بقلم : سامي جواد كاظم
الباحثون والفقهاء والعلماء ممن تمسكوا بالثقلين كتاب الله وعترة نبيه محمد (ص) نراهم عندما يغوصون في بحور علوم واحاديث اهل بيت النبوة (ع) نراهم كل يبحث عن اختصاصه في علمه فالفقيه يبحث عن استدلالات فقهية في حديث المعصوم (ع) والمعني بالتاريخ يحاول ان يستكشف من الحديث حقائق تاريخية والاخلاقي يبحث عن الاخلاق وهكذا واغلب الاحيان نجد في الحديث الواحد للمعصوم (ع) اكثر من منحى نستفاد منه اجلا او عاجلا .المهم في حديث المعصوم (ع) نجد ما يطابقه او على غراره في الكتاب والسنة وبقية احاديث المعصومين الذين قبله او بعده وكأن احدهم يؤكد للاخر .
للحسين عليه السلام حزمة من الاحاديث والروايات التي لاتخلو من فوائد جمة الا انه كما قلت مرارا وتكرارا ان واقعة الطف وماساتها هي الطاغية على تاريخ الحسين (ع) ، واستكمالا لما كتبت عن ما استطعت ان اكتبه من احاديث ومواقف للامام الحسين عليه السلام جاء اليوم دور هذه الرواية :لما كان قبل موت معاوية بسنتين حجّ الحسين بن علي (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه، وقد جمع الحسين بن علي (عليه السلام) بني هاشم رجاله ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حجّ منهم ومن لم يحجّ، ومن بالأمصار ممّن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أبنائهم والتابعين ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين (عليه السلام) في سرادقة عامّتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين (عليه السلام) فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:أمّا بعد فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي اريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.
فما ترك الحسين (عليه السلام) شيئاً أنزل الله فيهم من القرآن إلاّ قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) في أبيه وامّه وأهل بيته إلاّ رواه، وكلّ ذلك يقول الصحابة: اللّهمّ نعم، قد سمعناه وشهدناه، ويقول التابعون: اللّهمّ قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه حتّى لم يترك شيئاً إلاّ قاله.ثم قال: انشدكم بالله إلاّ رجعتم وحدّثتم به من تثقون به، ثم نزل وتفرّق الناس على ذلك. ( كلمة الامام الحسين (ع) للسيد الشيرازي )
ثمار كثيرة ومختلفة في هذا الغصن الواحد من شجرة نبوة محمد (ص) فاول الحديث كان تاريخ الحج الذي حجه الامام الحسين عليه السلام عندما ذكرت الرواية انها قبل موت معاوية بسنتين أي سنة 58 هـ وهذا الوقت كان معاوية يعد العدة لغرض حشد التأييد والبيعة لابنه يزيد ، فكان الحسين حركة دؤبة على إفشال هذا المخطط فما من لقاء او اجتماع او حديث الا وذكّر الحسين (ع) بمن هو ومن هم ، فكان حجه هذا مع اهل بيته ومحبيه والصحابة وابناء الصحابة مناسبة للاجتماع بهم وتذكيرهم بمن هم اهل البيت (ع) فكان حديثه مجموعة التفاتات يجب الوقوف عندها وفهمها .
منها عبارة (فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني ) هل يمكن للحسين (ع ) ان يكذب ؟ !!مستحيل ومليون مستحيل الا انه استخدم هذه العبارة كما استخدم النبي محمد (ص) نفس العبارة في اية المباهلة (مَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران : 61] ) فعبارة لعنة الله على الكاذبين لا يعني تشكيك رسول الله (ص) في ما هو عليه من ايمان وتبليغ رسالة ، ولكن قوله هذا لانصاف الطرف الثاني من انهم سواء في طلب الحكم من الله عز وجل .والحسين (ع) كذلك طلب منهم وبكل حرية رده اذا ما كذب والعياذ بالله ولطالما يعلم الحسين ان هذا غير حاصل فعندها يكون عدم تكذيبهم الحسين (ع) هو شهادة منهم على انفسهم ولو حدث ان كذّب احد ما قاله الحسين عليه السلام فعندها سيكون هنالك رد من الحسين (ع) وترد الشبهة التي اثيرت .
