معكم يا أهلنا في البحرين والجزيرة العربية

آية الله الشيخ عيسی قاسم في خطبة صلاة الجمعة: لا أمان في البحرين في ظل ممارسات السلطات الظالمة


ــــــــــــــــ

المنامة / مراسل براثا نيوز

قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة‌ الجمعة اليوم (27/07/2012) في مسجد الإمام الصادق (ع)‌: "البحرين اليوم بلدٌ مفقودٌ فيه الأمن، المواطن فيه ذكراً كان أو أنثى غيرُ آمنٍ على نفسه وعرضه وماله لا في شارع ولا في زِقاق ولا في منزله ومأواه، لا في ليل ولا نهار. وممّن؟ ممّن يُفرض فيهم حماية البلد وتوفير الأمن للكبير والصغير للذّكر والأنثى من بناته وأبنائه. وما الذنب؟ الذّنب أنْ ضجّ النّاس من الظلم، أنِ استغاثوا من السياسة الجائرة، أنْ طالبوا بحقوقهم وأنْ طالبوا بكرامتهم.".

وفي مايلي نص هذا الخطبة:

أيّ الموتَيْن تختار الشعوب؟

الحكوماتُ التي تظلم شعوبها قامت هذه الشعوب أو قعدت، والتي تستبيح مالها ودمها وكرامتها وتمعن في إذلالها على كلّ التقادير لا تترك مجالاً لها إلّا أنْ تختار المقاومة.

الحكوماتُ التي إذا هبّت شعوبها مُطالِبةّ بالإصلاح ضاعفت من ظلمها لها واستعملت معها سياسة كسر العظم وبالغت في التنكيل بها وأمعنت في قهرها وإذلالها وإنزال الضربات القاسية بها إنّما تدفعُ هذهِ الشعوبَ لخيار الاستمرار في المقاومة والإصرار عليها.

الحكومات التي تزرعُ اليأس من الإصلاح في نفوس شعوبها وتضعهم أمام خيارين أن يموتوا مستسلمين أو يموتوا مقاومين، وتقول مواقفها أنْ ليس لهم إلّا الشدّة والعنفُ على كلّ تقدير لا تُبْقِي تردّداً عند الشعوب في الإصرار على التشبّث بطلب الإصلاح ومقاومة الفساد ومكافحته.

الحكومات التي تقول لشعوبها بعد طول المقاومة وكثرة البذل وضخامة التضحيات: لا شيء ممّا تطالبون به من الإصلاح، إنّما تدفع هذه الشعوب دفعاً عنيفاً للمقاومة.

الحكومات التي تقول لشعوبها: ليس إلّا المزيد من الإذلال والتهميش والإرهاب والاستبعاد والبطش والتنكيل رغم كلّ ما بذلتم في سبيل حقّكم وحريّتكم وكرامتكم، إنّما تستفزّ هذه الشعوب استفزازاً شديداً وتجعلها تقدِّمُ الموت على الحياة ولو كانت تَسْلَمُ لها مع الاستسلام، كيف والموت هو خيار هذه الحكومات لشعوبها على كلّ حال [1]

 

الحكومات التي لا تستجيب للإصلاح والشعوب في حال المقاومة أبعد ما تكون عنه إذا ساد الصمت وانتهت المواجهة.

الشعب الذي تقول حكومته: لك الموت على كلّ حال، لا يمكن إلّا أن يختار موت العزّة وموت الأبطال.

الشعب المُدْرِك يرى في الصبر على متاعب المقاومة أملاً كبيراً في الخروج من حالة الاضطهاد ويرى في الاستسلام القضاء على كلّ أملٍ له في التحرّر من الذلّ والهوان والعذاب.

ومؤلمٌ أنّ كلّ ما يجري على الأرض في البحرين اليومَ لا يؤشّرُ إلّا لاستهداف الشعب على المدى الطويل، وإرادة تركيعه إلى الأبد، وأن يقبل بموقع العبوديّة ما دام حيّا، وأن يكون في تصرّف السلطة تفعل فيه ما تشاء، تبقي من تبقي من أبنائه، وتقتل من تقتل، وتسجن من تسجن، وتصادر مال من تشتهي، وليس لأحدٍ الاعتراض [2]

مستهدفٌ هذا الشعب أن يتنازل عن كلّ حرماته وأمنه على ماله ودمه وعرضه ودينه وجملة حقوقه، وهذا كلّه لا يُبقي للشعب غير خيار المقاومة.

