( بقلم : أ . د. حاتم جبار الربيعي مستشار ثقافي في الملحقية الثقافية/سفارة جمهورية العراق في الصين )
هل إن حضارة وادي الرافدين تنافست مع الحضارة الصينية في ملعب مدينة تيانجين مساء السبت الموافق 14/6/2008م فتجاوز الأمر أن يكون مجرد مباراة بين منتخبين وطنيين لكرة القدم ضمن تصفيات بطولة كأس العالم التي ستقام عام 2010 في جنوب أفريقيا ؟سؤال صعب حاولت أن تجيب عنه العديد من المؤشرات التي كانت سائدة في ملعب كرة القدم العملاق والبهيج , ووسط تلك الأجواء الرائعة إحتشدت الجالية العراقية ومن ضمنها الطلبة العراقيون الدارسون في الصين في ملعب مدينة تيانجين الصينية التي تبعد مسافة 150 كم عن العاصمة بكين لغرض تشجيع منتخب العراق لكرة القدم وقد إضطر معظمهم القدوم من مناطق بعيدة الى تيانجين قبل عدة أيام عبر الطائرات أو بالقطارات لمسافة تستغرق أكثر من اثنتي عشرة ساعة بين مدن سكناهم ومدينة تيانجين التي تقام بها المباراة، لقد كانت جموعهم تنشد للعراق ولمنتخبه الرائع حتى أن اعضاء المنتخب العراقي شعروا بأنهم داخل العراق رغم المسافة الشاسعة بين الصين والعراق وبين مدن الصين نفسها، وقد فوجئوا بهذه الحشود المخلصة التي حركها شعورها الوطني بتلقي تلك المتاعب بروح سعيدة ومبتهجة وقد ألهبت تلك الأناشيد والهتافات العراقية مشاعر اللاعبين وهذا ماذكره لنا مدرب المنتخب الكابتن عدنان حمد وبقية أعضاء المنتخب حتى ان اللاعبين أصروا أن يكافئوا تلك الجماهير بالفوز وتجاوز كل الظروف التي مروا بها أمام المنتخب الصيني وليكن إصرارهم على الفوز أكثر من إصرار الصينيين على إقتناص الفرصة الأخيرة للمنتخب الصيني، لقد كانت تلك الجماهير العراقية راقية في أخلاقياتها وسلوكياتها فقد أوضحنا لبعض طلبتنا ضرورة التقيد والإلتزام داخل الملعب لأنهم رسل العراق وسمعته حتى وجدنا بأن كل الحشود الهائلة كانت سلوكيتها رائعة وقد أعجب الصينيون بهذه الأخلاق الرفيعة وقاموا أحيانا بتشجيع العراق ومنتخبه وكيف انهم استذكروا الأشكالات التي حدثت مع مشجعي احدى الدول التي لعبت معهم مؤخرا وعلى نفس الملعب والتي تدخل جهاز الأمن والشرطة لحسمها ، لقد دخل منتخبنا الوطني بمعنويات عالية بعد أن حملتهم تلك الحشود العراقية المسؤولية الكاملة والإصرار على الفوز ودار الإلتحام الميداني بين المنتخبين وتأسفنا على عدم قدرة كابتن المنتخب يونس محمود على الأستمرار باللعب لأصابته السابقة في الظهر وخروجه المبكر من المباراة ، واقتنص المنتخب الصيني فرصته الأولى من ضربة غير مباشرة بتسجيل الهدف الأول حتى راهن كثير من مختصي كرة القدم قبل غيرهم بأن المبارة ربما تنتهي هكذا إلا أن الحشود العراقية استمرت بتشجيعها لمنتخبها وشعرت بأن هذا الهدف سيكون حافزا لمنتخبنا بالرد عليهم لأن الظروف الصعبة التي مر بها العراق جعلته يزداد صلابة وقوة تحت المحن ويظهر قوته الحقيقية وبعد صولات دفاعية وليس هجومية حقق المنتخب العراقي الهدف الأول ليقف كالجبل الصامد بوجه الهجوم الكاسح الذي شنه الصينيون وليكمل فرحتنا بالهدف الثاني في الشوط الثاني ولتستمر تلك الجالية العراقية بفرحتها وتشجيعها وليستمر الكثير منها بالدعاء الى الله بنصره منتخبهم وتحقيق الفرحة لهذا الشعب العراقي الصابر وقد تحقق ذلك وانطلقت تلك الجماهير العراقية في تيانجين الصينية بعد إنتهاء المباراة لتنشد للعراق ومنتخبه واختلطت الأصوات العربية والكردية والتركمانية و غيرها لتفرح بفوزها الذي حققته الأخوة الاصيلة الممتدة عبر آلاف السنين وكان مشهدا لايمكن أن ينسى أن تجد الصينيين يشاركوننا الفرح ويقدمون لنا التهاني حتى ان يرفع بعضهم الأعلام العراقية رغم إخفاق منتخبهم، وقد انذهل رجال الأمن والشرطة الذين أعدوا عدتهم وسط توقعهم أن تحدث مشاكل بين مشجعي المنتخبين حتى إنهم إتخذوا إجراءات إحترازية بتعطيل خروج الحشود العراقية بعد إنتهاء المباراة ليجدوا بأن كثيرا من الصينيين انتظروا خارج الملعب ليحيوا العراق وشعبه وقد أثبت الشعب الصيني بأن بلده بلد الحضارة العريقة ولايهمه إن أخفقوا كرويا أمام العراق صاحب الحضارة الرائعة التي يذكرونها لنا في كل لقاءتنا الرسمية أو الشعبية بأن كلاهما ساهما في خدمة الإنسانية من خلال تمازج حضارتيهما الرائعتين.
وفي يوم التوديع في مطار بكين ناشدنا أعضاء منتخبنا الوطني مساء يوم الأحد 15/6 المتوجهين الى دبي بأن فرحتنا ستكتمل عندما يحققون الفوز وليس التعادل على المنتخب القطري الشقيق في دبي لأنهم إجتازوا المراحل الصعبة ولم يبق الا تلك المباراة ليكحلوا عيون ومباسم العراقيين بالفرحة والبهجة وليستمر بطل آسيا بتمثيل القارة في نهائيات كأس العام لعام 2010 وهم جديرون بذلك .
https://telegram.me/buratha