الدكتور فاضل حسن شريف
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الخليفة بحسب اللغة: من خلف من كان قبله، وقام مقامه، وسد مسده، وتستعمل أيضاً بمعنى النيابة، ومن هذا المنطلق يطرح هذا السؤال: لماذا سمي آدم خليفة؟ وما هو المضمون القرآني لهذا اللفظ؟ توجد هنا عدة مذاهب: الأول: أن آدم سمي خليفة لأنه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض، وهذه المخلوقات إما أن تكون ملائكة أو يكونوا الجن الذين كانوا قد أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء، كما روي عن ابن عباس، أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم هذا. الثاني: أنّه سمي خليفة لأنه وأبناءه يخلف بعضهم بعضاً، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها البعض الآخر، وقد نسب هذا المذهب إلى الحسن البصري. الثالث: أنّه سمي خليفة لأنه يخلف الله سبحانه في الأرض.
وفي تفسير هذه الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللغوي تعددت الآراء واختلفت، ومن أهم هذه الآراء: أ - أنّه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق، لأن الله قد أعطاه حق القضاء وحل الاختلافات، وهو المروي عن ابن مسعود. ب - يخلف الله سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها، من إنبات الزرع، وإخراج الثمار، وشق الأنهار، وغير ذلك. ج - يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء، كما ذهب إلى ذلك العلامة الطباطبائي. د - يخلف الله سبحانه في الأرض بما نفخ الله فيه من روحه ووهبه من قوة غير محدودة، سواء في قابليتها أو شهواتها أو علومها، كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبده.
ولعل المذهب الثالث من هذه المذاهب الثلاثة، هو الصحيح، لظهور النص القرآني فيه، ولما ذكرته بعض الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن. ويكون ما ذكر في القول الأول والثاني، إنّما هو من آثار هذه الخلافة ومترتباتها كما يمكن أن ما ذكره الشيخ محمد عبده في القول الرابع هو بيان السر في منح الإنسان هذه الخلافة، لأنه يتميز بهذه المواهب والقوى والقابليات، ولا يمثل رأياً قبال الآراء الأخرى في تفسير معنى الخلافة، وإنّما هو بيان السر والعلة لهذه الخلافة. وبذلك يمكن أن نجمع بين هذه الأقوال.
وبذلك يمكن أن نجمع بين هذه الأقوال. كيف عرف الملائكة أن الخليفة يفسد في الأرض. لقد ذكر المقطع القرآني أن جواب الملائكة على إخبار الله تعالى لهم بجعل آدم خليفة في الأرض، أنهم تساءلوا عن سبب اصطفاء هذا المخلوق، ووصفوه بأنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فكيف عرف الملائكة هذه الصفة في هذا الخليفة؟ وهنا عدة آراء: الأول: أن الله سبحانه وتعالى أعلمهم بذلك، لأن الملائكة لا يمكن أن يقولوا هذا القول رجماً بالغيب وعملاً بالظن، فلابد لهم من العلم؛ والعلم مصدره الله تعالى، غاية الأمر أن هذا الإعلام لم يذكر في الآيات الشريفة، وإنما تم بطريقة ما فكأنه تعالى قال: إني جاعل في الأرض خليفة يكون من ولده إفساد في الأرض وسفك الدماء. الثاني: أنهم قاسوا ذلك على المخلوقات التي سبقت هذا الخليفة - من الآدميين أو الجن - الذي سوف يقوم مقامها، كما يشير إلى ذلك بعض الروايات والتفاسير، فعن ابن عباس، وابن مسعود، وقتادة: إنّما أخبروا بذلك عن ظنهم وتوهمهم لأنهم رأوا الجن من قبلهم قد أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فتصوروا أنّه إن استخلف غيرهم كانوا مثلهم. والى مثل هذا تشير بعض الروايات، مثل ما رواه العياشي، عن الصادق - عليه السلام قال: (ما علم الملائكة بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" لولا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء).
الثالث: أن طبيعة الخلافة تكشف عن ذلك بناء على الرأي الأول من المذهب الثالث في معنى الخلافة، حيث أن الفصل والحكم يفترض وجود الاختلاف والنزاع، ولازمه الفساد في الأرض وسفك الدماء. الرابع: أن طبيعة الخليفة نفسه تقتضي ذلك، وهنا رأيان: أ - إن المزاج المادي والروحي لهذا المخلوق الذي يريد أن يجعله الله خليفة، والأساس الاجتماعي للعلاقات الأرضية التي سوف تحصل بين أبناء هذه المخلوقات، هي التي جعلت الملائكة يعرفون ذلك، يقول العلامة الطباطبائي: (إن الموجود الأرضي بما أنّه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية والدار دار التزاحم محدودة الجهات وافرة المزاحمات، مركباتها في معرض الانحلال وانتظاماتها واصطلاحاتها مظنة الفساد ومصب البطلان، لا تتم الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ولا يكمل بالبقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء). ب - إن الإرادة الإنسانية بما أعطيت من اختيار يتحكم في توجيهه العقل بمعلوماته الناقصة، هي التي تؤدي بالإنسان إلى أن يفسد في الأرض ويسفك الدماء، قال محمد عبده: (أخبر الله الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة، نفهم من ذلك أن الله يودع في فطرة هذا النوع الذي يجعله خليفة أن يكون ذا إرادة مطلقة واختيار في عمله غير محدود، وإن الترجيح بين ما يتعارض من الأعمال التي تعن له تكون بحسب علمه، وإن العلم إذا لم يكن محيطاً بوجوه المصالح والمنافع فقد يوجه الإرادة إلى خلاف المصلحة والحكمة، وذلك هو الفساد، وهو معين لازم الوقوع، لأن العلم المحيط لا يكون إلا لله تعالى). ويبدو أن الرأي الأول هو الصحيح، حيث إنه تعالى لابد وأنه قد أعلم الملائكة بذلك، ولو عن طريق إعلامهم بحال وطبيعة هذا المخلوق الذي ينتهي به الحال إلى هذه النتائج. وأما مابين من هذه الطبيعة فلعل الصحيح هو بيان أمرين: أحدهما: الخصوصية المادية الغضبية والشهوية، التي أشار إليها العلامة الطباطبائي وهي الهوى في طبيعة هذا الخليفة. والآخر: هو أن هذا الإنسان مريد ومختار يعمل بإرادته، كما ذكر الشيخ محمد عبده، ويمكن أن نفهم ذلك من قرينة قول الملائكة: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"، حيث أن هذا التسبيح والتقديس أمر لازم في الملائكة لا ينفك عنهم؛ لأنهم غير مختارين، بل يفعلون ما يؤمرون، بخلافه في الإنسان باعتبار إرادته، الأمر الذي استدعى التوضيح الإلهي، الذي يشتمل على بيان الخصوصية التي تجعل هذا الموجود مستحقاً لهذه الخلافة وهو العلم. وقد تحدث القرآن الكريم في وصف الإنسان بكلتا الخصوصيتين والصفتين، فقد قال تعالى في وصف الإنسان في خصوصيته المادية: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" (ال عمران 14).
https://telegram.me/buratha