بقلم داود نادر نوشي
على الرغم من ان مسودة الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة مازالت قيد الدراسة من قبل القادة السياسيين ، ولم يكتمل النقاش النهائي بخصوصها الى ألان ، ألا انها الشغل الشاغل للسياسيين ومادة دسمة لوسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية . وتثير جدلا واسعا حول محتواها وأهميتها بالنسبة للعراق ، والكل يرى الاتفاقية من منظور سياسي وأمني نابع من التفكير والايدلوجية التي ينتمي اليها ، بغض النظر عن الواقع الذي يعيشه العراق ومدى الاضرار والفوائد التي قد تنجم عن توقيع هذه الاتفاقية .
ورغم الاختلاف الواضح في وجهات النظر بين الكتل السياسية داخل مجلس النواب حول الاتفاقية ، الا انهم متفقون بأن الحكومة العراقية المعنية في التفاوض لن تقدم التنازلات ، وهذا واضح من خلال المسيرة المتعثرة لتلك المفاوضات على الرغم من الضغوط الامريكية في هذا المجال . والضغوط الامريكية تأتي لغرض توقيع الاتفاقية قبل الانتخابات الامريكية التي قد تاتي بالديمقراطيين الى سدة الحكم ، وهذا يعني تغيير كبير في الستراتيجية الامريكية حول العراق . والمشكلة التي تثار حول هذه الاتفاقية كونها تجري مع دولة لها قوات عسكرية كبيرة جدا في العراق ، وهذا يعني الكثير من التسائل للعراقيين لاسيما البنود المتعلقة بالمجالات السياسية والامنية ، والحصانة التي يصر الجانب الامريكي على أن تكون ملازمة لقواتة في العراق ، وبالتالي فأن الصلاحيات لا تحددها الحكومة العراقية لوجودها في العراق او تنفيذها للواجبات واستخدامها للطرق ، وبناء المعسكرات ، وحتى السجون .
وللخروج من البند السابع وقرب أنتهاء تخويل مجلس الامن للقوات الامريكية في العراق والذي ينتهي في 31 كانون الاول من هذا العام ، لذا يصر الجانب الامريكي على المضي قدما من اجل توقيع الاتفاقية ، وفي المقابل ترى الحكومة العراقية والكتل السياسية انه لابد من تحديد اطار قانوني لوجود هذه القوات وتحديد سقف زمني او جدولة انسحاب لهذا الغرض ، وبالتالي فأن على الساسة العراقيين ان يجدوا الحلول المناسبة حتى لاتضطرالى التمديد مرة اخرى من قبل مجلس الامن لبقاء القوات وبالتالي نرجع الى المربع الاول بعد ذلك ونبحث عن صيغ اخرى للتفاوض ومسميات جديدة للاتفاق ، وعلى الرغم من ان الاتفاقية مهددة بالخلافات الكثيرة والجدل الدائر بين المكونات السياسية العراقية ، الا ان الكثير من المراقبين يرون انه من الممكن ان تمرر هذه الاتفاقية قبل الموعد النهائي لأنتهاء التفويض للقوات الامريكية .
ولكي تكون الاتفاقية مقبولة للعراقيين لابد من حفظ سيادة العراق واستقلالة في البنود التي تتعلق بتحرك القوات الامريكية داخل العراق والذي لابد من ان يكون تحت علم ودراية الحكومة العراقية ، وهذا ما يتنافى مع المطالب الامريكية حيث انهم يطلبون تسهيلات مفتوحة في المناطق البرية والبحرية وامتلاك الحق في اعتقال أي عراقي يعتبرونه يشكل تهديدا على قواتهم وكذلك شن العمليات العسكرية دون موافقة الحكومة وبالتالي فان بنود الاتفاقية مرضية للجانب الامريكي على الرغم من التنازلات التي قدمها الوفد الامريكي تحت ضغط المفاوض العراقي .وعلى الرغم من تأكيد الجانب العراقي على ان عام 2011 هو نهاية الوجود الاجنبي في العراق ، الا ان الجانب الامريكي متردد في قبول او رفض هذا الموعد ، وهذا مايولد الهواجس لدى الكثير من القادة السياسيين على مدى التزام الولايات المتحدة بتنفيذ هذا البند المهم من الاتفاقية ، والذريعة لدى الجانب الامريكي ان أي تأريخ في أي أتفاق لابد ان يستند على الاوضاع على الارض وهم بذلك لايريدون ان يخسروا المكاسب التي تحققت لهم بالقضاء على الكثير من المجاميع الارهابية والمسلحين .
ولابد من ذكر النتايج التي تتمخض عن توقيع الاتفاقية وهي انها تقوم على التعاون بين البلدين في الكثير من المجالات السياسية والاقتصادية والامنية وفقا لاهداف ومبادى وميثاق الامم المتحدة وعلى أساس الاحترام الكامل لسيادة كلا الطرفين . ولابد للمعارضين والمؤيدين للاتفاقية ان يأخذوا بعين الاعتبار أن للقوات الامريكية اكثر من 150 الف جندي في العراق وتسيطر على الملف الامني في خمسة محافظات عراقية بعد تسليمها للملف الامني في 13 محافظة عراقية أخرى ، أذن لابد من وضع هذه الامور بعين الاعتبار عند طرح الاتفاقية للتصويت عليها بين الكتل السياسية والبرلمان .
ولابد من تحقيق القدر الكافي من المصلحة الوطنية بعيدا عن المزايدات والشعارات الحزبية والفئوية الضيقة ، والتي قد يستخدمها البعض كمادة دسمة في الترويج للانتخابات القادمة أسوة بما يفعله المتنافسون على خلافة بوش في البيت الابيض اذ شكل الانسحاب الامريكي من العراق الشغل الشاغل لكل من ماكين وأوباما .
https://telegram.me/buratha