الجزائر /خاص براثا نيوز
هم ضحايا الادّعاءات الغيبية الخاطئة، يعانون من مشكلات نفسية معقّدة جعلتهم يؤمنون بقدرات "خاصّة" مخالفة لقوانين العقل، ليسوا من القرون الغابرة بل يعيشون بين ظهرانينا في زمن ثورة المعلوماتية والأقمار الصناعية، إنهم "مدعو النبوة والمهدوية" في الجزائر، الذين ظهروا فجأة وقالوا إنّهم يحملون رسالة سماوية تخلص البشرية من الشرور والآثام... الشروق اليومي وقفت على "ضلالاتهم" ورصدت يومياتهم بغرب البلاد، فاكتشفت تفاصيل مثيرة وطريفة في آنٍ واحد من خلال سلوكياته
ظاهرة جديدة، اسمها "مدعو النبوة"، على شاكلة "مسيلمة الكذّاب" الذي عاش في زمن الخلافة الإسلامية، انتشرت بشكل لافت ومريب في منطقة الغرب الجزائري، أبطالها ليسوا أناسا عاديين بل يشغلون مناصب رفيعة في المجتمع، ويتمتعون بثقافة واسعة ويحوزون على شهادات علمية عليا، بينهم المهندس والأستاذ والضابط...، وتجد بينهم النسوة اللائي أصبن بداء "الهرطقة الغيبية"، الذي أضحى ينخر عقول الجزائريين، في الآونة الأخيرة.
من بين القصص الغريبة والطريفة في آنٍ واحد، تلك التي كانت قاعة سينما السعادة بوهران مسرحا لها منذ حوالي عامين، وبالضبط في فعاليات الطبعة الثالثة للمهرجان الدولي للفيلم العربي، كان الحضور حينها مشدودا إلى مداخلة المخرج المصري خالد يوسف، بعد عرض فيلم "دكان شحاته" المثير للجدل بسبب الإمعان في اللقطات الجنسية، وفي غمرة دفاع المخرج عن عمله السينمائي، أطّلت على الحضور سيدة في العقد الرابع تدعى فوزية، ادّعت أنها مبعوثة من عند الله وأنها تحمل رسالة روحانية تريد أن تناقشها معه، مشترطة عليه أن يطفئ الكاميرات، وهو ما رفضه المخرج الذي أصرّ على مناقشته أمام الكاميرا، هو لم يكن يدري أنه أمام "مدعية للنبوة"، التي راحت تتهجّم عليه، كما صدرت عنها طقوس غريبة تفاجأ لها الكل، ما أدى إلى تدخل رجال الأمن الذين سارعوا لاحتواء هذا الموقف المحرج. الحادثة هذه تداولتها الألسن بعاصمة غرب البلاد وظلت لفترة حديث العام والخاص، كونها أذيعت على الفضائيات العربية على غرار روتانا سينما، إلا أنها لم تكن الأخيرة، فالشارع المحلي سرعان ما استفاق على حادثة مماثلة بطلها هذه المرة ضابط في الجيش برتبة نقيب يدعى ب.رشيد في الخمسين من العمر، جاء إلى مكتب الشروق في وهران يحمل دفترا مليئا بالطلاسم، كان رثّ الثياب منهك القوى، من طريقة كلامه تتضح ملامح التدهور العقلي، قال بأنه "المهدي المنتظر" وأنه "هدية للبشرية سيخلصها من الظلم والطغيان، وسيوحد بين الشيعة والسنة عن طريق الدليل".
المهدي المزعوم أوقف عن مهامه من الجيش بموجب عطلة مرضية مدتها 4 سنوات، الغريب في أمره أنه مؤمن إلى حد اليقين بما يقوله، ويحاول إقناع كل من يصادفه "بخزعبلاته"، التي صرّح بأنها تستند إلى "الدليل" المتمثل حسبه في أبحاث قام بها تناولت الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم، واكتشف من خلالها أنه "فعلا هو المهدي المنتظر مخلص البشرية من الشرور"، مؤكدا بلغة الواثق من نفسه، أن "تاريخ الجزائر لديه علاقة ببعث المهدي". مضيفا بأن العدد 70 هو عمر الثورات الشعبية التي اندلعت لتحرير الوطن من الاحتلال الفرنسي - أي من 1830 إلى 1900 - وكذا سن الرسول صلى عليه وسلم 63 سنة، وبحسب "المهدي المزعوم"، فإنه لدى قيامه بعملية حسابية تتمثل في الطرح أي 70 ناقص 63 حصل على7 وهي "السن التي مرض فيه وأكد له طبيب فرنسي بأنه سيموت"، إلا أن "العناية الإلهية حمته ليرسل في 2010 هدية للبشرية جمعاء". المهدي المزعوم شطح بعيدا بطلاسمه عندما قال بأن "الجزائر ستعيد التوازن للكون، الذي اختل جراء أنهار الدماء التي روت الأرض، الناجمة عن الحروب وجرائم القتل"، أما "نهاية العالم ستكون في 2030 أي عندما يصل سن السبعين، - هو حاليا في الخمسين من العمر –".
أما في مدينة المحمدية بمعسكر، كان السكان على موعد مع "مهدي منتظر" آخر، هو مهندس في الخمسينيات من العمر، أطلق موقعا إلكترونيا يدعو فيه الناس إلى اتّباع رسالة سماوية جديدة "منّه الله بها"، والأخطر في قصته أنه دعا إلى التخلي عن السنة النبوية، والاحتكام فقط إلى كتاب الله. وفي تصرف غريب منه دعا علماء الأزهر والشيخ القرضاوي والسيستاني والبوطي بالعودة إليه كي يتلقوا ما أنزل الله عليه. وإذا كانت قصة ضابط الجيش مدعي النبوة مرت مرور الكرام بعاصمة غرب البلاد، فإن مديرية الشؤون الدينية بمعسكر سارعت إلى إيداع شكوى أمام وكيل الجمهورية ضد المهندس الذي قال بأنه "المهدي المنتظر"، كما اجتمع المجلس العلمي بالولاية في جلسة طارئة للنظر في قضية هذا المواطن، وأصدر فتوى تقضي بتكفيره وتطليق زوجته المسلمة منه وابتعاد أبنائه عنه وأنه لا يرث ولا يورّث ولا يغسّل ولا يُصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
هي عيّنة فقط من مواطنين جزائريين بغرب البلاد، أصيبوا بمرض »الهرطقة الغيبية« وأضحوا ينشرون مزاعمهم بين الناس. واللافت في أمرهم، أنه لا يمكن لأحد إقناعهم أن ما يؤمنون به ضد المنطق، فهم يرفضون نعتهم بالمضطربين نفسيا أو حتى تسمية ما يعتبرونه حقائق وآيات إلهية "خزعبلات"
https://telegram.me/buratha