الدكتور فاضل حسن شريف
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فالتطوع الخيري يجعل جسد المجتمع في صحة لان المجتمع اذا مرض بعض افراده سينتقل المرض الى بقية افراد المجتمع الذي لديه امكانيات التبرع وبذل المساعدة. ويتميز العمل التطوعي بالايثار على النفس كما قال عز من قائل "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" (الحشر 9) اي يقدمون مصلحة الناس على مصلحتهم الشخصية.
وردت آيات قرآنية تحث على التطوع منها قوله تبارك وتعالى "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون" (المائدة 48)، و "وتَعَاونُوا عَلى البِّرِ والتَقوَى" (المائدة 2)، و "فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ" (البقرة 184)، و "وآتى المَالَ عَلى حُبِه ذَوي القُربى واليتَامَى والمَسَاكِّين وابن السَبِّيل" (البقرة 177)، و "وفي أموالهِّم حَقٌ مَعلُوم للسَائِّل والمَحرُوٌم" (المعارج 24). كما وردت احاديث نبوية تشير الى العمل التطوعي كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (ابن آدم ستون وثلاثمائة مفصل، على كلِ واحد منهما في كلِ يوم صدقةٌ، فالكلمة الطيِبة يتكلم بها الرجل صدقة، وعَون الرجل أخاه على الشيء صدقة، والشربة من الماء يسقيها صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة).
ومن الاعمال التطوعية ما قام به موسى والخضر عليهما السلام في اصلاح الجدار الذي اراد ان ينقض وينكشف كنز الغلامين كما قال الله تعالى "فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا" (الكهف 77)، و "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا" (الكهف 82). حيث لم يأخذوا على عملهم اجرا.
ذو القرنين كان رجل صالح يروم قضاء حوائج الناس بعمله التطوعي في حياته ودعوته كما قال عز من قائل "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" (الكهف 93-98). قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: خرجًا أي أجرًا عظيمًا، ولكن ذو القرنين امتنع عن اخذ الاجر وبدلا من ذلك طلب من الله تعالى ان يمكنه من العمل وطلب منهم المساعدة في انجاز العمل الذي سيفيدهم "قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا" (الكهف 95). كما حصل مع سليمان عليه السلام "فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ" (النمل 36).
ورد ان التطوع التعبدي هو عبادة زائدة عن الفرض يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، رغبة في نيل رضاه سبحانه ومحبته مثل صلاة والصيام والحج، ونحوها، تطوعًا من غير فريضة. والمجتمع ينتفع من تطوع الفرد التطوعي بان يصبح شخص نافع يفيد المجتمع، وادنى ذلك ان لا يضر ويسيء الى مجتمعه ولنفسه كما قال الله تعالى "تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ" (البقرة 184).
ومن امثلة التطوع في اعمال البر غرس الاشجار وجعل الارض خضراء كما جاء في الحديث الشريف (ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْسًا، أو يَزْرَعُ زَرْعًا، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة).
https://telegram.me/buratha