هناك من يتصور أن المؤسسة الدينية الوهابية التكفيرية باتت عبأً على الحكم السعودي، وأنه يريد التخلص منها تدريجياً، ويستدلون على ذلك بالانفتاح الاجتماعي، والسماح للسفور وغناء النساء وحفلات الرقص والبلاجات المختلطة وحانات الخمور وبيوت الدعارة، وكذلك كف يد البدو (المطاوعة) الذين يقومون بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبر محاسبة الناس وردعهم عن الممارسات التي يعتقدون أنها مخالفة للعقيدة الوهابية. ولكن؛ هذا التصور بعيد كل البعد عن الواقع؛ فآل سعود لن يتخلصوا من الوهابية بتاتاً، حتى آخر يوم من عمر حكمهم؛ لأن المؤسسة الدينية الوهابية هي مرآة الحكم السعودي، وركيزته الأولى والأخيرة. صحيح أن الحكم السعودي يحاول التخفيف الظاهري من تدخل المؤسسة الدينية الوهابية في شؤون الدولة وفي ممارسة مطاوعتها لما يسمونه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكنه سيبقى محافظاً على وجود هذه المؤسسة وحضورها وفاعليتها بقوة؛ لأن القضاء على المؤسسة الوهابية سينهي شرعية حكم آل سعود، ويقضي على دعم مئات الآلاف من مشايخ الوهابية في داخل السعودية وفي كل أنحاء العالم؛ على اعتبار أن الفقه السياسي الوهابي هو الذي يمنح آل سعود شرعية حكم البلاد، وأن مشايخ الوهابية هم الذين يفتون بتكفير وقطع رأس كل من يعارض الحكم السعودي، وهم الذين يقنعون الجمهور الوهابي في داخل السعودية وخارجها بأن الملك السعودي هو خادم الحرمين وحامي الإسلام وسيف رسول الله وخليفته، وهم الذين يفتون للملايين من أتباع المذهب الوهابي بوجوب القبول بممارسات الحكم السعودي، وإطاعته شرعاً وحرمة الخروج عليه، حتى لو ارتكب هذا الحكم كل أنواع الموبقات والرذائل والجرائم، ومارس أبشع أنواع الاستبداد والقمع بحق الناس واستعبدهم، ونهب كل ثروات البلاد، وتحالف مع الشيطان. أما سماح الحكم السعودي للسفور وفتح صالات القمار وغناء النساء والرقص وحانات الخمور وبلاجات السباحة المختلطة وبيوت الدعارة وغيرها، وكذلك لهاثه للتطبيع مع اسرائيل والتحالف الأمني والسياسي والإعلامي معها؛ إنما هي تعديلات شكلية؛ لإرضاء أمريكا والغرب، وتلميع صورة التخلف الديني، والاستبداد الاجتماعي والدكتاتورية السياسية، وإلّا فإن غياب المؤسسة الدينية الوهابية التكفيرية وضعفها؛ سيفقد الحكم السعودي الركيزة التي تسوغ كل هذه الأفعال وتمنحه الشرعية الدينية، كما ذكرنا. وليس هناك أدنى شك؛ أن المؤسسة الدينية الوهابية لاتزال وستبقى هي الحاكمة على المسارات الدينية للدولة السعودية، وستبقى مدارسها وجامعاتها ومناهجها ودروسها التعبوية قائمة بكل قوة، كما ستبقى عقيدة تكفير الشيعة، وتكفير من لا يقول بعدالة معاوية ويزيد، وتكفير من لا يتبع عقيدة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وفي المقدمة العداء لآل البيت وأتباعهم؛ سيبقى كله كما هو، ولم ولن يتغير أي شيء في هذا الجانب إطلاقاً. وبالإمكان التأكد من هذه الحقائق بكل سهولة، وذلك بمجرد إلقاء نظرة على المناهج الدراسية الرسمية، ولا سيما التاريخ والتربية الإسلامية والتفسير والحديث والعقيدة، والاطلاع على مدونات فتاوى هيئة كبار العلماء (مؤسسة الإفتاء الوهابي الرسمية)، وعلى أسماء الشوارع والمدارس، وعلى الإعلام الديني، وخطب مشايخ الوهابية، والتبليغ الديني السعودي في افريقيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا، وعلى واقع شيعة المملكة، وعلى مراقد أئمة آل البيت في البقيع؛ إذ أن الإنفتاح السعودي الجديد؛ أحلّ إعمار صالات القمار والخمور والغناء والرقص وبيوت الدعارة والبلاجات المختلطة؛ لكنه يحرم إعمار مراقد آل بيت النبوة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha