أكثر من 20 ساعة مرّت من دون أن تحلق طائرات مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية في سماء الكويت، لأول مرة منذ تأسيسها كأقدم ناقل طيران وطني في المنطقة.وليست الأسباب متعلقة بالغبار الذي يخنق أجواء البلاد، إنما لأسباب إضراب نقابة العاملين في المؤسسة وشركاتها التابعة بانتظار وعود حكومية في الزيادات على الرواتب والبدلات الخاصة. ويقول رئيس النقابة عبدالله الهاجري إن النقابة تطالب الحكومة بزيادة 30% على الرواتب الأساسية، إضافة الى البدلات الخاصة بالأقسام المختلفة. وقدر الهاجري خسائر "الكويتية" من الإضراب بمليون دولار كل أربع ساعات.
حكاية الإضراباتوبدأت قضية نقابة "الكويتية" في شهر سبتمبر الماضي، عندما هددت بتعطيل حركة طائرات المؤسسة في حال لم تستجيب الحكومة لمطالب سابقة للنقابة برفع الرواتب وتحسين المستويات المعيشية لموظفي "الكويتية". وبعد شهر تقريباً نفذت "الكويتية" اضراباً لساعات قليلة، ما دفع وزير المواصلات بالإنابة سالم الأذينة إلى الإذعان للمطالب وتوقيع اتفاقية مع النقابة، تقضي بالموافقة على المطالب مقابل تعليق الإضراب، على أن تأتي الزيادة بعد شهر من التوقيع، وبعد أن تنتهي دراسة يجريها ديوان الخدمة المدنية.لكن لأسباب استقالة الحكومة السابقة وحلّ البرلمان الكويتي، تأخر البتّ في الزيادة، لكنها عادت هذا الأسبوع بعد أن كشف ديوان الخدمة عن دراسته التي قضت بأن تزيد رواتب الموظفين المواطنين الحكوميين بنسبة 25% للذين لم ينالوا أي زيادة في الفترة الأخيرة، وهو ما أثار حفيظة نقابة "الكويتية" وغيرها من النقابات كالجمارك والقانونيين وغيرهم، الذين هددوا بدورهم بالاضراب عن العمل.لكن مصادر حكومية قالت إن الاتفاق المبرم بين الطرفين اشترط العودة لتوصية الديوان، وأن الأخير شمل موظفي "الكويتية" و"الجمارك" في زيادة 25%، معتبراً أنها زيادة منطقية وتعكس حقيقة ارتفاع الأسعار.
تعطل المنافذوكانت نقابة إدارة الجمارك بدأت إضرابها قبل أيام ثلاثة من إضراب "الكويتية" وأدى إضرابها الى شلّ شبه إغلاق للمنافذ الأرضية والبحرية، ما لوّح بأزمة نقص في بعض المواد الغذائية، راح الجميع يتحدث عنها، حيث بدأت أنواع من الأجبان والألبان والخضراوات والفواكه تنفذ من أرفف الجمعيات التعاونية والمحال، وترتفع اسعارها تباعاً. لكن وكيل وزارة التجارة والصناعة عبدالعزيز الخالدي يقول لـ"العربية" إنه لا يمكن إنكار وجود نقص في بعض المواد سريعة التلف، إذ الكويت بلد مستورد وليس منتجاً للسلع، وبالتالي عندما تتوقف حركة الاستيراد، كما هو حاصل الآن، فإن هذه المواد لن تصل. غير أن الخالدي يطمئن الى أن هناك مخزوناً استراتيجياً من السلع لدى الوزارة ولا حاجة للخوف المبالغ فيه عند البعض، وذلك رداً على سؤال "العربية" عن المخزون الاستراتيجي في الدولة الذي سبق أن تحدثت عنه الوزارة عقب ما أثير عن احتمالية نشوب حرب في المنطقة قبل سنة تقريباً.
