الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: هل يصح صوم آخر في شهر رضمان ليتردد فيحتاج إلى قصد التعيين أو انه لا يصح بل هو متعين فيه بالذات فلا يحتاج إلى القصد؟ فنقول إن للمسألة صورا: احداها ما إذا كان المكلف في نفسه ممنوعا من الصيام بلا فرق بين رمضان وغيره، في رمضان أو في غيره لفقد شرط أو وجود مانع من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس ونحو ذلك، ولا اشكال في بطلان صومه والحال هذه بأي عنوان كان، فلو صام وهو في السفر ولو عن نذر غير متقيد بالسفر بطل، لان مادل على عدم جواز الصيام في السفر إلا ما استثنى كما في بدل الهدي يدل على عدم مشروعيته في نفسه من غير خصوصية لصوم رمضان. ولا حاجة إلى الاستدلال كما في الجواهر بالنبوي (ليس من البر الصيام في السفر) بل النصوص الصحيحة قد دلت على ذلك، التي منها صحيحة صيقل قال: كتبت إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو اضحى أو ايام تشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه، أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الايام كلها، ويصوم يوما بدل يوم. فيعلم منها: ان هذه الموارد التي منها السفر غير صالحة للصيام لا لاجل رمضان بل للمانع العام الشامل لغيره أيضا. الوسائل باب 10 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث. اما إذا كان الصوم سائغا من المكلف في حد نفسه، ولكنه لا يصح ايقاع صوم رمضان بالخصوص لكونه مسافرا، فهل يصح منه صوم يوم آخر لم يكن السفر مانعا عنه كما لو كان ناذرا صوم يوم في السفر إما مطلقا، أو على تقدير خاص، مثل أن نذر أن يصوم في اليوم الذي يولد له ولد وان كان في السفر، فولد له وهو في السفر وصادف أنه من شهر رمضان، فهل يصح منه الصوم حينئذ وفاء عن نذره أو لا؟ أما دعوى عدم الصحة استنادا إلى المزاحمة فغير قابلة للاصغاء، إذ المفروض عدم وقوع رمضان منه، ليكون طرفا للمزاحمة لسقوطه عن المسافر، وتعين القضاء عليه، فلابد إذا من البحث عن مانع آخر. وقد قيل بل ادعي الاجماع عليه أن أيام رمضان لا تقبل أي صوم ما عدا صوم رمضان، فان كان المكلف معذورا منه انتفى عنه كل صوم في هذا الشهر، فحال أيام رمضان حال الليالي بالنسبة إلى ساير أقسام الصيام. وعليه فلا يصح صوم النذر في الفرض المزبور. ويندفع بعدم تحقق الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام ولم ترد رواية تدل على المنع والآية المباركة أيضا لا تقتضيه، فان قوله تعالى: "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 184) ناظر إلى أن المسافر لا يجب عليه صوم رمضان، لا أنه لا يصح منه صوم آخر وان الشهر لا يكون قابلا لما عداه، فهي أجنبية عن التعرض لصوم النذر وغيره بالكلية فليس لدينا أي دليل يدل على المنع، فنبقى نحن ومقتضى القاعدة، ولا ريب ان مقتضاها هو الجواز أخذا باطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر المتعلق بالصوم في السفر بعد الفراغ عن صحة هذا النذر في نفسه كما هو المفروض الشامل لما إذا كان السفر في رمضان. وعليه فالاقوى صحة الصوم المزبور بل وجوبه عملا بالنذر.
جاء في كتاب التنقيح في شرح المكاسب للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: أ نّه لو تنزلنا عن جميع ذلك فنقول: إنّه يقع التعارض بين هذه الاستصحابات الثلاثة في مرتبة واحدة، لا أ نّه يقع التعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الحلية في مرتبة متقدمة على استصحاب بقاء المجعول، وبعد تساقط الاستصحابين في مقام الجعل تصل النوبة إلى استصحاب بقاء المجعول ويتم المطلوب، وذلك لأنّ جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية لايكون متوقفاً على تحقق الموضوع في الخارج، بحيث يكون استصحاب بقاء الحـرمة متوقفاً على وجود زوجة انقطع دمها ولم تغتسل، بل يجري الاستصحاب على فرض وجود الموضوع، فانّ جميع فتاوى المجتهد مبنية على فرض وجود الموضوع، فلا يتوقف الاستصحاب المذكور إلاّ على فعلية اليقين والشك على فرض وجود الموضوع، وكل مجتهد التفت إلى الحكم المذكور ـ أي حرمة وطء الحائض بعد انقطاع دمها يحصل له اليقين بحرمة الوطء حين رؤية الدم، واليقين بعدم جعل الحرمة قبل نزول الآية الشريفة "فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء" (البقرة 222) واليقين بعدم جعل الاباحة في الصدر الأوّل من الاسلام، ويحصل له الشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال، وكل واحد من هذه الاُمـور فعليٌ عند الافتاء على فرض وجود الموضوع، فيقع التعارض بين الاستصحابات الثلاثة في مرتبة واحدة وتسقط جميعها. وربّما يقال في المقام: إنّ أصالة عدم جعل الحرمة حاكمة على استصحاب بقاء المجعول، لكون الأوّل أصلاً سببياً بالنسبة إلى الثاني، فانّ الشك في بقاء الحرمة مسبب عن الشك في سعة جعل الحرمة وضيقها، فأصالة عدم جعل الحرمة موجبة لرفع الشك في بقاء المجعول، فلايبقى للاستصحاب الثاني موضوع.
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: والقرآن بسلوكه طريق الاعتدال ، وأمره بالعدل والاستقامة قد جمع نظام الدنيا إلى نظام الآخرة ، وتكفل بما يصلح الاولى ، وبما يضمن السعادة في الاخرى ، فهو الناموس الاكبر جاء به النبي الاعظم ليفوز به البشر بكلتا السعادتين ، وليس تشريعه دنيويا محضا لا نظر فيه إلى الآخرة ، كما تجده في التوراة الرائجة ، فإنها مع كبر حجمها لا تجد فيها موردا تعرضت فيه لوجود القيامة ، ولم تخبر عن عالم آخر للجزاء على الاعمال الحسنة والقبيحة. نعم صرحت التوراة بأن أثر الطاعة هو الغنى في الدنيا ، والتسلط على الناس باستعبادهم ، وأن أثر المعصية والسقوط عن عين الرب هو الموت وسلب الاموال والسلطة. كما أن تشريع القرآن ليس أخرويا محضا لا تعرض له بتنظيم أمور الدنيا كما في شريعة الانجيل. فشريعة القرآن شريعة كاملة تنظر إلى صلاح الدنيا مرة والى صلاح الآخرة مرة أخرى. يدعو كثيرا إلى عبادة الله ، والى التفكر في آياته التشريعية والتكوينية والى التأمل والتدبر في الآفاق وفي الانفس ، ومع ذلك لم يقتصر على هذه الناحية التي توصل الانسان بربه ، بل تعرض للناحية الاخرى التي تجمعه مع أبناء نوعه. وأحل له البيع: "وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275).
https://telegram.me/buratha