( بقلم : حسن حاتم المذكور )
التغييـر الذي حـدث فـي 09 / نيسان /2003 ’ كان عاصفـاً خلط الأوراق وغيـر المعادلات داخل المجتمـع والدولـة فـي العراق وكذلك المحيط الأقليمـي والدولي ’ التغيير لـم يأتـي نتيجـة لأنقلاب عسكري داخلـي او ثورة شعبيـة ولـم تسبقـه انتفاضـات جماهيريـة رغـم الجهـد النضالي الذي بذلتـه بعض احـزاب المعارضـة الوطنيـة والتضحيات الجسام التي قدمهـا الشعب العراقـي ’ ولـم يكـن تحريراً بـدوافع انسانيـة كمـا يتصـوره البعض . التغيير جـاء نتيجـة حـرب خططت لهـا وقادتهـا وانجزتهـا الولايات المتحأدة الأمريكيـة تطلبتهـا مصالحهـا الخاصـة ومخططاتهـا المستقبليـة فـي المنطقـة والعالـم وطموحهـا التاريخي فـي ان تمسك بعنق الأقتصاد والسياسـة العالميتين ابتـداءً مـن احتـواء الشرق الأوسط بشراً وثـروات ’ مـع تلك المصالـح والمخططات التقت رغبـة وحـاجـة العراقيون فـي ان يخرجـوا وبأي شكـل مـن عنـق الزجاجـة البعثيـة القاتلـة .العراق اليوم يقف امام مفترق الطرق تتحكـم فـي حاضـره ومستقبلـه عـدة ارادات مـؤثـرة .. اهمهـــا .
1 ـــ الأرادة الأمريكيـة : وخلفهـا قـوى دولية كبيرة وتملك اوراقـاً عالمية عراقيـة مصيريـة كثيـرة ’ تضغـط وتدفـع بأتجـاه ان يستسلـم لهـا العراق اقتصـاداً وسياسـة وجغرافيـة ’ لكونـه المؤهـل لأن يلعب دوراً رئيسيـاً فـي تحديد مصيـر المنطقـة برمتهـا ’ الأرادة الأمريكيـة مجهزة بأكثـر مـن ( 150000 ) مـن القوات المتخصصـة تمسك بهـا مقـدرات الأرض والأجـواء العراقيـة الى جانب شبكات سريـة متعددة واجهزة مخابراتيـة معقـدة تتحكـم فـي حـراك ومـزاج واهـواء الشارع العراقـي فـتـنــة وفوضـى وصـراعات واقتتال داخليــة .
2 ـــ الأرادات الأقليمية : وتتصدرها قـوى شرسة مـؤثـرة ’ كـدول الخليج وطليعتها السعودية وكذلك ايـران وتركيـا وسوريـا والأردن ومجمـل المحيط العروبـي ’ انظمـة تدافـع عـن مصائرهـا على الأرض العراقيـة ’ تضـخ الأمـوال والأسلحـة وزمر المخربين وشبكات التجسس وزرع الوكلاء والسماسرة ومنظـات واحزاب وتجمعات تمارس مختلف الأدوار ’ فتلك الدول متواجـدة خـراباً مخيفـاً فـي جنوب العراق ووسطـه وبغـداد وتحاول اختراق امـن اقليم كردستان ’ وتتواجد كذلك داخـل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمنطقة الخضـراء بالـذات ’ تمارس ادوارها فـتـن وتشويـة وفوضـى ونشاط مخابراتـي واعلامـي مـدمـر .
3ـــ ارادة القـوى التـي فقدت سلطتهـا ونفوذهـا وامتيازاتهـا ’ تعمـل الآن مستميتـة وبـدعم مـن امتداداتهـا القوميـة والطائفيـة مـن اجـل العـودة الـى ما كانت عليـه وبأي ثمـن ’ فأمـا ان تكسب العراق كمـا كان لهـا وحـدهـا او ان تخسـر نفسهـا وتصبـح مجـرد تاريخـاً اسوداً .
ان تلك القوى تضع كـل امكانياهـا واستعداداتهـا حــد الخيانـة الوطنيـة تحت تصـرف شياطين الشـر الأقليميـة والدولية مـن اجـل ان تستعيـد ما تستطيعـه حتـى ولو كان فضلات مـن التسلط ’ المهـم ان تهـزم العراق ليخسـر حاضـره ومستقبلـه ’ كي تضمـن مصيرهـا وتدفـع عنهـا المسائلـة عـن جرائمهـا البشعـة اذا مـا استعاد العـراق امنـه واستقراره وتمتـع القانون بسيادتـه ’ تلك القـوى المجرمة ارتـدت جمـيع الواجهـات ومنهـا القوميـة والطائفيـة والمذهبيـة وتغلغلت داخـل مفاصـل الدولـة ووجدت لهـا مـواقـع مـؤثـرة داخـل السلطـات الثلاثـة والمؤسسات الأمنيـة والسلك الدبلومـاسي والأجهزة الحكوميـة المختلفـة ’ كذلك دخلت طرفـاً مشبوهـا فـي العمليـة السياسيـة لتفـرض شروطهـا فـي المصالحـة الوطنيـة ( السياسيـة ) ثمنـاً مكلفـاً سيدفعـه العراق مستقبلاً .
