( بقلم : الدكتورة سناء الحربي )
لم يكن ما استقرأته الصحف الغربية مؤخرا من ازدواجية واضحة لدى مقتدى الصدر و مليشياته هي ابعد ما يمكن النظر إليها كونها تكتيكات أو استراتيجيات فاعلة لا تتعارض مع ما يردده الخطاب الصدري مما يطلق عليه تسمية الثوابت و المبادئ . و هذا الاستقراء لموقف مقتدى جاء منسجما مع الواقع على الأرض و يفضح أن الهدف الأساسي لهذا الشاب لا يتعدى أكثر من المحافظة على مليشياته المسلحة بأي طريقة كانت .
و بهذا فلا يعدو الكلام الطنان حول المقاومة و الجهاد لإخراج المحتل و الدفاع عن مصالح الشعب العراقي أكثر من حجج لأجل تبرير تواجده المسلح على الأرض الذي لا يستقيم لعاقل هدف واضح و محدد و معقول من ورائه و لا يبدو أكثر من رغبة صبيانية بعسكرة أتباعه و التلذذ بموقع القائد الضرورة الجديد . إن كل حركات التحرر و المقاومة لم تكن حين ترفع شعارها في المقاومة و الجهاد و غير ذلك مما هي مقتنعة به في وارد الازدواجية في موقفها و لا معنى لفلسفة الانحناء بوجه العاصفة التي من الأحرى تطبيقها مع عاصفة الاحتلال نفسه لو كانت فلسفة أو قاعدة مبدئية بل هذه الأخيرة ديدن الجهات التي تسعى لمصالحها الخاصة و تبتغي تحقيق أهداف معينة تخصها ولو على حساب مصلحة الشعب و الأمة وهي ضمن إطار هذه القاعدة الذرائعية تكون قد سقطت في تناقضات و تباينات و إرباك لا محال . فمقتدى و مليشياته أخذت بمبدأ الهروب و الانكفاء و الانحناء متى ما شعرت بقرب نهايتها و تشظي قوتها و اتضاح خورها و هزيمتها و كل ذلك لكي تبقى على قيد الحياة المسلحة و هامش المناورة السياسية فيما تصول و تجول و تخرّب و تعربد ما أن تجد المجال متاحا لها و الباب مشرعا لعبثها و تمردها .
لو كان لمقتدى الصدر و أتباعه مبادئ كالتي يدّعونها لكان الأحرى بهم المضي في الطريق الذي اختاروه و حتى النفس الأخير و لكن ما أشبه ليلة الصدر ببارحة القاعدة التي هربت من وجه المعركة في الموصل و لاذ قادتها المتشدقين بمعاني الجهاد و الشهادة و معانقة الحور بالفرار و كأن خطاباتهم و كلامهم الحماسي و تخريجاتهم الفقهية الضالة لا تأتي إلا لأجل التغرير بالسذج و توريطهم بقناعات تافهة بل هذه هي الحقيقة التي باتت ناصعة فأمراء القاعدة يحثون الأطفال و المراهقين و الهمج الرعاع على الشهادة ابتغاء الجنة فيما يهربون هم وراء الأكم و في الوديان و الكهوف بمجرد سماع هدير الطائرات و زمجرة الدبابات .. قادة مليشيا مقتدى نموذج مطابق تماما للقاعدة حتى في بعض الجزئيات التفصيلية و كلاهما بلا مبدأ و لا ثوابت سوى ثوابت العصابات و الجماعات التخريبية فإن كان لهؤلاء مبادئ سيكون للصدر و مليشياته مبادئ ..
لا تكاد تحصى مواقف مقتدى المتناقضة سوى ما أشرنا إليه و مما بات معروفا و مكشوفا .. و ماذا يقال فيمن يردد أنه مع مصالح الشعب و لأجلها و العراق فوق الكل و قبلهم ثم يأتيك بما ينقض هذا كله بدءا من إعلانه الحرب على الشعب العراقي و زيادة التوتر الطائفي إلى ابعد مدياته خلال عامي 2005 و 2006 و انتهاءً بتهديداته بالحرب المفتوحة التي عجز عن شنها و ما كان ليتردد لحظة واحدة لو امتلك القدرة على خوضها بيد أن يد الحكومة سبقته لتنزع مخالبه و تجرده من مواضع قوته .. و مرورا بجعل مليشياته تحت تصرف دول و جهات إقليمية و استعداده للدخول في حربِ نيابةِ عنها ؟!
و ماذا يقال فيمن يتشدق بمصلحة الأغلبية في العراق و أنه منحاز لقضاياهم و منافح عنها ثم لا يتردد في استعداده للدخول في تحالف بعثي – صدامي – قومي – طائفي و مع كل القوى التي تناصب العراقيين بأغلبيتهم الكره و العداء و مسكونة بعقد الماضي و لعناته ؟ بل يبلغ الأمر حد مد جسور العلاقات من قبل قيادات بارزة في تياره مع زمر إرهابية كمنظمة خلق الإيرانية التي اكتوى بجحيم عملياتها البشعة الكثير من العراقيين و سل أهل ديالى يأتوك بالخبر اليقين .. !
https://telegram.me/buratha