السجن للمستغلينومن ناحية أخرى يكشف الخالدي أن الوزارة ضبطت بعض حالات ارتفاع في الأسعار في السوق بشكل غير مبرر، وأنها قامت بمخالفتهم. وحذر بأنه سيتم تطبيق القانون القاضي بالسجن 3 سنوات أو المخالفة بـ35 ألف دولار لمن تسوّل له نفسه أن يستغل الظرف الطارئ حالياً.وبانتظار ما سيفضي اليه اجتماع مجلس الوزراء اليوم، الذي يفترض أن يبت في المطالب العمالية لـ"الكويتية" و"الجمارك" وغيرها من النقابات العمالية، إلا أن مصادر من هذه النقابات قالت إنه لا مؤشرات ظهرت حتى كتابة هذه السطور.وكان العضو المنتدب في الخطوط الكويتية محمد الهلال قال أمس لـ"العربية" إن ديوان الخدمة المدنية سيرفع توصياته بشأن جميع طلبات النقابة الى جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية.
مؤشرات حكوميةوسيكون القرار الحكومي مؤشراً لمدى قدرة الحكومة الجديدة، ذات النفس الإصلاحي، على مواجهة هذه المطالب أو الإذعان لها من باب تسيير امور البلاد والعباد، لكنها حتماً تبدو الحكومة في موقف لا تُحسد عليه، فأي قرار سيحسب عليها كونها أصدرت تقارير عدة وأرسلت رسائل كثيرة بأن ميزانيتها لا تتحمل مزيداً من الزيادات في بند الرواتب المتضخم جداً، وأن مطالب العمال عشوائية ولا تستند الى دراسات علمية.لكن رئيس اتحاد عمال الكويت فايز المطيري تحدى في مقابلة مع "العربية" أن تأتي الحكومة بدليل يشير الى أن المطالب العمالية لم تستند الى دراسات علمية، وأكد ان النقابات عندما بدأت في مطالبها استندت الى هذه الدراسات لتبرير الزيادات والحقوق العمالية.
زيادات غير مبررةومن ناحية أخرى، يقول رئيس شركة الشال للدراسات الاقتصادية جاسم السعدون لـ"العربية" إن مطالب زيادات الرواتب لا تستند الى أي أساس علمي، فهي لا تعكس أسعار التضخم أو إنتاجية الموظفين. ويضيف أن الميزانية ارتفعت منذ عام 2000 من 4 مليارات دينار الى 21 مليار دينار متوقعة في السنة المقبلة، حيث ارتفع باب الرواتب والاجور المباشرة وغير المباشرة الى 10 مليارات دينار، بينما بقيت الإنتاجية رديئة في المؤسسات الحكومية بنسبة الزيادة في الرواتب، كما لم يرتفع التضخم بهذه المستويات منذ 12 عاماً.ويقول إن هناك 800 ألف مواطن سيدخل سوق العمل في سنة 2030، وما يقوم به البعض اليوم هو اقتسام لكيكة الثروة وترك مصير الاجيال المقبولة مجهولاً، قائلاً إنه في حال رضخت الحكومة فسيكون ذلك"جريمة بحق البلد".ويرى أن استمرار ارتفاع النفقات الجارية في الميزانية بنفس الوتيرة الحالية عند 7% سنوياً، سيؤدي الى أن يصبح حجم النفقات 64 مليار دينار في سنة 2030، وهو رقم تعجز الدولة النفطية عن استيعابه او تغطيته.وعن الحل بنظره، يشير السعدون الى أن البعض يرى أن الزيادة لم تطله وذهبت لآخرين وأن ذلك يتناقض مع مبدأ العدالة، لذا يفترض أن يتم تطبيق نظام ضريبي وربط الأجر أو المكافأة بالانتاجية.وكانت "الكويتية" كما قال مدير حجوزاتها خلف المانع وضعت سيناريوهات لمن حجز على خطوطها، حيث يمكن للمسافرين أن يحولوا تذاكرهم الى خطوط أخرى او إعادة أموالهم او تأجيل سفرهم، وذلك من دون تحميلهم أي تكاليف اخرى.
https://telegram.me/buratha