عباس سرحان
كان يوم الأربعاء" 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014" يوما اسودا في البحرين، ومثّل علامة فارقة في مسيرة الصراع السلمي الذي تخوضه المعارضة الشعبية البحرينية في مواجهة النظام السياسي الوراثي، ففي تلك الأربعاء أقدمت الأجهزة البحرينية على اعتقال 15 سيدة وهي الحصيلة الأكبر منذ اندلاع المواجهات بين الجانبين قبل أكثر من ثلاثة أعوام.
وبهذا يرتفع عدد النسوة المعتقلات في البحرين على خلفيات سياسية الى نحو 20 سيدة تم الحكم على خمس منهن بالسجن لفترات متفاوتة.
ويشكل اعتقال النساء في مجتمع محافظ كالمجتمع البحريني تعديا خطيرا على القيم الاجتماعية ويهدد بشكل كبير ما تبقى من تماسكه وقد يتسبب بتزايد العنف.
وقد نددت أوساط شعبية بحرينية باعتقال النساء، ونظمت العديد من المسيرات والوقفات الاحتجاجية رفضا لممارسات السلطة بحقهن، وارتفعت الأصوات البحرينية المطالبة بإطلاق سراح المعتقلات وحذرت من الاستمرار بهذا النهج الذي اعتبرته تعسفيا.
وقد اعتقلت السلطات البحرينية النسوة على خلفية قيامهن بالدعوة والإعداد لاستفتاء على شرعية النظام البحريني بالتزامن مع الانتخابات البحرينية التي جرت السبت الماضي، 22 تشرين الثاني/نوفمبر، ومثلت هذه الاعتقالات تعديا على حق صريح من حقوق الإنسان إجازته القوانين الدولية.
فقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 فالمادة، 18، منه نصت على " لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين" أما المادة،19، فنصت على " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.".
كما نص ذات الإعلان علي حق كل مواطن في الاشتراك في أي من الجمعيات وحقه في التحدث ومناقشة الأمور العامة التي تهم مجتمعه، وذلك في المادة"20" ونصها"1- لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. 2- لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما".
وهناك العديد من المواد القانونية التي حفلت بها نصوص دولية وقوانين الدول الخمس دائمة العضوية وكلها تنص على حق الإنسان في التعبير والتظاهر، وحتى الدستور البحريني وفي المادة،28، منه قد أجاز التظاهر وحق التعبير وتشكيل التجمعات السلمية، وكل هذه الأوصاف تنطبق على الحراك الشعبي البحريني المطالب بإصلاحات سياسية.
لكن السلطة البحرينية مارست طوال السنوات الماضية درجات مفرطة من العنف ما يشير الى عدم التزامها بما ورد في القوانين المحلية فيما يتعلق بحرية التعبير والتظاهر فضلا عن تجاوزها العهود الدولية التي كفلت أيضاً هذا الحق.
وقد نشرت مواقع الكترونية بحرينية مقربة من الحراك السلمي للثورة البحرينية أسماء عدد من المعتقلات البحرينيات وهن"، هدى عبد علي، زهراء ميرزا، مريم منصوري، أمينة مهدي، كريمة العرنوط، زكية علوي سيد محمد، إقبال السنابسية، نوال البصري، صفية أحمد، نفيسة العصفور، ريحانه، آيات الصفار، زهرة الشيخ".
وجاءت هذه الاعتقالات في محاولة للحد من الحملة التي نظمتها المعارضة البحرينية لمقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت السبت، وقد أثبت الشيعة في البحرين أنهم فعلا قوة مؤثرة وفاعلة في الساحة البحرينية، ففيما أقرت السلطات البحرينية بتدني نسبة الإقبال على صناديق الانتخابات وقدرتها بنحو 50% قالت مصادر مقربة من الحراك الشعبي إن حجم الإقبال على الانتخابات كان اقل من 30%.
وتشكل نسبة الشيعة في البحرين نحو 70% من العدد الإجمالي للسكان الذي يبلغ نحو مليون و300 ألف نسمة، على الرغم من مساعي السلطة البحرينية في التأثير على هذه النسبة بتجنيس مواطنين ينتمون إلى المذهب السني استقدمتهم من عدة دول عربية وغير عربية.
لماذا تعتقل السلطات البحرينية النساء؟
منذ انطلاق المعارضة البحرينية في 2011 كان للمرأة دور فاعل فيها، وتعرض العشرات من النسوة الى التوقيف والاعتقال والى التعذيب والموت ايضا بسبب الرصاص او بسبب استنشاق الغازات المسيلة للدموع وكان للمرأة البحرينية دور فاعل في تعزيز حضور الثورة اعلاميا من خلال ظهورها في وسائل الاعلام.
وتسبب هذا الحضور بحرج للسلطات البحرينية، فهي تعتقد أن تزايد دور المرأة الفاعل في مساندة الاحتجاجات المتفاقمة ضدها قد يسهم بالمزيد من هذه الاحتجاجات واحراجها خارجيا، ومن جانب آخر فإن اتساع الاحتجاجات وامتدادها منذ مطلع 2011 اصاب السلطات البحرينية بالإحباط.
خصوصا وأنها استخدمت شتى الاساليب لإسكات هذه الاحتجاجات ومنها الافراط باستخدام الغازات المسيلة للدموع وسلاح الشوزن دون جدوى، ويأتي اعتقال النساء كمحاولة جديدة لإسكات الاحتجاجات لاسيما وان المعلومات المتوفر لدى "مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات" تفيد بأن السلطات البحرينية قد استخدمت النساء ذريعة للضغط على ذويهن المعارضين لإجبارهم على تسليم أنفسهم للسطات.
التوصيات
منذ أعوام والثورة البحرينية لم تجد مساندة دولية مؤثرة واكتفى المجتمع الدولي بإصدار إعلانات تأييد خجولة لهذه الثورة على الرغم من أنها من أنظف الثورات بسلميتها، وعدم انجرارها للرد على العنف الذي مارسته السلطات البحرينية.
لكن التطورات الأخيرة التي جنحت إليها السلطة باعتقالها العشرات من النساء والتعدي عليهن ضربا في الشوارع وتعذيبا في السجون تعتبر تطورا لافتا قد يجر البلاد الى موجة من العنف المضاد بسبب الاحتقان والغضب الذي أصاب المجتمع البحريني جراء هذا الاعتقال الذي يصيبه بقيمه.
ويتعين على المجتمع الدولي اليوم أن:
1- يدين بشدة اعتقال النساء في البحرين على خلفيات سياسية وان يجبر السلطات البحرينية على الامتثال للقوانين والأعراف الدولية التي تحض على صيانة حقوق الإنسان.
2- لقد حان الوقت لفرض عقوبات على النظام البحريني أقسى من تلك التي فرضها الغرب وأمريكا على أنظمة أخرى فعلت اقل مما فعل ذلك النظام.
3- ومثلما اضطلع المجتمع الدولي بدور مؤثر في أزمات مصر وتونس وليبيا وسورية فإنه ملزم أيضا بلعب الدور نفسه في البحرين، وأن لا يترك الأمور تتفاقم أكثر لاسيما وان الاحتجاجات في البحرين مطلبية ويقودها أناس أثبتوا عقلانيتهم، يمكن التحاور معهم والتوصل إلى نتائج مقبولة.
4- لابد أن ينظر المجتمع الدولي إلى نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات العامة البحرينية التي جرت السبت بتفحص لأنها أعطت دلالات واضحة على أن النظام السياسي البحريني لا يحظى بتأييد واسع من قبل المجتمع.
فأكثر من 65% من الناخبين البحرينيين لم يدلوا بأصواتهم ما يعني إن هذه الانتخابات وما ينبثق عنها لا يمثلان كل المجتمع البحريني ولن يؤتيا بحلول لما تعانيه البلاد من مشاكل سياسية، ما يستوجب تدخلا دولية وعدم الاعتراف بها.
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
20/5/141128
https://telegram.me/buratha