4 ـــ الأرادة العراقيـة : التي تواجه ضراوة كـل تلك الأرادات غيـرالوطنية على صعيدي الدولـة والمجتمـع ’ تـواجـه اختراقات وتدخلات دول الجوار والنوايـا الدوليـة والأقليميـة غيـر الأنسانيـة ’ تواجـه الأرث البغيض الذي تركـه النظام البعثـي فكراً وتنظيمـاً وممارسات فـي مفاصـل المجتمـع العراقي ’ تواجـه النفوس الخـربـة ’ تربـة ضـارة لتفشـي الفساد والأختلاس والفـرهـدة والرشوة وتهريب ثـروات الدولـة وارزاق الناس ’ تواجـه مظاهـر المحسوبيـة والمنسوبيـة وتدميـر الكفاءات والأبداع والمبادرات الحيـة والثقافـة الوطنيـة بشكل عام ’ ومصادرة الأمـن والأستقرار وتدميـر افاق الأزدهـار والتطور واشعال حـرائق الفتـن والأحقاد والكراهيـة دمـاراً لأواصـر السلـم الأجتماعـي .
ايـن يجب ان يقف المثقف العراقي الوطني ... ؟ سؤال قـد يكون ساذجاً ’ حيث لا يمكن له ان يكون الا بجانب العراق والأرادة الوطنيـة والمستقبـل المشترك للنـاس ’ ولا يمكـن لـه ان يقف خارج حـراك التطورات والصراعات الجاريـة على الواقـع العراقي ’ ان لا يكتفي برؤية الجانب الأسـود والمظاهـرالسلبية مـن الحالـة العراقيه ’ ان لا يدعـي امتلاك الحقيقـة والصواب لوحده ’ ان لا يتدافـع مع غيـره ويتنافـس ويضغط مـن اجل ان يفسحوا لـه مكانـاً مـن كتف العـارق الجريـح ليستـأثـر فـي حصـة غيـر مشروعـة فالعـراق لا زال حيـاً ’ فالتسقيط والتشهير والشتيمـة امـراً غيـر نافعـاً ودوافعـه غيـر سليمـه ونتائجـه غيـر مثمـرة ولا يخـدم قضيـة على الأطلاق ’ وتأكيـد الذات وتحسين الصورة يجب الا يكون علـى حساب الغـاء الآخـر او تسقيطــه ’ فالمثقف الجيـد يصلـح دائمـاً ما يفسده السياسـي السيء ’ وهـو المرآة التي تـرى فيهـا الحقائق صورتهـا ’ والمثقف عليـه ايضـاً ان لا ينطق بمـا يحلـم بـه كمقياس او يعـمم مـا تقتضيـه مخيلتـه مـن امـور واحكام ووجهـات نظــر لا تتجاوز افـق مزاجـه ’ انـه مسؤول تاريخيـاً امام الحقيقـة والواقـع والأرادات النافعــة .
علـى المثقف الوطنـي الحريص ان يدرك : بأن العراق لا يمكـن اختزالـه بمجلس للوزراء او النواب الجمهوريـة او حكـومة فيهـا الصالـح والطالـح ’ ولا يمكـن النظـر الى مستقبلـه عبـر تفجيـر هنـا واخـر هنـاك او اختراقات وفوضـى امنيـة ’ او مختلس ومرتشي ومسـيء ’ عليـه ان يقترب مـن حالـة الحراك الحـي والتطورات الجاريـة وولادة الأصلح فـي عمق المجتمـع العراقـي ’ عليـه ان يتفائـل فهناك طاقات خلاقـة وآفاق مشرقـة ’ عليـه ان يتجنب اليأس والـذعر والشكوكيـة ونعـدام الثقـة بالأرادة العراقيـة ’ ويتجنب رشـق الآخرين بالأتهـامات والأدانات لمجـرد اثبـات الذات .
رغـم العثرات والأنتكاسات والهزائـم وحجـم المأزق الراهـن ’ فلا زالت الورقـة العراقيـة عصيـة على مـن يحاول ان يلعبهـا نهـاية مأساويـة ’ ومثلما هنـاك بين صفوف المثقفين الكثيـر مـن الخيرين والمخلصين المضحين ’ فهناك ايضـاً بين السياسيين فـي صفوف الحكومـة الراهنـة الكثير مـن الغيارى والوطنيين الحريصين والمدافعين عـن سيادة العراق ومستقبـل شعبـه ( وان خليت قلبت ) ’ وتلك جقيقـة لا يمكـن لمـن يتسكـع علـى التـل ان يراهـا كاملـة ’ فمـن يريـد ان يستعيـد ثقتـه بنفـسـه وبشعبـه ويسترجـع معنوياتـه ’ عليـه ان يبحث عنهـا فـي الشارع العراقي المزدحـم بالأرادات الحيـة والتحديات العاليـة والثقـة الراسخـة فـي المستقبــل .
تحيتـي دائمـاً للمثقفيـن الوطنيين المخلصين الثابتين علـى قيمهـم ومبادئهـم وقناعاتهـم والتزاماتهـم الوطنيـة والأنسانيـة حباً بعراقهم وشعبهـم والذي كلفهم الكثيـر مـن الصبر والمعاناة ’ احييهم واجلهم واحترم صبرهـم وعصاميتهـم ’ فأنهم الطعـم الذي يجعـل الحيـاة مقبولـة والطيف الذي يجعلهـا جميلـة ’ والـدولـة التـي لا تحتـرم مثقفيهــا ليس جـديرة بهـم ولا تستحقهـم اصلاً وللشعوب ذاكرتهـــا .
https://telegram.me/buratha