( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
يكاد يجمع المحللون الستراتيجيون وخاصة العسكريين بأن الحروب التقليدية التي وقعت بين الدول منذ اندلاع الحرب الكونية الاولى وما تبعها من حروب وحتى نهاية الحرب الكونية الثانية لم تحمل معها ابادة الجنس البشري بمكوناته المعروفة(الشيوخ-النساء-الاطفال-الشباب)بل اقتصر الدمار على المقاتلين في جبهات القتال بالدرجة الاولى وبعض الاضرار التي اصابت المدنيين وهذا لا يعني ان مرتكبي ومسببي هذه الاضرار هم ليسوا مجرمي حرب بل ان اغلب القادة الالمان بعد انتصار الحلفاء على دول المحور قد سيقوا الى محكمة العدل الدولية في لاهاي بأعتبارهم مجرمي حرب.
هؤلاء الستراتيجيون يعتقدون ان اخطر الحروب التي يمكن ان تسبب كوارث انسانية لا يمكن تفاديها هي(حرب المياه)فالماء هو اساس الحياة كما اكد ذلك القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي}.فالماء لا يمكن لاحد او حكومة او دولة او محور او تحالف ان يمنعه عن الآخرين فهو هبة الله لعباده وأساس حياتهم وما يتعلق بعيشهم ولولا توفر الماء لما بقي سكان الكرة الارضية على قيد الحياة، من هنا يحذر المحللون العسكريون الستراتيجيون من ان حرب المياه هي الاعم والاشمل فكل المخلوقات من بشر وحيوان ونبات يتأثر بها وتؤثر في بقائه وديمومته فالأضرار التي تسببها هذه الحروب-لاسمح الله-هي اشد بكثير من حروب الجبهات.
من هذه المقدمة نريد أن نصل الى ان العديد من الدول تتقاسم الثروات المائية حيث تمر الانهار في اكثر من دولة وكانت هذه الدول قبل الانفجار الصناعي والتطور التكنولوجي تعاني من مشاكل الفيضانات وخاصة بعد ذوبان الثلوج إلا ان هذه الثورة وهذا التطور اسيء استخدامه في عالمنا اليوم حيث بدأت الدول تنشئ السدود العملاقة وتقيم البحيرات الواسعة معتدية على حصص الآخرين خاصة الدول التي تنبع من أراضيها الانهار مما يسبب هذا الاعتداء الى تصحر ملايين الهكتارات من الاراضي المزروعة في الدول التي تتشاطأ مع دول المنبع الامر الذي يضر ضرراً بالغاً بأقتصادها وزراعتها وحتى تركيبتها السكانية حيث من المعروف ان الكتل البشرية غالباً ما تقيم مدنها على ضفاف الانهار.
العراق من هذه الدول التي تتشاطأ مع دول اخرى حيث ينبع دجلة والفرات من تركيا مروراً بسوريا ثم العراق ثم الخليج العربي، فخلال الثلاثين عاماً الماضية بدأت دولة المنبع تقيم سدوداً عملاقة وبحيرات ضخمة استأثرت باكثر من 50% من حصص سوريا والعراق وأثرت بشكل كبير على الاقتصاد العراقي والزراعة العراقية وحتى على التركيبة السكانية وأصبح العراق الذي اطلق عليه سابقاً(ارض السواد) اصبح اليوم يعاني من التصحر بسبب هذا المنع ومصادرة حصته من المياه.
لا نريد أن نذكر بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعها كل من العراق وسوريا مع دولة المنبع(تركيا) فهي كثيرة ومتعددة ومستوى الالتزام بها ضعيفاً لذلك نرى من الضروري ان لا تتمادى تركيا بحربها هذه ضد جيرانها وأن تستفيد من نصح المحللين الستراتيجيين لان حرب المياه لو وقعت-لاسمح الله-فستكون حرباً كونية ثالثة اوسع وأشمل بأضرارها من كل الحروب السابقة.
ان زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي الى تركيا قد وضعت في جدول اعمالها هذه المسألة وكلنا أمل في أن تساهم تركيا في استقرار وأمن المنطقة وعدم الاستئثار بالماء على حساب الشعوب المجاورة لها، فالكل يسعى لاستخدام التطور الصناعي والتكنولوجي لخدمة بلاده والعراق لا شك يتطلع الى ان يستفيد من هذه الثروة في بناء مؤسساته الخدمية.
https://telegram.me/buratha
