( بقلم : كامل محمد الاحمد)
ثمة مفارقات في عالم السياسة تحتاج في معظم الاحيان الى التوقف عندها طويلا، وتزداد مثل تلك المفارقات، حينما تكون الصورة غير مكتملة بما فيه الكفاية، او بعبارة اخرى تكون المرحلة انتقالية ومؤقتة.وقد شهدنا على امتداد الاعوام الخمسة المنصرمة بعد الاطاحة بصدام واحتلال العراق قدرا كبير من المفارقات المضحكة المبكية، والتي غالبا ما كان ابطالها ورموزها من المتخبطين في المسرح وغير المستقرين على حال، اما لان طموحاتهم وتطلعاتهم اكبر من حجمهم الحقيقي، او لان نواياهم سيئة وهم غير صادقين لا مع انفسهم ولامع الناس الذين يخاطبونهم ويسعون الى كسب ودهم وبالتالي كسب اصواتهم في أية منافسة انتخابية، او لان تقديراتهم للامور وقراءاتهم للواقع خاطئة وتفتقر الى الدقة والموضوعية والحكمة.
وقد يكون التحالف الذي ولد ميتا بين عدنان الدليمي واياد علاوي! بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الاولى واحدا من مفارقات المشهد العراقي بعد التاسع من نيسان 2003، وقد يكون خروج رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي من الائتلاف العراقي الموحد قبل الانتخابات البرلمانية الثانية لانه لم يقتنع بثلاثة مقاعد اعطيت له، وكان يفترض انه سوف يحصل على ستة مقاعد على الاقل حينما يخوض المنافسة بقائمة خاصة به، ولكنه لم يحصل ولا على نصف مقعد!.
ومن المفارقات ان يلجأ التيار الصدري الى توسيط اياد علاوي لدى الاميركان لايقاف عملياتهم العسكرية ضد جيش المهدي واقناع نوري المالكي بفعل نفس الشيء، علما ان التيار الصدري كان قد شن هجوما قبل عامين على علاوي بالاحذية وليس بالاسلحة حينما ذهب الى النجف ليروج لقائمتة الانتخابية، انتقاما منه لضربه جيش المهدي هناك عندما كان رئيسا للوزراء في عام 2004.
ومن المفارقات ان يغادر ابراهيم الجعفري، حزب الدعوة الاسلامية ذلك الحزب العريق عمرا ومواقفا وعمقا جماهيريا، وهو الرجل الاول فيه، ليبحث عن عنوان جديد، ويبحث له عن حلفاء جدد من هنا وهناك، ليقع بالتالي خياره على مجموعة من المفلسين!. فالمعلومات المتداولة من هنا وهناك تقول ان الجعفري تحرك على التيار الصدري وتحرك على احمد الجلبي وتحرك على اياد علاوي، ومن يدري ربما تحرك على عدنان الدليمي الذي غاب مؤخرا عن المشهد، ويبدو ان حملاته الطائفية ضد الصفويين الشيعة! اتعبته ولم تعود اليه بالنتائج المرجوة، ومن يدري ربما تحرك او يتحرك الجعفري على حارث الضاري المطلوب للقضاء العراقي، والحليف الرئيسي لتنظيم القاعدة والمشارك له في قتل العراقيين.
وقد كشف مؤتمر الاعلان عن تيار الاصلاح الوطني الذي نظمه الجعفري في بغداد الاسبوع الماضي عن مسائل عديدة منها، تخبطه وتشتته في الطرح، فهو من جانب يعلن عن ولادة تيار سياسي جديد ومن جانب اخر يؤكد انه ابن الدعوة وانه لم يخرج من الحزب، والملفت للانتباه ان الحضور السياسي للمؤتمر كان ضعيفا وبائسا للغاية واقتصر على برلمانيين من الكتلة الصدرية وحزب الفضيلة.
ولم يظهر في وسائل الاعلام ان جهات او شخصيات سياسية يعتد بها قد ارسلت برقيات تهنئة للجعفري بمناسبة اعلان تياره الاصلاحي الجديد، فقط نوابا من الكتلة الصدرية ولعل واحدا منهم هو فلاح حسن شنشل، قد باركوا او ايدوا تيار الجعفري، ربما لانه شن هجوما لاذعا على حكومة رفيقه في طريق الجهاد الطويل بحزب الدعوة وخلفه نوري المالكي، وربما لانه اعلن رفضه القاطع للاتفاقية العراقية-الاميركية، وربما لانه خدم التيار الصدري وجيش المهدي خلال فترة ترؤسه للحكومة الثانية، ورأوا ان يردوا له الجميل الان. وهم في تعاملهم مع احمد الجلبي الليبرالي الذي يعد مع خصمه وابن خالته اياد علاوي ابرز اصدقاء الولايات المتحدة الاميركية، قد ينطلقون من نفس منطلقات تعاملهم مع الجعفري، فالجلبي اصدر هويات للكثير من عناصر جيش المهدي والتيار الصدري بأسم لجنة الدعم الشعبي التي تعد احدى اللجان الساندة لخطة فرض القانون، والتي اوكلت مسؤوليتها للجلبي، وكذلك وزع اسلحة لهم بأسم اللجنة ووفر غطاء لتحركات البعض منهم، وهو يدري ويعلم علم اليقين انها مخالفة للقانون وموجهة ضد الحكومة.
ان عوامل وملامح الموت بدت واضحة على تيار الجعفري منذ اللحظات الاولى لولادته، هذا ان لم يكن قد ولد ميتا من الاساس، وستكون موتته شنيعة حينما يساهم فيها ويعجل بها انظمام التيار الصدري والجلبي، وربما علاوي، له!.
كامل محمد الاحمد
https://telegram.me/buratha