واثق الجابري ||
يحتاج الوقت صبرًا طويلًا لا يُحتمل، حينما تُرتكب المجازر يومياً ويُرفع الى السماء مئات الشهداء في مشاهد دموية، وما يزال العرب ينتظرون شهر رمضان كي نسمع مدافعهم عند الإفطار، وما تزال تلك المدافع البدائية في أغمادها ولم يهلّ هلالها الذي يأذن لها بإطلاقة، لينطلق البذخ والمسابقات والعروض الراقصة والمسلسلات التي تروي تأريخ النكبات، وفي كل هذا الوقت ما يزال العرب يسمعون صراخ فلسطين ويتباكون مجاملة، وهم يعلمون أنهم من ساهم في بيع القضية، وممن دفع لذلك اموالًا، فتنازلوا عن حق شعبها وتحدثوا نيابة عنهم، وكانوا أسوأ من الغرب عليها.
تصريحات وقمم عربية وعالمية، كلها تحت عناوين (السلام) وفحواها الاستسلام، وهي تتّهم أصحاب الأرض بالارهاب، تتحدث عن أحقية الدفاع عن النفس، ولا تحدد من أولى بها، وكأنها لا ترى أشلاء الاطفال والنساء والشيوخ، وكأنهم هم من قاتل العدو.
البكاء لا ينفع الصواريخ تنهال على غزة بوحشية، وكل ما يتحدث به العالم هو إرسال مساعدات وطعام لأموات، فما الفائدة ممن يطعمك اليوم وانت تنتظر قتلك في أية لحظة! لا مكان آمن، جامع أو كنيسة أو مستشفى أو مكان إيواء، وبتهديد الأسلحة المحرمة دولياً، وجدت الإعلام الصهيوني يقول: "غزة لا تحتاج كهرباء فهي مضيئة طوال الليل"، ويقصد أضواء القنابل والصواريخ، وهكذا مشاهد أبادت عوائل بكاملها ونصف الضحايا أطفال.
يتباكى بعض العرب محرجين أمام ما يحدث، وكأنهم يتحدثون بلسان العدو الذي يحاول أن يحسّن صورته بالسماح بإدخال المساعدات، وهو كذلك، يطالبون من كيان غاصب فتح حدود هي بالأساس بين مصر وفلسطين ويغلقها العدو، ولم تهزهم مشاهد شعوب لا تنتمي الى العرب والمسلمين، تتظاهر تعاطفًا مع شعب يُقتل، وترفض بطش عدوان سافر تجاوز كل القيم والقوانين والأخلاق، وتعمد قطع وسائل الاتصال كمجرم أطفأ الأنوار كي لا يرى جريمته أحد، وكي يقوم بقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف ويمنع طرق وصول فرق الإنقاذ.
إن مدافع العرب ما تزال مكفَّنة في أغمادها، تنتظر شهر رمضان كي تطلق ثلاثين إطلاقة على مدار الشهر، كي ينطلقوا الى مشاهدة المسلسلات والمسابقات والحفلات لحين الإمساك، وما يزال العرب يشترون ترسانة عسكرية بمليارات الدولارات سنوياً، وسلاحهم وتدريب جيوشهم في بلدان تعمدت الإساءة الى مفاهيمهم وقيمهم وقضيتهم، وقتلت وشردت وحاولت تحريف قيم أبنائهم، وما تزال مدامع العرب تذرف على فلسطين، وكأن دموعهم كمن تعرض لغاز مسيل للدموع يحاولون الهروب من مواجهته، وتنازلوا عن القضية حفاظاً على مكاسب شخصية نالت من كرامتهم، ومنهم مَن ساعد الكيان الغاصب بالمال والسلاح والدعم الإعلامي.
المدامع لا تنفع فلسطين حين تقف الصدور عارية بمواجهة الصواريخ والقنابل الفسفورية والمدافع، والبكاء لا ينفع وقد جفف حجم الضحايا المدامع، وفرض على الأحياء انتظار الشهادة فرحاً بأن يكون قربانًا لأرضه المغتصبة، وغرسًا لمقاومة وقوة تحررية، كلما زاد العدوان بطشاً تعمقت في صدور الرجال والنساء والاطفال، وبدأنا نشاهد من اطفال يقفون على ركام وحشية العدوان، ويرفعون علم بلادهم وشارة النصر، مُبشّرين بفجر جديد قادم وانتصار للدم على السلاح والوحشية وكل المطامع، وسيكون لصبرهم وتمسكهم بالأرض قوة تتجاوز الأسلحة الفتاكة والمدافع.
https://telegram.me/buratha