( بقلم : علي عبد الهادي الاسدي )
الخلافة ، والإمامة ، والولاية ، مصطلحات ـ قد تبدو في أدبيات الفقه السياسي الإسلامي ـ مترادفة الدلالة ظاهرا ، إلا إنها ليست كذلك ، بداهة أن ثمة تغاير دلالي موجود بينها. ويختص مصطلح الإمامة من بينها بكثرة وروده في البحوث المتعلقة بالنظام السياسي في الإسلام ، بل هو محور تلك البحوث . وقد عرف المصطلح ـ الإمامة ـ بتعريفات متقاربة الدلالة لدى الفريقين ـ السنة والشيعة ـ . فمن تعريفات السنة ؛ ما ذكره القوشجي : ( الإمامة ؛ وهي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا ، خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) ( ١ ) . وعرفها إبن خلدون قائلا : ( الخلافة ؛ نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين ، وسياسة الدنيا ، وتسمى خلافة ، وإمامة ، والقائم بها ، خليفة ، وإمام ) ( ٢ ) . أما الماوردي فقال : ( الإمامة ؛ خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ) ( ٣ ) . وقال التفتازاني : ( بأنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، خلافة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وذكر القاضي الإيجي : ( بأنها خلافة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في إقامة الدين ، وحفظ حوزة الله ، حيث يجب إتباعه على كافة الأمة ) ( ٤ ) . ومن المتأخرين ، قال الشيخ أبو زهرة : ( المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة . وهي الإمامة الكبرى ، وسميت خلافة ؛ لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في إدارة شؤونهم ، وتسمى الإمامة ، لأن الخليفة كان يسمى إماما ، ولأن طاعته واجبة ، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه ، كما يصلون وراء من يؤمهم الصلاة ) (٥ ) . وكلمات العامة ـ كما يظهر ـ متقاربة الدلالة . فالإمامة عندهم تتسم بسمتين أساسيتين هما : ـ ١ ـ إنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا . ٢ ـ إنها خلافة النبوة ، أو خلافة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ورغم أن التعريف قد جاء في إطار تنظيري لا يلامس الواقع العملي لسيرة الخلفاء ، لا سيما اؤلئك الخلفاء الذين تولوا سدة الحكم بدء بالعصر الأموي وانتهاء بسقوط الخلافة العثمانية في أوائل القرن العشرين فانه يواجه إشكالا يتجه على العنصر الثاني ـ خلافة النبوة ، أو خلافة عن النبي ـ مفاده ؛ إنه لكي تتحقق الخلافة الصحيحة فإنه يجب توفر ثلاثة أركان ، هي ؛ المستخلِف ، المستخلَف ، ونص على الاستخلاف ، ومع فقدان أحد هذه الأركان فلا تكون خلافة صحيحة قد وجدت على امتداد تاريخها ، إلا بنحو من العناية و التجوز . وتأسيسا عليه فالتعريف عند العامة لا يخلو من مؤاخذة لعدم ثبوت النص على الاستخلاف لأحد بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما هو مذهب السنة ، وهم أصحاب نظرية الاختيار في موضوعة تعيين الإمام . وإدراكا لهذه الإشكالية حاول بعض الملتزمين بنظرية الاختيار في قضية الإمامة دفع الإشكال تصحيحا لالتزامهم بمبدأ الاختيار في مسألة تنصيب الإمام. قال د . محمود احمد: ( على إن قول أبي بكر أنه خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لا يحل الإشكال إن كان معنى الخلافة يتضمن الوصية من المستخلِف للمستخلَف ، إذ قد يفيد هذا النص عليه ، ولم يدع ذلك أبو بكر ، غير إن اختياره لهذا اللقب