وعبارة (اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ) هذا الامر هو التقية بعينه فالتقية هو كتم الحق حتى لايؤدي الى هلاك صاحبه اذا كان عصره كعصر معاوية الذي اشار اليه الحسين عليه السلام في بداية كلامه قائلا (أمّا بعد فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتم وشهدتم وبلغكم ) .
ولكن عاد الحسين عليه السلام وحدد من يجب ان يبلغوهم (من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، ) وهذا الامر هو الدعوة السرية بعينها ونفسها التي كان يمارسها النبي محمد (ص) في بداية البعثة عندما كان المسلمون في مكة يبلغ احدهم الاخر الايات النازلة على محمد (ص) . ثم اكد على نقطة مهمة وهي (فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ) فالتبليغ عن ماهية اهل بيت النبوة من اولويات المتمسك بالعترة المحمدية طبقا للحديث النبوي الشريف ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا ، وبطلبه هذا الحسين (ع) اراد ان يجعل شيعته هم الذين يكونون السبب في اظهار نور الله حتى لاتفوتهم الفرصة واذا ما تقاعس احد ما عن هذه المهمة فانه لايؤثر على النور المحمدي بدليل استشهاد الحسين (ع) بالاية الكريمة والله متم نوره ولو كره الكافرون ، ( سيظهر الحجة شئتم ام ابيتم ).الامر المهم الذي يجب ان نقف عنده ونتالم كثيرا او نبحث كثيرا ،حيث ان خطابة الحسين (ع) في منى تضمنت امور غاية في الاهمية والتي لم يصل الينا منها الا القليل وهذا سببه عدة عوامل منها الظلم الاموي والاهمال الاسلامي الا انه المؤكد فيه كثرة خطابات وتبليغات الحسين (ع) في سبيل نشر دين جده فما من مجلس او حديث او استفسار منه الا وذكر ما هم عليه من منزلة عند الله عز وجل .
فقد ذكر كل الايات التي نزلت في حقهم وذكر كل الروايات التي قالها جده رسول الله (ص) في حقهم وكل هذا وهم يقولون نعم سمعناه وشهدناه ، هذا الامر يذكرنا بحديث الرحبة للامام علي (ع) عندما آلت اليه الخلافة فجمع اصحابه ومواليه وغيرهم من المسلمين وحدثهم بحديث الغدير وكلهم يقولون صدقت الا بعض النفر فاصابتهم دعوة الامام علي (ع) لتكذيبهم او تدليسهم حديث الغدير .واكد في ختام حديثه بان يذكرون ما سمعوه منه الى من يثقون به وهذا تاكيدا وحرصا من الحسين (ع) على ارواح الحاضرين من البطش الاموي باستخدام التقية .
هنالك مواقف صلبة للامام الحسين (ع) ضد الطغاة الامويين منهم مروان وابن العاص قد يعتقد المسلم ان هذه المواقف لا تدل على ان الحسين (ع) كان يستخدم التقية وهذا امر مغلوط ، لان استخدام الرد والتقية يكون بمعايير اعرف بها الامام المعصوم وان التقية هي اصلا خوفا على شيعة ال البيت اكثر مما هي على ال البيت انفسهم فموقف ال البيت من طغاة عصرهم معروف بدليل تشريدهم وسجنهم ودس السم لهم ، فرواية الحسين (ع) تؤكد على التقية لحفظ عرض المسلمين من الهتك .
الامر الاخير هو ان الحاضرين لمقالة الحسين (ع) كانوا الف او اكثر في حين عندما قرر عليه السلام التوجه صوب الكوفة لم يخرج معه الا بضع عشرات حتى ان البقية التقوه على اطراف الكوفة او في الطريق فبلغ عددهم سبعين هذا امر يبعث على التساؤل .
https://telegram.me/buratha