( بقلم : فالح غزوان الحمد )
بعد إعلان مقتدى الأخير عن تشكيل خلايا مقاومة خاصة تحت إشرافه المباشر قرئ هذا الإعلان كونه حلا بطريقة غير صريحة تماما لجيش المهدي وهو أمر دعا البعض للاستبشار خيرا و فسّر آخرون هذا الحل كونه لأجل انتخابات المحافظات القادمة انطلاقا من رغبة تجميل وجه التيار الصدري و محاولة كسب الناخبين لما هو معلوم من تدهور خطير في شعبية الصدر بسبب عصاباته الإجرامية و أفعالها الهمجية التي اكتوى بنارها الأبرياء .. شيوخ و أتباع لمقتدى الصدر أكدوا ذلك دون تردد في حين لم أكن كما أخمن أن غيري كثيرون لم يقتنعوا بهذا التبرير لسببين بسيطين الأول إن من شبه المستحيل تخلي رجل كمقتدى الصدر طواعية و من تلقاء نفسه عن المليشيات لكونه لا يرى لنفسه وزنا و لا ثقلا و لا تأثيرا دون التمترس بالمليشيات و أن نفوذه الذي فرضه خلال الأعوام السابقة لم يكن نفوذ المرجع السياسي ذي البرنامج الواضح الذي يقنع الجماهير بل هو نفوذ مافوي ترهيبي يرتكن بالأساس على قوة السلاح و مقدار ما يزرعه من خوف في نفوس المواطنين فيدفعهم للسكوت الذي يُفسَّر صدريا كونه ولاء و طاعة و تأييد .
و السبب الآخر هو معرفة الصدر و قياداته القريبة منه صعوبة محو الصورة السيئة لهم من ذهن الناس و تناسي جرائم عصاباته و انتهاكاتها الفاضحة بهذه السهولة و لمجرد أن قام بحل مليشيات جيش المهدي ليجري التصويت له في الانتخابات القادمة بل إن هذه الخطوة في حقيقتها تؤكد للجميع مسئولية مقتدى الشخصية عما كان يرتكب من فظائع بحق العراقيين و كذب ادعاءاته و المقربين منه كون ما يحدث من جرائم تستهدف الأبرياء ليست صادرة من مليشياتهم بل من عمل أجهزة مخابرات دولية و من الاحتلال و قوى أخرى تريد بزعمهم الإساءة إلى تيارهم .. فالبيان نفسه يحمل من الاعترافات الواضحة في هذا الصدد بما لا يمكن دفعه بأية حجة و ما لا يصعب فهمه على أي عاقل . المهم هو أن هذا الزعم و تلك القراءة سقطت اليوم بإعلان الصدريين مقاطعتهم لانتخابات المحافظات المنتظرة و ما يرسخ قناعة أن هذا التيار لا يملك على الإطلاق أي برنامج سياسي وطني يمكن التعويل عليه و ما زال مصرا على السير في ذات المنهج و ترسم خطا القوى و الجهات التي ثبت أنها لا تهدف لغير الإطاحة بكل منجزات العملية السياسية ما دامت لا توفر لهم الهيمنة و إقصاء الآخرين و الاستفراد بالعراق و العراقيين فهم ابعد ما يكونون عن التحلي بروح المشاركة و التداول السلمي الذي إذ لا مكان لهذه المفردات في قاموسهم . الحق أن هذه الخطوة هي مجرد استبدال جيش المهدي بمليشيا أخرى أكثر تنظيما و أشد خطرا على العراق حاضرا و مستقبلا و ما قضية المقاومة سوى شعار بائس لإضفاء قدر من المشروعية على هذا الجيش الجديد و الكل يتذكر أن مقتدى الصدر عند تشكيله لجيش المهدي كان قد ادعى نفس المدعيات من كونه جيش عقائدي يقاوم الاحتلال حتى بدون سلاح و حين تم تسليحه ادعى أنه غير موجه للعراقيين بل فقط للاحتلال و للاحتلال فقط فيما لاغ هذا الجيش بالدماء العراقية و سفك أنهارا منها ظلما و عدوانا و من مختلف مكونات الشعب العراقي . يمكن القول أن هذا الإعلان عن تشكيل خلايا خاصة للمقاومة المدعاة يهدف إلى :-
أولا : تدارك الانهيار السريع لمليشيات جيش المهدي بعد الضربات القوية و المؤثرة التي تلقتها خلال الأشهر الماضية .
ثانيا : محاولة التقرب من القوى المعادية للعملية السياسية و مد يد الدعوة إلى تحالفات معها بوجه الحكومة الوطنية و إعادة تقوية العلاقات مع العربان الذين حيوا في إعلامهم المشبوه و المغرض مقتدى على مواقفه الأخيرة من الاتفاقية في حين لم يجرِ تحية الحكومة التي اتخذت نفس الموقف الرافض لكثير من بنود تلك الاتفاقية .
ثالثا : اللجوء إلى أسلوب جديد في العمل المليشياوي يقوم على فلسفة التنظيم السري كما كان الحال بالنسبة للجيش الجمهوري الأيرلندي وترك خيار المليشيا المكشوفة التي لم تعد ذات فاعلية بعد تعاظم السخط الجماهيري عليها و الذي دفع باتجاه تعاون أقرب إلى المثالي مع القوات الأمنية لاعتقال عناصرها و إلقاء القبض عليهم و مصادرة مخابئ الأسلحة العائدة لهم .
رابعا : انتهاج هذا الأسلوب المشار إليه يلبي طبيعة العمليات القادمة التي يخطط لها الصدريون و التي تقع في مقدمتها عمليات التصفية و الاغتيالات و تفجير بعض المؤسسات حيث أنه مناسب جدا لإدارة و تنفيذ هذه الأعمال في حين يتقاطع نهائيا مع قضية " المقاومة " و أسلوبها و طبيعتها لا سيما في وضع تكون فيه القوات الأمريكية التي يفترض أنها المستهدفة هنا وفقا لبيان مقتدى الصدر في خارج المدن و ضمن قواعد عسكرية معززة بحماية مشددة لا يمكن اختراقها .
و بالتالي فإن التحرك ضدها سيكون لمجاميع مكشوفة بالنسبة للمواطنين و الأجهزة الأمنية في داخل المدن العراقية ما يرفع عنها صفة السرية وهو أمر يدركه مقتدى الصدر بوضوح و من هنا فهذه الحقائق كفيلة بتوضيح الصورة بالنسبة للقارئ الكريم و تثبت أن ادعاء تشكيل هذه الخلايا السرية لمقاومة ما اسماه بالمحتل ما هي إلا كذب صراح و محاولة تمويه مكشوفة . و المستهدف الحقيقي العراقيون لا غير و كل من يختلف و يناهض أعمال دهاقنة مكاتب الصدر و يعترض على ما يمارسونه أو مارسوه من قبل .
https://telegram.me/buratha