لم يكن يفيد أكثر من أن يخلف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمته ، ولم يكن اللفظ يشير إلا إلى العلاقة التاريخية بين الرسول وخليفته ليدل على إن حكم الرسول مستمر ) ( ٦ ) . و لا يخفى أن ثمة قلق قد أصاب التعريف ـ عند الالتزام بهذا التوجيه ـ ومنشأ هذا القلق أو الاضطراب ؛ أن استمرار حكم الرسول تاريخيا يحتاج الى نص من الرسول على خليفته من بعده ، و لم يدع أصحاب نظرية الاختيار بوجوده . أما الشيعة ـ الإمامية ـ فلهم تعريفاتهم الخاصة بهم ، وهي : الأول ـ تعريف العلامة الحلي : ( الإمام ؛ هو الإنسان الذي له الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا بالأصالة في دار التكليف ) ( ٧ ) . الثاني ـ تعريف المظفر : ( تعتقد الإمامية بأن الإمامة خلافة النبوة ، لان البشر في حاجة إلى العالم بالشريعة ليعلمهم ما يجهلون منها ، أو يقرهم على ما يعلمون ، وفي حاجة إلى القائم بالعدل بينهم ، المقيم للحدود ، والمنفذ للأحكام كما جاءت بها الشريعة الاحمدية ) (٨ ) . والمظفر ـ في تعريفه للإمامة ـ خالف العلامة، إذ جعل الإمامة خلافة النبوة. ويبدو أن هذا الخلاف ظاهري، ولعل في تعليله حاجة الناس إلى إمام ما يبرر القول ـ لنا ـ بتطابق التعريفين واقعا. والأظهر إن الالتزام بتعريف العلامة (قده) أولى لسلامته عن الإشكال الأتي: وتقريبه ؛ إن هناك حدودا فاصلة بين النبوة والإمامة ، لأن النبوة ؛ هي تلقى الوحي الإلهي مباشرة ، وتبليغ الناس الدعوة الإلهية . أما الإمامة ؛ فهي ممارسة الشؤون العامة للمجتمع وإخضاعها وفقا لتوجيهات الرسالة السماوية ، والنبوة تنقطع بانقطاع الوحي ، والإمامة تستمر باستمرار بقاء المجتمع حامل الرسالة الإلهية . وعليه فإطلاق لفظ الإمام على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنه قد مارس الرياسة العامة لشؤون المجتمع أمر لا غبار عليه ، ولعل في قوله تعالى مخاطبا إبراهيم ( عليه السلام ) : ( إني جاعلك للناس إماما ) ، ما يشير إلى هذه الدلالة المتقدمة . والحاصل إن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد مارس الرياسة العامة ، وبعد وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فرغ منصب الرياسة العامة ، وهو المسمى بالإمامة أو الخلافة ، فلم لا يسمى شاغل منصب الرياسة العامة في فترة حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالإمام ؟ ، فإن المنصب هو هو لم يتبدل . وعليه فلا بد من الالتزام بتعريف العلامة وهو : ( الإمام : هو الإنسان الذي له الرياسة العامة ......) . ولا يخفي وقوع المعارضة بين التعريفين ـ الشيعي والسني ـ من جهة الأصالة والنيابة ، وتطابقهما من بقية الجهات . ولذلك نقول بازدواج النبوة والإمامة في شخصية الرسول ، وإذا كان قصد العلامة المظفر بخلافة النبوة ، هو خلافة النبي في ذلك المنصب واعني به الإمامة فيسلم عن الإشكال .علي عبد الهادي الاسدي / العراق / النجف الأشرف
(١) القوشجي : شرح تجريد العقائد : المقصد الخامس . (٢) العلامة ابن خلدون : المقدمة : ص١٤٣. (٣) المارودي : الأحكام السلطانية : ص٣. (٤) القاضي الإيجي : المواقف . (٥) محمود أبو زهرة : المذاهب الإسلامية : ص٣١. (٦) د. احمد محمود .صبحي : نظرية الإمامة لدى الشيعة الإمامية :ص١٢٨. (٧) العلامة الحلي : الألفين . (٨) محمد رضا المظفر : عقائد الإمامية .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha