( بقلم : كمال ناجي )
بعد يومين من إعلان مقتدى عن حل جيش المهدي و تشكيل خلايا مقاومة سرية جاءت الأخبار لتنقل لنا قرار التيار الصدري الانسحاب من الانتخابات التي يجري التحضير لها في عموم المحافظات العراقية لانتخاب مجالس محافظات جديدة وهذا القرار فاجأ أتباع مقتدى الصدر أكثر من غيرهم . فقد فهم أغلبهم أن الحل غير الرسمي لجيش المهدي و تحويله إلى ما يقرب من دور المنظمة السياسية و الثقافية ما هو إلا ثمن الاشتراك في الانتخابات المقبلة . و لكن هذا القرار الذي نقلته وكالات الأنباء أطاح بتلك التوقعات و لكن ما هي الأسباب المتصور حضورها للدفع باتجاه اتخاذ قرار المقاطعة ؟
نرى أن ثمة جملة وافية من الأسباب و الدوافع كانت وراء هذا القرار ويمكن حصرها بما يلي :
أولا : تأكيد إن حل جيش المهدي هو مجرد تكتيك و مناورة و لا تعدو القضية أكثر من إعادة هيكلة جديدة لهذه المليشيات و إضفاء طابع العمل السري عليها لتجاوز المرحلة الخانقة التي تمر بها حاليا . فخيار السلاح و العنف هو الخيار الأول و الأخير الذي يعرفه الصدر و يوقن تماما أن أتباعه لا يحسنون شيئا غيره و من يقف وراءهم خارج الحدود . فقرار الانسحاب جاء ليؤكد أن نهج مقتدى لم يتغير و ليس تشكيل خلايا صغيرة و متصلة به مباشرة سوى محاولة لإعادة التنظيم و تقويته و التواصل في ذات البربرية و الهمجية و اللغو السياسي المسلح .
ثانيا : الظهور بمظهر من لا يرغب في السعي لمكاسب سياسية و سنرى في الأيام القليلة القادمة ترديد عبارات تؤكد هذه المحاولة لرسم صورة المقاوم النزيه و الوطني المخلص كالقول أنهم لا يبحثون عن مناصب أو امتيازات و ما شاكل ذلك . و الواقع أنهم لا يبحثون عن هذه المناصب فعلا ما دامت تنتمي إلى إطار الشراكة و العملية الديمقراطية فالمطلوب هو مصادرة إرادة الجماهير العراقية فإما الاستحواذ على كل شي أو لا شيء بالمرة لأن اللاشيء يوفر لهم فرصة السعي بقوة السلاح و لغة العنف للاستحواذ على كل شيء كما يظنون تحت ستار مقاومة الاحتلال و ما شابه ذلك من شعارات زائفة .
ثالثا : تجاوز حالة الإخفاق المتوقعة بقوة و الهرب من حقيقة ستقرها الانتخابات المقبلة كون ما يعرف بالتيار الصدري لا يمتلك رصيدا جماهيريا كبيرا كما يدعون ، وهو ما سيزلزل كل ما يقوم على أساسه خطابهم السياسي و من هنا تبدو عملية المقاطعة ضرورية جدا و على جانب من الأهمية لأنها لن تمثل سوى الضربة القاضية و الرصاصة الأخيرة التي لا ترحم لتحيل التيار إلى جثة هامدة لا حراك لها .
رابعا : يقبل الصدريون على الثار لهزائمهم عن طريق القيام بعمليات اغتيال واسعة سواء لقادة او مراتب الجيش و الشرطة أو كوادر الأحزاب السياسية الوطنية بشتى مشاربها و اتجاهاتها وهو ما بدءوا به منذ أسابيع و يخططون للاستمرار به و لكن على وتيرة و نحو أكثر فاعلية ، وبلا شك فإن الانسحاب من الانتخابات سيخفف من ضغوط الاتهامات الموجهة لهم فالحجة لديهم أنه لا توجد دوافع لمثل هذه الأعمال لكونهم غير مشاركين في الحملة الانتخابية و لم يدخلوا معركة الانتخابات وهو ما يمكن بتصورهم أن يؤدي إلى اتهامات متبادلة بين القوى و الأحزاب التي أعلنت مشاركتها في تلك الانتخابات فيما يتفرجون هم من بعيد على نتائج ما قاموا به و الذي سيخلق في حال حصولهم و تمكنهم من القيام ببرنامج التصفيات و الاغتيالات تدهورا خطيرا للوضع الأمني وهو أقصى مراد الصدر و أتباعه لأسباب معروفة و لا حاجة لسردها هنا .
خامسا : يقين قاطع لدى مقتدى أو الجهات التي تحركه خارج العراق أن تياره لا يملك قدرات و كفاءات تمكنها من احتلال مناصب إدارية و سياسية و تدبير دفة الأمور و تسيرها على نحو مقبول و أن النأي و الهرب المخجل من معركة التحدي الوطني المتمثلة بالانتخابات هو ضروري لتفادي السقوط النهائي له و لأتباعه و فقدان تلك الشعارات الطنانة و الرنانة التي تكيل الاتهامات للحكومة المركزية و الحكومات المحلية على خلفية تدهور الخدمات و عدم توفيرها للمواطن و تجيير هذا الملف لمصالح سياسية واضحة ، وهو ما يعكس معرفة مسبقة بأن التحديات في هذا الجانب عديدة و بعضها يقع خارج إرادة الحكومات المحلية و عملية تأهيل البنى التحتية بحاجة لوقت طويل .
سادسا : فقدان الثقة بأغلب كوارد حزبه و عدم ضمان ولائهم له حين يصلون إلى المناصب كما حدث مع أكثر من نائب في البرلمان .
هذه الأسباب مجتمعة هي التي قادت لهذا القرار و سيثبت حقيقة ما نقوله قادم الأيام حين يتم رصد الوضع و الخطاب الصدري بدقة و تحليله بشكل موضوعي .
https://telegram.me/buratha