me/buratha