الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 35)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله سبحانه وتعالى: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن هذه الاية الكريمة: هذا وقد أجمعت رواية أهل البيت عليهم السلام والكثير من مفسري العامة على أن من عنده علم الكتاب هو علي عليه السلام وما يمثله من بعده من أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن بين هذه الروايات اكتفي بذكر صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير؛ ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عمّن ذكره، عن ابن أبي عمير جميعا، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: "قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم. ورغم أن تفاسير أهل العامة ومن بينها تفسير السيد محمد حسين فضل الله يشير إلى أنهم علماء أهل الكتاب، غير أن التدقيق العلمي والتاريخي يحبط هذه الأقوال، ولو تناسينا شأن المواصفات التي جعلها الله لمن يوليه علمه ويحتفظ عنده بسرّه، والتي نلحظ شدة تركيزها على العصمة، فلا أدل على زيف هذه القول من أن الله الذي وصف علماء أهل الكتاب بما وصفهم فيه من تلاعب بالكلم وتحريفه عن مواضعه وأكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله وحرب الرسول صلى الله عليه واله وسلم والمؤمنين، كيف يمكن أن يضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو في قمة تحديثه للكافرين في مثل هذا الإحراج ليجعل الشهادة على صحة الرسالة متعلقة بأناس لم يؤمنوا بنفس الرسالة؟‍

واستطر الشيخ الصغير قائلا: ونفس الأمر نجده في الآية الكريمة "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (الانبياء 7) فأهل الذكر يتطابقون مقاماً مع من عنده علم الكتاب، ومع من وصفوا بالراسخين في العلم، وفعل الأمر هنا له من الدلالة على الاستمرار المستقبلي بنفس الدلالة التي رأيناها في كلمة: "يَقُولُ" (الرعد 43) في الآية السابقة، وهي على أي حال تدل بنفس الدلالات السابقة على نفس المضامين والمواصفات المتعلقة بمن عنتهم الآية الكريمة بأهل الذكر من حيث ضرورة وجود تشخيص لهذه الجهة وما يتعلق بذلك من ملازمة وهو ضرورة وجود النص، وكذا ضرورة العصمة، وقابلية الامتداد، وحيث تدل روايات أهل البيت عليهم السلام على اختصاصها بهم، تجد إلى النقيض من ذلك تيار التحريفية المعاصر يتخندق في موقف مضاد ليماشي بالنتيجة أهل العامة فيما يفكرون به من اختصاص أهل الذكر بعلماء أهل الكتاب. وفداه روحي حينما يشخّص الإمام الباقر عليه السلام النتيجة العملية لاعتبار أهل الذكر متعلقة بأهل الكتاب حينما يقول وفق صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت له: إن من عندنا يزعمون إن قول الله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (الانبياء 7) إنهم اليهود والنصارى. قال: إذا يدعونهم إلى دينهم، ثم أشار بيده إلى صدره وقال: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون. وهذه الأمور بمجموعها تكشف لنا ما يلي: أولا: أن القرآن شخّص وجود إمامة خاصة للعلم والتشريع بحيث أنه يعدها المرجعية الوحيدة التي يرجع إليها في مسائل العلم والتشريع. ثانيا: إن هذا التشخيص في الدور أعقبه تشخيص في المواصفات فقال بعصمة هذه الإمامة، وبالتالي عصمة من يلي أمرها، ثم أعقب القول بالعصمة بقول آخر يتعلق بضرورة الامتداد إلى آخر الزمن. ثالثا: إن هذه التشخيصات المفهومية تستوجب التشخيص المصداقي، ونجد في آيات عديدة كما في آية الراسخين، وآية من عنده علم الكتاب، وآية أهل الذكر أنها وصلت المفاهيم بالمصاديق بشكل دقيق لا يخفى على عاقل حر.

وعن امامة السياسة والحكم يقول الشيخ جلال الدين الصغير: العلاقات بين الناس في داخل الأمة الواحدة، وبين هذه الأمة وسائر الأمم، وإدارة العلاقة بين المجتمع وبين الطبيعة بكل ما منح الله فيها من موارد وخيرات، لها أشد الارتباط بمسار الحركة الربانية الهادية، فعلى أعتابها تكمن محاور الطواغيت والمترفين والظلمة وأعوانهم والباغين في الأرض فساداً، ومحرفي الأديان الإلهية وتجارها، ومنها تنطلق حرمة الكفر والشرك والظلم والفساد بكل أنواعه، ومنها تمتلئ الأرض بالمظلومين والمستضعفين والمخرجين من ديارهم ظلماً، ومنها تنطلق حركة قتلة الأنبياء الأولياء والمؤمنين، وبسببها يسلط بلاء الجوع، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ومنها تستحيي النساء وتيتم الأولاد، وتعلن الحروب وتسام الأمم ألوان العذاب. ولا يعقل أن القرآن الذي طرح كل هذه المشاكل باعتبارها عقبات رئيسية ومحورية أمام مسار حركة الإيمان وتركها من دون أن يضع لها الحل الناجع، لأن ذلك خلاف تكامل مسار الهداية، وخلاف رحمة الإرسال المشخصة بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الانبياء 107). إن هذه المسائل بمجموعها والتي تنطوي خطوطها العامة تحت إطار مسألة الحكم والسياسة، تتطلب بطبيعة الحال إمامة خاصة بها، لا سيما وإننا قد رأينا أن الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم قد أمر بالكثير من الأوامر المتعلقة في هذه المجال كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" (التوبة 73). وكما في قوله: "وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ" (التوبة 12).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك