بقلم : سامي جواد كاظم
الحيلة هل يمكن لها ان تكون شرعية ؟ واذا كانت كذلك فما هي الظروف والاسباب الموجبة لذلك ؟ على اقل تقدير حتى يمكن الاقتناع بان ما اقدمنا عليه هو ضمن الحدود الشرعية وان الله عز وجل سوف لا يؤاخذنا على ما اقدمنا عليه . الحيل الشرعية تاتي قبل الاقدام على الامر المراد الاقدام عليه من قبل الشخص .اغلب هذه الحيل تدخل ضمن المسائل التي تحقق غرائز دنيوية للبشر منها المال والجنس ، أي انه لا يوجد من يحاول التمسك بالحيل الشرعية لامر عبادي فالصلاة والصوم والحج والجهاد امر لا يقبل الحيل الشرعية فانها مفروضة على المسلم اذا ما توفرت مقدماتها ولا يمكن الزوغان من ذلك .فالحيل الشرعية تتعلق وبشكل رئيسي بالجانب المادي وتحديدا عمليتي الاستحقاقات الاسلامية من خمس وزكاة وتحريم التعامل الربوي ، من هذا نجد الذين يرومون عكس المنهي والواجب استحداث حيلة شرعية من اجل النفاذ من هذا الحكم .حقيقة هذه الممارسة يمارسها الكثير ممن لهم باع طويل في القوانين الوضعية من اجل كسب القضية ولعل هذه الحيل الشرعية اليوم هي من اختصاص اغلب المحامين لا كلهم . فاذا ما كانت هنالك دعوى قضائية بحق متهم وأوكل هذا المتهم محامي لكي يبرأ ساحته من هذه التهمة فاننا نجد المحامي يحاول العثور على منفذ قانوني من خلال استخدام الحيلة في تغيير ولو بعض الحقائق وإضفاء صورة قانونية عليها حتى يتمكن من إخلاء سبيل موكله ، نعم هذا الأمر في القانون الوضعي قد يتقبله المرء مع قليل من الاستهجان ، ولكن أما الشرع فالحيل فيه تدخل ضمن المحاذير .وانا اجد لا حيل شرعية فالتحايل على من ؟ حتى تصبح شرعية على الشرع نفسه فهذا امر غير منطقي التحايل هنا يكون على المشرع نفسه واذا كان المشرع الله عز وجل فهل ستنطوي على الله عز وجل هذه الحيل ؟ هذا امر اذا ما تم التمسك فيه فانه سيجلب الانتقادات الى الاسلام ، ولابد من الصراحة في بيان حكم التحريم او الواجب وهنا لست بصدد الاحكام الشرعية التي نفذت من اصلها لتلبس ثوب اخر وبوجه اخر يضفي عليها الشرعية . اكثر المسائل التي تنضوي تحت مظلة الحيل الشرعية هي كما اسلفت الربا والخمس والزكاة وسابقا في العهد الاسلامي كانت هنالك حيل شرعية فيما يخص الامة أي المملوكة حيث اذا ما اعجبت شخص ما يقوم بسرقتها ويعوض صاحبها مال ويمارس حقه مع مملوكته .اليهود هم اول من مارس هذه الحيل عندما حرم الله عز وجل عليهم الصيد يوم السبت فقاموا بحجز الاسماك في برك مائية على ان يستخرجوها من البحر يوم الاحد .وطالما حسب ما اعتقده انا ان الحيلة الشرعية تثير الريبة اتجاه الاحكام الشرعية وتجعل كل من يعتقد انه مجتهد يستطيع من اصدار فتاوى بحجة الهروب من الباطل الى الحق وقد اشار العلامة المرحوم مريضى العسكري قدس سره في كتابه معالم المدرستين الى هذه النقطة بالقول ( يشرع بعض المجتهدين بمدرسة الخلفاء باسم الحيل الشرعية احكاما ولا يوجد نظيرها في أي قانون على وجه الارض ويندى لها جبين المرء خجلا ــ معالم المدرستين ج2 ص 294 ) ، هذا ويذكر ان دراسة الحيل هذه دراسة قديمة تعود للقرن الثاني للهجري فقد ألف العتبي المتوفي 228 هـ كتاب بعنوان الحيل .صحيح ان اللجوء الى الحيلة الشرعية هو لخوف المسلم من الوقوع في الباطل فيستخدم الحيلة ليصبح ما اقدم عليه حق ، ولكن لو نظرنا الى الامر المراد له ان يكون شرعي ان نبحث عن النتائج المترتبة بعد الاتيان بهذا المحرم او ذاك وليس التاكيد على سبب التحريم من خلال ذكر النص فقط سواء كانت اية قرانية او حديث لمعصوم .استخدام الحيلة يكون على شكلين الشكل الاول عندما يكون الحكم شخصي وهذا يكون المكلف لوحده المسؤول عن هذا الامر واغلب انواع هذا الحكم يكون من الميسور تحققه والسهل تجاوزه والتغاضي عن سلبياته اما اذا كان الحكم يخص المجتمع فان الحيلة الشرعية هنا تكون سلبية اكثر مما هي ايجابية .
هناك فاصل دقيق بين تاثيرات الباطل الذي يراد له ان يكون حق من خلال الحيلة الشرعية فمثلا الحيلة الشرعية التي تستخدم من اجل جعل اشباع الغريزة الجنسية مع المراة لاكثر من واحد جائز وحلال حيث كما ورد في كتاب فقه الامام الصادق (ع) ــ ج23 ص 75ـ 76 ــ حيث الحيلة المستخدمة لجواز هذه الفعلة النكراء هي ( ان يتزوجها الاول ويدخل بها ثم يطلقها ويعود فيتزوجها في عدتها ولا يدخل بها ثم يطلقها فيتزوجها غيره على اعتبار انها مطلقة غير مدخول بها وهذا فاسد لان اولا لو تم فانما هو في المتعة لا في العقد لاشتراط صحة الطلاق وبوقوعه من غير المواقعة ، ثانيا انه لا يتم في المتعة ايضا لما عرفت من عدم سقوط العدة الاولى بالعقد الجديد ) . فالالتفات الى سبب التحريم لا الى نص التحريم .
وهذا ينطبق على الربا كذلك فان عملية الربا حرام لما يترتب عليها من مساوئ اقتصادية تتلاعب بالدخل الفردي والمستوى المعيشي وعدم التناسب بين الجهد المبذول من قبل الفرد مع ما يستحقه من اتعاب فلو شرعت هذه المسالة بالحيلة الشرعية لانقسم المجتمع الى نصفين نصف يملك المال وينام مستريح البال والحال وشخص فقير يستقرض المال من هذا الغني ربويا من خلال اخراجها مخرج شرعي فيعمل هذا الفقير بجهدين جهد لصاحب المال وجهد لنفسه واذا ما اخل بهذا الاتفاق يكون قد عرض نفسه وعائلته الى الفقر المدقع اكثر مما كان قبل الاستقراض مع خسارة صاحب المال لماله بسوء تصرف المستقرض .
اما اذا كان الغاية من الحيلة الشرعية ان هنالك من يحتاج الى المال كأن يكون لإجراء عملية جراحية تنقذ حياته او حياة مريضه ولا احد يستقرضه الا المرابي فان الشرع يجوز هذا الاستقراض مع حاجة المحتاج الى المال وعلى كراهية وعندها لا حاجة الى الحيلة في هذا المجال .
حقيقة هنالك الكثير من فتاوينا تتعرض لهذه الحيل وتجعلها شرعية وانا اقف امامها حائرا حول الدوافع لمثل هكذا حيل مثلا مسالة استخدام الضميمة مع كيس الطحين عند مقايضته بكيس طحين اردأ او احسن نوعية مع اختلاف المبلغ ، ما هي الدوافع لذلك ؟
https://telegram.me/buratha