ومثل هذا الواقع لا ينفع معه وعدٌ ولا عهدٌ مالم يُحرَزِ الحلّ الذي يعطي للشّعب اعتباره ويعترف له بحقوقه ويُبوِّئُهُ موقعه وينهي مأساته ويحمي حقّه وكلمته، ويكفيه من مضاعفة تضحياته وآلامه ومتاعبه بين الحِينِ والحِينِ والفَيْنَةِ والفَيْنَة في جولاتٍ متكرّرة من المطالبة الساخنة بالحقوق والمقاومة من أجل تصحيح الوضع والخروج من مأزق الفساد الذي تتعاظم موجاته وتُغْرِقُ هذا الوطن من فعل السياسات الظّالمة.

 

الأمن المفقود:

البحرين اليوم بلدٌ مفقودٌ فيه الأمن، المواطن فيه ذكراً كان أو أنثى غيرُ آمنٍ على نفسه وعرضه وماله لا في شارع ولا في زِقاق ولا في منزله ومأواه، لا في ليل ولا نهار. وممّن؟ ممّن يُفرض فيهم حماية البلد وتوفير الأمن للكبير والصغير للذّكر والأنثى من بناته وأبنائه. وما الذنب؟ الذّنب أنْ ضجّ النّاس من الظلم، أنِ استغاثوا من السياسة الجائرة، أنْ طالبوا بحقوقهم وأنْ طالبوا بكرامتهم.

أيّ أمنٍ للمواطنين بعد أنْ يتداول الإعلامُ أنّ حجم المسروقات والنّهب وصل إلى عشرة ملايين دولار من أموال ومقتنيات المواطنين أثناء استباحة المنازل؟ وكم أُخِذَ من مال النّاس في الشوارع والطرقات؟ وكم هم الذين يصمتون على ما يحدث لهم من خسائر ماديّة ونهب خوفاً من أن يتحوّلوا إلى جُناةٍ في نظر السّلطة لو أباحوا بما حصل لهم؟

كيف يأمن المواطنون وما تمّ اقتحامه من بيوت المسالمين منذُ بداية شهر يونيو أكثر من مئتين وسبعين بيتاً؟ ليتحوّل جوّها إلى جوٍّ مرعبٍ للكبير والصغير، لا تبقى فيه حرمةٌ لذكرٍ ولا أنثى ولا لمالٍ ولا عرضٍ ولا شرفٍ ودين، وقد تُمنَع المرأة وهي بلباس النوم أن تَسْتُرَ نفسها كما يشير إليه تقرير بسيوني.

الوضع لم يبقي أمناً للمواطنين وصار النّاس يستشعرون بالاستهداف العامّ الذي يلاحقهم ليلاً ونهارا من حكومةٍ يقضي واجبها الدّيني والإنسانيّ والعرفي والدستوري والقانوني بحراسة الجميع وحمايتهم والرجوع إلى القانون الذي وضعته بيدها على الأقلّ مع عدم عدالته حتّى مع من يُخالف هواها ويُغضبها أن أنكرالظلم وطالب بالحقّ والعدل وضاق بقفص العبوديّة واشتدّ تَوْقُه لفضاء الحريّة.

 كتاب الله ماذا له علينا؟

كتاب الله لبصيرة الإنسان، لإقامة موازين القسط والعدل، للهداية إلى الله، للأخذ بحياة أهل الأرض إلى الله، لصناعة فكرٍ واعٍ رشيد، مشاعر مهذّبةٍ خَيِّرةٍ قويّة، روحٍ طاهرةٍ زكيّة، وجدانٍ نظيفٍ لَأْلَاء، طموحٍ معنويٍّ رفيع، فردٍ صالح، أسرةٍ صالحة، مجتمعٍ صالح، أمّةٍ صالحة، سعادةٍ في الدنيا وسعادةٍ في الآخرة تُوصِلُ إليهما تربيةُ الإنسان تكمله تزكيته.

بمَ يتمّ كلّ ذلك؟ بالتلاوة؟ لا، بالتجويد؟ لا، بحفظ القرآن عن ظهر قلب؟ لا، بتعلّمه والتعمّق قي آياته ومداليلها؟ لا، ولكلّ هذا قيمةٌ ولكلّ هذا وزنٌ ولكلّ هذا مكانةٌ وأجرٌ وثواب إذا كان لله لا لشيءٍ سواه.

لكن لا يتمّ ما جاء من أجله القرآن ممّا تقدّم إلّا بتطبيقه بِصَوْغِ كلّ الحياة في ضوئه, في الأخذ بعقيدته وشريعته ورؤاه ومفاهيمه وأخلاقه وآدابه [3] ، وكلّ ما عدا ذلك -تطبيق القرآن- من تلاوةٍ وتجويدٍ وحفظ وتعمّقٍ علميّ في الآيات مُقَدِّمةٌ لهذا التعامل الجادّ الصادق مع القرآن الكريم.

وكم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه؟ وكم من حافظٍ للقرآن والقرآن حجّةٌ عليه؟ وكم من باذلٍ في طباعة القرآن من حلالٍ أوحرامٍ والقرآن يعاديه وهو أعدى أعداء القرآن؟ وكم من مُتَغَنٍ بالقرآن لمعاشه أو شهرته؟

وأشدّ ما ترتبط به مرحلة العمل بالقرآن الكريم فهم معانيه ومداليله، وكيف يعمل بالقرآن من لا يفهمه؟ وفهم القرآن له سطوحٌ ومستوياتٌ وأعماقٌ متفاوتة. وينبغي أن يبدأ فهم القرآن عند الأجيال مبكّراً وفي بدايات نشوئها، يمكن أن تُقدَّمَ درجةٌ من الفهم الأوّلي الابتدائيّ للناشىء الذي يتعلّم قراءة القرآن كأي يتلقّى شيئاً من الشرح للكلمات القرآنيّة الغريبة على لغته الشخصيّة الضعيفة النّاشئة.

وكلّ حلقةٍ من حلقات التلاوة، وكلّ معهدٍ من معاهد القرآن الكريم، وكلّ مجلسٍ من مجالس التلاوة في شهر رمضان، يمكن أن يُقَدَّمَ فيهم المستوى المناسب من الفهم القرآني ويتعيّش المجتمعون فكريّاً ونفسيّاً وروحيّاً على موائد من موائده ويتزوّدوا بهداياتٍ من هداياته.

مجالس التلاوة في شهر رمضان المبارك يجب أن تَغْنَى بمادةٍ من فهم القرآن، من وقوفها على بعض آيات القرآن وقفةً تأمليّةً دارسة. ويمكن أن يُعتمَد تفسيرٌ ميسّر لاستفادة بعض المستويات وتفسيرٌ معمّق لمستوياتٍ أكثر تقدّما.

ينبغي أن نتقدّم خطوةً في التعامل الهادف الذي يعطي القرآن شيئاً من حقّه؛ لنواصل معه الطريق لبناء الحياة، فَلْنُضِف إلى مرحلة التلاوة وتجويدها مرحلة العلم بالقرآن ومرحلة العمل به.

-----------------

[1] هتاف جموع المصلّين: "هيهات منّا الذلّة".

[2] هتاف جموع المصلّين: "لن نركع إلّا لله".

[3] - وإذا كانت الدُوَلُ لا تطبّق القرآن فأنت في وسعك أن تطبّق على حياتك الكثير من القرآن الكريم، في وسعك أن تتعامل مع القرآن تعامل احترام، تعامل انقياد، تعامل استسلام، تبني حياتك في ضوء القرآن، تبني حياة أسرتك في ضوء القرآن، تنشّىء ولدك في ضوء القرآن، تنشّىء بنتك في ضوء القرآن، فما عليه الدُوَل من تقصير لا يعطينا العذر في هذا الإهمال للتربية القرآنيّة.

...............

2/5/728

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك