( بقلم : عواد عباس الموسوي )
الأطفال شريحة واسعة في المجتمع العراقي كغيره من المجتمعات و الشرقية بشكل خاص لكثرة الإنجاب فيها وقد عانوا على خلاف غيرهم من أطفال العالم من ظلم و إجحاف لأدنى و أبسط حقوقهم ففي عهد البعث البغيض كان الطفل العراقي يعاني الحرمان و مشاعر الخوف و أنتجت حقبة الثمانيات الكثير من المراهقين و الشباب الذين تركت الحرب و ما يكتنفها من رعب وخوف بصماتها على نفسيتهم فمن دوي المدافع و هدير الطائرات و أصوات الصواريخ المضادة للجو التي كانت تطلق بمناسبة و بدونها إلى الصدمة الفاجعة بفقدان الأب أو الأخ الأكبر أو أحد أفراد العائلة أو قريب منها . و في التسعينات أحكم المجتمع الدولي حصارا قاسيا بحجة محاصرة و توهين النظام البائد دفع ثمنه العراقيون و كانت حصة الطفل العراقي أكبر الحصص دون مبالغة و الكل يتذكر الجنائز الجماعية التي كان يقيمها النظام في مشهد مأساوي و مؤلم لاستغلال موت الأطفال كورقة ضغط على الرأي العام في العالم الغربي .
و بعد سقوط صدام حسين كانت دوامة العنف و القتل العشوائي ما جعل الأطفال في مقدمة ضحايا تلك العمليات الهمجية التي قل أن رأت البشرية مثالا لها في التاريخ . و لم تقف مأساة الطفولة العراقية عند القتل و التشويه الجسدي بل طالت الجانب النفسي و انعكس ذلك على سلوكيات الطفل ، و من بين الجوانب التي أثرت فيه هو عسكرة المجتمع الذي قامت به المليشيات محتلة بذلك دور الفرق الحزبية أيام صدام و كذلك الخوف و الرهبة التي تصيب الأطفال من أعمال عناصر المليشيات و مواجهاتها المفتعلة مع القوات الأمنية الرسمية . إن واقع كون المليشيات وحتى وقت قريب لم تكن أكثر من عصابات إجرامية تجوب الشوارع و الشارع بالنسبة للطفل العراقي مكان لعبه و مرعى تجواله و تنزهه و ملتقى الأصدقاء و لعبهم و مرحهم ، من هنا لنا أن نتصور ما الذي يحتفظ به أطفال العراق تجاه هذه العصابات المجرمة التي تثير الفزع في نفوسهم و ترعبهم بمظهرها المسلح و إطلاق الرصاص بعشوائية و كثيرا ما وقع بعض هؤلاء الأطفال ضحية لها . كذلك فالطفل صفقة مربحة للعصابات حين تريد جني المال أو الضغط على من يختلفون معهم أو يعارضونهم فيعمدون إلى خطف أولادهم الصغار و قد ينتهي الأمر بقتلهم و تشويهم أجسادهم إمعانا في إيذاء ذويهم و كلنا نذكر بشاعة المليشيات الصدرية التي قامت بقتل طفلين و التمثيل بجثتيهما قبل عدة أسابيع نشرت صورهما في أكثر من موقع على شبكة الانترنت .
بعد هذا هل نستغرب ما قام به أطفال مدينة العمارة التي كانت في أسر المليشيات قبل عملية بشائر السلام و ما قاله السيد محمد العسكري من أن أغلب مخابئ الأسلحة قد تم العثور عليها بمساعدة أطفال العراق؟ يا لها من ضربة قاسية لقوى الشر و يا لها من فضيحة ما بعدها فضيحة لهؤلاء الذين كان من أعدائهم و المنتظرين لساعة الخلاص من جورهم الأطفال قبل الكبار . و ماذا يعني أن يقوم الأطفال و الصبية بعمل من هذا النوع غير أنهم أرادوا التعبير عن مدى الظلم و الخوف الذي كانوا يعانونه .. و ماذا يعني معرفتهم بمخابئ الأسلحة المدفونة في الأرض و في المناطق الفارغة سوى أن الأطفال كانوا يراقبون و كأنهم جهاز استخبارات صغير كل حركة المليشيات و أين يخبئون أسلحتهم و أدوات القتل و التدمير .. و لكن ما يعني لي شخصيا بما هو أهم من كل ذلك هو نشدان هذه الحمائم البريئة و كما هو شأنها للسلام و الطمأنينة و الهدوء و لم تؤثر فيها حملات العسكرة و زرع الروح العدائية في داخلهم و تشويه النفوس النقية لهم و هو ما كان يشعر إزاءه بالقلق جميع من رصد المشهد العراقي من المعنيين و المؤسسات الحقوقية و المعنية بالطفولة و الباحثين لا سيما في مناطق نفوذ القوى الإرهابية و المليشيات الخارجة عن القانون .
إن ما قدمه أطفال العمارة بحق هو درس بالمجان للكبار قبل الصغار و كيف عبروا عن روحهم العراقية الوثابة المتحدية و كيف كانت عيونهم مفتوحة لم تنم عن ما تفعله ضواري القتل في النهار و تدفنه غربان الشر في الليل من عورات و سوءات .
https://telegram.me/buratha