الصفحة الدولية

أوكرانيا تتحوّل ساحة مواجهة بين روسيا والغرب


 

لا شك أنّ أوكرانيا إفتتحت عصر الثورات في القرن الواحد والعشرين بثورتها البرتقالية نهاية عام 2004 وبداية 2005، لتجرّ بعدها السبحة الى قرغيزيا، ولاحقاً الى عواصم عربية عدّة.

التجربة الأوكرانية الأولى التي اكتملت بتغيير النظام وبأقلّ الخسائر المادية والبشرية لم تنطبق على تجارب التغيير التي أعقبتها، ولكن على ما يبدو أنّ الأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد منذ نحو أسبوعين هي أكثر تعقيداً من سابقتها، إذ أنّ الأوضاع الميدانية توحي أنّ التصعيد سيكون سيد الموقف على المستويات كافة، خلال الأيام القليلة المقبلة.

فالمؤشرات الآتية من كييف تفيد بأنّ المعارضة تخطط لتوسيع دائرة إحتجاجاتها في الشارع، وذلك رداً على لقاء الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث جرى التشاور في إمكان حصول كييف على قروض روسية، تُقدر بمليارات الدولارات، إضافة الى تخفيض سعر الغاز الروسي الى 150 دولاراً، مقابل إنضمام أوكرانيا الى الإتحاد الجمركي الذي يضمّ روسيا وبيلاروس وكازخستان.

حُقَن الدعم الأوروبية للمعتصمين في ميدان الإستقلال في كييف لم تتوقف منذ بدء الإحتجاجات، وفي خطوة لافتة ذات أبعاد ودلالات تثير الكثير من التساؤلات حول مفهوم السيادة في السلوك الغربي، اذ أنّ مشاركة دبلوماسين كبار من بعض دول الإتحاد الأوروبي في الإعتصام، واعتلائهم المنابر الى جانب قيادة المعارضة الأوكرانية تشكّل سابقة في العلاقات بين الدول.

فحضور وزير الخارجية الألمانية غيدو فيسترفيله الى منبر المعارضة، ودعوته المتظاهرين إلى الإستمرار في الإعتصامات والتظاهرات، شكّلت مؤشراً واضحاً بأنّ عملاق الإقتصاد في الإتحاد الأوروبي سيجرّ السياسة الى ميادين أوكرانيا، وهذا ما تجلّى في كلمة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي المار بروك من على منبر المعارضة أيضاً، حيث أعرب الرجل بشكل واضح وصريح عن تقديره لما تقوم به القوى المعارضة لنظام يانوكوفيتش، مؤكّداً أنّ قضية انتساب أوكرانيا إلى الإتحاد مطروح على المائدة “ونحن مستعدون للتوقيع عليها”، الأمر الذي رأى فيه مراقبون حافزاً لاستمرار وتصعيد تحرك المعارضة في الشارع على رغم موجة الصقيع التي تلف البلاد.

ولعل الدخول الأوروبي الى الميدان لعب دوراً أساسياً في شد عصب الأوكرانيين المؤيدين للنظام الحالي، مما دفعهم الى الشارع تحت شعار “حماية الشرعية”، لتصبح البلاد أمام استحقاق مثير للجدل، قد يجرّ أوكرانيا الى ما لا تحمد عقباه، باعتبار أنّ الأخبار الواردة من مدن أوكرانية تكشف عن صدامات بين أنصار المعارضة والموالاة .

الحراك الأوروبي الأخير في أوكرانيا ،الخارج عن سياق العلاقات الدولية، يدلّ على أنّ هناك غطاءً خارجياً لما باتت تطالب به بعض قيادات المعارضة في الأيام الأخيرة، وتحديداً إقتحام المؤسسات الرسمية والحكومية في البلاد، ولعلّ هذا ما دفع رئيس الحكومة الأوكرانية نيكولاي آزاروف الى دفع فرق القوات الخاصة لحماية الدوائر والمنشآت الرسمية.

بالطبع، فإن سيناريو المواجهة هذا يضع أوكرانيا أمام منعطفات خطيرة، على اعتبار أنّ نصف سكانها وتحديداً الجزء الشرقي المحاذي للحدود الروسية، يؤيد نهج الرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش، في حين أنّ القسم الغربي من البلاد المحاذي لبولندا يسعى منذ عام 2004 الى الإنضمام للإتحاد الأوروبي .

لا شك أنّ ما يجري في أوكرانيا هو مواجهة دولية كبرى غير معلنة بين الغرب وروسيا، التي اتهمتها بعض الدوائر الغربية أكثر من مرة بتمهيد الطريق لوصول يانوكوفيتش الى السلطة، إضافة الى محاولات تعزيز دوره داخلياً من خلال حزمة معاهدات وقعتها موسكو على عجل مع كييف، بعد خروج الرئيس السابق فيكتور يوشينكو من السلطة.

ولكن وإن بدت المواقف الروسية تجاه أحداث أوكرانيا الأخيرة أقلّ حدة من المواقف الغربية، إلّا أنّه من الواضح أنّ الكرملين يحاول عدم الغوص في لعبة التهم المتبادلة، فبوتين وضع النقاط على الحروف في موقف لافت، إذ اعتبر أنّ “ما يجري في أوكرانيا ليس ثورة وإنّما أعمال شغب”. مما يعني أنّه على روسيا اتخاذ خطوات عملانية لحماية خاصرتها الغربية من أعمال الشغب، وبالتالي فإنّ أوكرانيا باتت ساحة مواجهة جديدة بين الغرب وروسيا.

18/5/131210  

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك