المقدمة:
البيان الذي أعلنه الإمام الخامنئي وهو بيان الخطوة الثانية للثورة الإسلامية الايرانية الموجّه إلى الشباب والأمة الإسلامية بمناسبة حلول الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في 11/9/2019 يتضمن كمْ كبير من المبادئ والأسس والقيم التي ثبّتها الإمام الخامنئي لأجل أن تواصل الأمة الإسلامية سبل نهضتها وصولا بالجمهورية الإسلامية والأمة الإسلامية نحو تحقيق الهدف الأسمى وهو تحقيق هدف الحضارة الإسلامية العليا لتحل بديلا عن الحضارات المادية الطاغوتية. والبحث أدناه يتضمن عرض وشرح وتحليل بعض الأبعاد التي أشار إليها الإمام في خطبته كمنهج للشعب المسلم الإيراني وغيره في العمل للمرحلة اللاحقة.
هذا البيان يتضمن عدد من النقاط المهمة نود الإشارة إليها وهي:ـ
أولاً- الفصل الاول في فلسفة الثورة والعمل :
أن الأطروحة الإسلامية التي طرحها الإمام الخميني(قد) حينما اقام الجمهورية الإسلامية كدولة لها ايديولوجيتها وقيمها ومفاهيما وآلياتها ومراحلها، كما يؤكد الإمام الخامنئي في خطابه الذي ألقاه بعد أربعينية الدولة الإسلامية يقول الإمام بأنها ((أثبتت نجاحها بعد أن كان العالم مقسّم بين معسكرين معسكر شرقي وآخر غربي)).
فالأول يقوده الروس بالتحالف مع أوربا الشرقية ويقال له الاتحاد السوفيتي، والثاني تقوده أمريكا ويقال له المعسكر الغربي، وإن المنظومة الدولية منذ نهايات الحرب العالمية الثانية منقسمة بين المعسكرين الغربي والشرقي في القوة العسكرية والثقافية والاقتصادية وحتى الإجتماعية والحضارية، فهما يتنازعان ويتقاسمان القوة دون ان يكون للمشروع الإسلامي أي حساب؛ لانه لم يتمكن الاسلاميون من طرح تجربة ثالثة قبل ثورة الإمام الخميني ونهضته ودولته، وهو المشروع الذي تحرك من قلب الحوزات العلمية لأجل أن يوجد دولة إسلامية تحتل مكانتها في النظام الدولي، وبالفعل قبل و بعد انتصار الثورة وخلال تحرك الإمام في كل المراحل رفع الإمام الخميني شعار (لا شرقية ولا غربية) جمهورية إسلامية؛ لاثبات هويتها المستقلة، وبهذا فان هذه الدولة لها مميزات وهي: –
المحور الاول – مميزات مشروع الامام الخميني(قد)
1ـ الفكر الاسلامي:
ابرز هذه المميزات هو ان الفكر الإسلامي فكر خالد وتشريع راسخ وثابت؛ لأنه منسجم مع الفطرة الانسانية بما يحقق الصلاح والعدالة للجميع.
2ـ اقامة الدولة:
إن الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني وتحمّل لأجلها كل المسؤوليات تحولت إلى دولة ونظام ودستور ومؤسسات حتى تتمكن تلك الدولة من ان تجعل لها دورا في القرار الدولي والاقليمي، وحتى تتموضع في النظام الدولي وتأخذ مكانتها السياسية والجيبولتيكية (الجغرافيا السياسية).
3ـ المرونة:
هي ميزة حركية في آليات العمل وهي المرونة في حركة الدولة الإسلامية وقدرتها على الممازجة بين الثوابت وبين مواكبة المتغيرات العصرية وهي ما يطلق عليه الفقهاء (مرحلة الفراغ) وبهذا تمكنت الثورة من الحركة والانسجام مع العصر وتقديم نموذج ناجح في مختلف الابعاد.
4ـ الحفاظ على القيم:
وهذه ميزة مهمة وهي الحفاظ على القيم الأخلاقية العليا كون القيم الاخلاقية هي ميزة وعنصر قوة الحضارة الإسلامية وأحّد أهم عناصر ربط الأمم وتماسكها بتحقيق العدالة.
5- الدبلوماسية الجديدة:
وهي الميزة الخامسة وتتلخص بممارسة الدبلوماسية الجديدة للدولة الاسلامية في التعامل الدولي الجامع بين الشجاعة والقدرة مع التسامح لأن التحديات الدولية والأقليمية تحتاج الى قدر كبير من المرونة والحكمة وإلى جانبها الشجاعة واظهار العزة والاقتدار .
6ـ النهضة العلمية:
فقد رفعت الجمهورية الإسلامية في إيران شعار العمل والعلم والنهضة وهي المبادئ التي جعلتها قادرة على بناء دورها الحضاري واستعادة المسلمين لقدراتهم من خلال:
اولا: الاعتماد على حركة الاقتصاد الداخلي ومنع الاستكبار من الهيمنة على القرار الاقتصادي للدولة الإسلامية.
ثانيا: اعتماد الثورة الإسلامية على الجماهير وكلما قطعت الجمهورية مرحلة وعقد من عمرها كلما تعمقت في وجدان الأمة الإسلامية للدفاع عنها.
ثالثا : قدرتها على تحريك الشعوب الإسلامية وسائر المظلومين والمستضعفين وأحداث الصحوة الإسلامية.
رابعا: اعتماد الثورة الإسلامية على تطوير التقنيات العلمية لإحداث النهضة العلمية في مختلف المجالات: العسكرية، والصناعية، والزراعية، والأقتصادية، والعلوم النووية، والنانو، وهكذا في مختلف المجالات الالكترونية، والطب، والهندسة، والاعمار، مما ولّد للدولة الإسلامية ظروفاً جعلها قادرة على أن تحتل موقعها الحضاري في المجتمع الدولي.
وبلا إشكال أن هذا الشوط الذي قطعته الجمهورية ليس مفروشاً بالورود بل واجهت الجمهورية التحديات الكبيرة لأجله.
وهذا ما تضمنه خطاب الإمام الخامنئي في الفقرة الأولى وباقي النقاط التي بدأها سماحته بعنوان (الثورة الإسلامية بداية عصر جديد) والتي تعرض فيها لأدق المضامين التي اشرنا اليها.
الفصل الثاني: خطاب الى الشباب.
وفي النقطة الجوهرية الثانية تحت عنوان خطاب الى الشباب كان الإمام واضحاً في حديثه وخطابه الموجّه إلى الشباب بالدرجة الأساس لأنهم الذين اعتمدت عليهم الثورة الإسلامية في أربعة عقود نشأة ومسيرة. ومن المؤكد سيكونون هم محل اعتماد الثورة في المستقبل القادم في عمر الثورة الإسلامية ومرحلة الاسلام الطويلة إلى حين الظهور المهدوي لذا أكد الإمام على الشباب بنقاط مهمة لإيصال الثورة الى مرحلة الحضارة الإسلامية الكبرى. واهم الركائز والأسس في هذا الخطاب الذي يدفع الشباب الى النهضة هي:
1ـ تحقيق الهدف الحضاري
من خلال قول الامام الخامنئي ((مسؤوليتكم البلوغ بالثورة الى هدفها الأكبر وهو قيام الحضارة الإسلامية الحديثة من خلال الاستفادة في مختلف التجارب)) وقطعاً أن الإخلاص والتفاني والسعي الجدي في نظر الإمام الخميني(قد) يوصل جيل الشباب الي بناء الدولة الإسلامية والوصول بها إلى أعلى سلّم الحضارة الإسلامية.
2ـ الثقافة الإسلامية الاصيلة:
وقد أكد الإمام الخامنئي لأجل ايصال الثورة الى مرحلتها الحضارية المتطوره وقال (( لابد أن يطّلع الشباب على الإسلام الأصيل الصادق حتى يتكوّن لديهم رصيد معرفي يميّزون من خلاله بين الغث والسمين، وبين الصادق والكاذب، وبين العلم الأصيل والدخيل)).
