( بقلم : عبد السلام الخالدي )
الساعة تشير إلى السادسة والنصف من مساء يوم عصيب على العراقيين 22/6/2008 ، يوم الحسم والتحول الكبير والإنجاز الأكبر للكرة العراقية، كنت متوجهاً من العمل إلى المنزل كي أتابع وبشغف مباراتنا الحاسمة التي كنت متفائلاً جداً بفوز منتخبنا، وحجزه البطاقة التأهيلية الثانية في مجموعتنا مع المنتخب القـراسوغامصري(نسبة إلى اللاعبين السودانيين والبرازيليين والغانيين والمصريين، على العموم هذا ليس موضوعنا لأن المحصلة الأخيرة كانت لهم، ومن يضحك ويجتهد كثيراً يضحك أخيراً، الشوارع تكاد تكون فارغة من المارة سوى إنتشار رجال الأمن تحسباً لأي طاريء يعكر إحتفالات شعبنا الصابر المظلوم، منطقة الكرادة تغص بالجماهير القادمة من كل مكان في بغدادنا الحبيبة متشحة بعلم بلدهم الحبيب، كنت أتابع ومن خلال جهاز الراديو في السيارة برنامجاً لأحد المحطات العراقية كان قد فتح الإتصالات المباشرة مع المواطنين ليستلم ردود أفعالهم وتمنياتهم وتوقعاتهم عن مباراة اليوم، كل الإتصالات كانت تشير إلى فوز منتخبنا وهذا شيء لايثير الإستغراب فهذا ماعهدناه من جمهورنا الوفي، ولكن إستوقفتني مكالمة هاتفية مع أحد الشباب العراقي في مقتبل العمر، ودار الحديث التالي بينه وبين مذيع البرنامج:
الشاب: أتمنى ومن كل قلبي أن يفوز منتخبنا هذا االيوم على نظيره القطري ليرسم البسمة على شفاه الشعب العراقي قليل الفرح ويعيد أمجاد بطولة أمم آسيا وأنا متأكد من أن لاعبينا لن يخذلوا جمهورهم الوفي الذي آزرهم بكل مايملكون، وقد كتبت شعراً تغنيت به بأعضاء فريقنا وتلى ماكتب، حقيقة كان شعراً بمعنى الكلمة هز مشاعري، ثم قال: ولدي قصيدة أخرى كتبتها مباركاً الفوز الكبير الذي سيحققه أسود الرافدين سأتلوه عليكم بعد المباراة بإذن الله.
المذيع: شكراً أخي الفاضل ونحن نبادلك نفس الشعور وأتركك الآن لتتمتع بمشاهدة المباراة.الشاب: ولكن أنا بصير ولاأرى، صمت المذيع ولم يعلق، ربما لصدمته، ثم إستدرج وقال: نتمنى لك الشفاء العاجل بعد المباراة حينما يفوز المنتخب العراقي.
الشاب: صدقني ياأخي والله لن أفكر أن أرى يوماً ما، بل أن فوز المنتخب هو أجمل هدية لي وإذا مافاز منتخبنا اليوم فسأفرح وكأني فتحت عيناي، وأقول لك من كل قلبي وبدون رياء لاأتمنى أن أرى بعيناي بقدر ماأتمنى لمنتحبنا الفوز.
المذيع: شكراً لمشاعرك أخي العزيز وتمنياتنا لمنتخبنا الفوز وننتظر إتصالك بعد المبارات لتتلوا على مسامعنا قصيدة الفوز، مع السلامة.
قلت مع نفسي أتمنى أن تعرض هذه المكالمة الهاتفية على أعضاء فرقنا الوطني قبل المباراة كي يعرفوا مدى حب الجمهور العراقي لهم، وهذه حالة من مئات بل الآلاف، ولكن إستوقفني هذا الشاب العظيم وقلت في نفسي، ماذا أملك كي اقدمه لهم مقابل فوزهم، ربما تشجيعي ودعائي لهم.
بعد المبارة تذكرت أن لدي شيء واحد لو قدمته لهم لفازوا في المباراة، ولكن للأسف هذا الشيء لايهب ولايعطى بل من المستحيل أن أقدمه لهم، لأن هذا الشيء من صنع الإنسان نفسه، وموجود في داخل كل منّا، ورغم كل هذا لو كان هذا الشيء يعطى لأعطيته لهم، الغيرة، نعم الغيرة، لو كان من الممكن أن أتنازل عن غيرتي للاعب واحد من أعضاء المنتخب العراقي لتنازلت عنها له ليسجل بها هدف وأعلن إستعدادي العيش بقية عمري من دون غيرة طول العمر مقابل هدف التأهيل.
https://telegram.me/buratha