رأى تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية في عددها الصادر اليوم ان تركيا بالرغم من موقفها القوي على الساحة الإقليمية والدولية، وقوة اقتصاد السوق لديها، وقوة ديمقراطيتها، وتأثيرها الثقافي في المنطقة، الا ان كثيرا من العناوين تهدد قوتها منذ فترة طويلة، وهم، الإسلام، والقومية العرقية، والنزعة العسكرية والسلطوية، حيث يبدو أنها ستقضي على مجدها في وقت ليس ببعيد.
وتضيف الصحيفة الفرنسية ان الأتراك بدأوا بالتساؤل عما إذا كان استقرار تركيا سيتغير وحظهم سيتراجع، في حين ان الأزمات السياسية بدأت تتراكم في الداخل وعلى حدودها الشرقية والجنوبية مع ارتفاع الحرارة في منطقة الشرق الأوسط،
وتتابع لوموند ان كل شيء كان أكثر بساطة في بداية العقد الماضي عندما كان موقف تركيا أكثر محايدا مع دول المنطقة، بخاصة إسرائيل وإيران، حيث حافظت على الانفتاح الاقتصادي في كافة حدودها، وشجعت التكامل للبنية التحتية بين دول الجوار وخلقت تجارة إقليمية حرة، لكن سياسة "صفر مشاكل" التي كانت تعلن عنها أنقرة هي الآن هدفا بعيد المنال.
ويقول التقرير ان التعاون والعلاقات مع إيران تحولت الى تنافس على النفوذ في العالم العربي، وقد اتخذت كل منهما مصالح السنة والشيعة والمواقف المتعارضة، بالإضافة إلى تغطية تركيا نظام الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي، مضيفا ان العلاقات تدهورت أيضا مع العراق التي شهدت من قبل نجاحا في التفاهم مع جميع التيارات السياسية، لكنهم تخلوا عن أنقرة بعد الانتخابات العراقية، لصالح التقارب بين بغداد وكل من طهران ودمشق.
ويشير التقرير ان تركيا أيدت الثوار في ميدان التحرير في القاهرة الذين كانوا يقدرون ويحترمون كاريزما رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، لكنهم برغم ذلك يريدون اتباع النموذج المصري وليس التركي، كما أن المسؤولين المصريين يشعرون بالقلق من طموح تركيا للعب دور الزعامة في العالم العربي، في حين ان تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية منذ عام 2009 قد تحسن صورة انقرة في العالم العربي لكنه على المدى الطويل تهدد العلاقات مع حليفها الأميركي.
ويعرب التقرير عن اعتقاده ان اضطرابات "الربيع العربي" ومشاكل الجار السوري تؤثر بشكل خاص على تركيا، وقد تحول الدعم التركي المعلن للمعارضة السورية وتحريكها للضغوطات الدولية من اجل تدخل عسكري مباشر من شأنه أن يضعها في صراع مباشر مع سوريا وإيران.
وتتابع الصحيفة الفرنسية انه يبدو تقارب تركيا مع أوروبا يتوقف على عدم إحراز تقدم في التفاوض على الكثير من الملفات، حيث تفاقمت أيضا بسبب قرار تركيا وقف الحوار مع قبرص، خاصة عندما ترأست نيقوسيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في تموز الماضي، معربا عن ان بروكسل عاصمة القرار الأوروبي ترى ان الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في تركيا، وسجن الصحفيين، وعدم إحراز تقدم في القضية الكردية، كلها عوامل عدم ثقة في السياسة التركية وتزيد العلاقات اضطرابا،
ويضيف التقرير انه بالرغم من ذلك فإن الاتحاد الأوروبي هو منصة أساسية بالنسبة لتركيا، ويوفر لها أكثر من نصف تجارتها وثلاثة أرباع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا ما يوفر عامل استقرار لتركيا بدلا من مطالبتها الاتحاد الأوروبي بحقوق يمكنها الحصول عليها دون أن تكون عضوا فيه.
وتخلص لوموند انه ينبغي على تركيا من استخدام نفوذها الإقليمي لإحياء الدور الأوروبي في التعاون مع منطقة الشرق الأوسط، بهذه الطريقة تستطيع أنقرة الحصول على ضمانات قوية وتستعيد الاحترام الذي تستحقه من أوروبا، والأهم من ذلك، ان هذا التعاون من شأنه ان يعود بالفائدة على المنطقة بأسرها، في حين ان المنطقة تكافح من اجل بناء نفسها.
https://telegram.me/buratha