3ـ التأسيس والبناء والاستمرار في العمل:
الامام الخامنئي أكد على الشباب الرسالي والأمة الإسلامية ضرورة العمل، فكما عملوا وجاهدوا لأجل إيجاد الدولة عليهم الإستمرار في إيصال الدولة الاسلامية الى مرحلة الحضارة وأكد هذا بقوله ((على الشباب أن يدركوا أن الثورة الإسلامية انطلقت من الصفر)) فبعد ان كان الغرب يركز على تغييب العالم الاسلامي من المشهد الدولي وخصوصاً إيران ذات القدرات العالية والتي كانت تحت سيطرة الإرادة والقرار الغربي ولكن الامام الخامنئي قال ((بجهود الامام الخميني والشباب المؤمن تم تحقيق وإنجاز الدولة بعد الثورة الإسلامية))، فلم تأخذ الجمهورية الإسلامية تجربتها من أي تجربة او تستفيد من تجارب سبقتها كنموذج في مرحلتي الثورة والدولة والتّطور بل لها الدور الريادي في التأسيس؛ لأنها انبثقت من الإيمان والمعرفة الإسلامية وتوفيقات الله سبحانه وتعالى، وان الشعب الذي تمكن ان ينجز الثورة والدولة ويحافظ عليها أربعة عقود قادر على الإستمرار وصولا إلى رأس الهرم الحضاري.
وأكد الامام الخامنئي ان هذا منجز كبير جعل الغرب يقف حائرا ومعاديا بقوله ((هذا هو الذي احدث الخوف والهلع لدى الغرب من ظهور التجربة الإسلامية)) لأن الغرب يدرك ان هذه الدولة الإسلامية من المؤكد سوف تأخذ دورها في مواجهة الاستكبار وتعمل على نهضة المسلمين وتطوير قدراتهم وتعمل على أضعاف القطب الأمريكي الذي يتفرد بحكم العالم من خلال الحروب والإبادة، وفرضت السيطرة والهيمنة بكل الوسائل الاقتصادية والعلمية وبنظام قطبي أحادي استبدادي لا مثيل له. لذا قال الإمام الخامنئي ((ان حصيلة اربعين عاماً هي أمامكم في الانتصار والاقتدار والعزة والكرامة والتطوير والنهوض في مختلف المجالات ولله الحمد.))
4ـ الجهاد والفرص:
يؤكد الإمام الخامنئي للشباب الثوري الإسلامي ((ان مسار بلدكم المجيد يتوقف استكماله على جهادكم وثورتكم)) ويضيف الإمام الخامنئي بإن الفرص متاحه أمام الشباب للنهوض والوصول إلى المرحلة الحضارية بقوله ((بلدكم يختزن طاقات هائلة استثمارها يحقق تقدماً نوعياً)) ويضيف ((ان إيران وعموم العالم الإسلامي يمتلك ثروة بشرية لا تقارن بأي ثروة مادية)) ويؤكد الإمام على ((وجود الطاقات المادية)) في الدولة الاسلامية.
من هنا يدعو الإمام الخامنئي الشباب والأمة الى العمل والأمل والجهد المستمر والمثابرة والاخلاص ويدعوهم إلى مايلي:
اولا – البحث العلمي المتواصل.
ثانيا – الحفاظ على المعنويات والقيم الإسلامية والأخلاقية.
ثالثا – تطوير الاقتصاد والطاقة وتنويع مصادره.
رابعا – الدفاع عن الدين والقيم والأخلاق و الاستقلال والحرية والسيادة.
خامسا – النزاهه ومواجهة الفساد.
سادسا – ترسيخ مفهوم العزة الوطنية واللحمة الاجتماعية ووحدة الامة.
خلاصة البحث :
الامام الخامنئي في خطابه الذي القاه بعد مرور اربعين عاماً من عمر الثورة الإسلامية في هذا الخطاب يؤكد على الشباب والأمة الإسلامية ان تعمل لتحقيق مشروعه الحضاري الإسلامي وصولا الى الحضارة الإسلامية و ليمنع على الشباب حالة الركود والجمود والتأخر ويحصّن الثورة من الخمول والافول و يدعو الشباب الى الانتقال بالثورة الإسلامية من مرحلة أربعين عاماً مضت وهي مرحلة التأسيس والثبات والنجاح إلى مرحلة البناء والتوجّه إلى مساحات أوسع لبناء الحضارة الإسلامية لمواجهة القطبية الاحادية. مذكراً الشباب بأن الإمام الخميني وجيل الشباب والأمة التي وقفت معه انطلقت من الصفر واعتمدت على الله وواجه الإمام الخميني والثوار كل التحديات وأوصلوا الثورة الى مرحلة الدولة الفاعلة المستقرة. وعلى الشباب اكمال المسيرة الإسلامية لتحمل المسؤولية من قبلهم في إيصال الثورة الإسلامية إلى الهدف الأسمى وهو البناء الحضاري تمهيدا للظهور المهدوي.
https://telegram.me/buratha