( بقلم : عمار احمد )
يعد ملف مجالس الصحوة بنظر الكثير من المراقبين والمحللين للشؤون الامنية والسياسية واحدا من الملفات الشائكة والحساسة والخطيرة في هذه المرحلة، حتى ان البعض يصفه بأنه "اشبه بقنبلة موقوتة لانعرف وقت انفجارها". وحساسية وخطورة ذلك الملف ترتبط بجملة عوامل من بينها:
اولا:ان مجالس الصحوة تشكلت ومازالت تتشكل بأشراف اميركي بالدرجة الاساس ،مقترنا معه الدعم والتمويل المالي والتسليحي، والتنسيق الاستخباراتي، ودور الحكومة العراقية هنا ربما لايتجاوز دور الشريك او العنصر المكمل، وليس العنصر الاساس.
ثانيا: يشير ويؤكد جانب كبير من الاحداث والوقائع الى ان تشكيلات من مجالس الصحوات ارتكبت اعمالا اجرامية ضد مواطنين مدنيين في مناطق من العاصمة بغداد مثل الدورة والسيدية والغزالية والعامرية والدورة، ومحافظات اخرى كديالى والموصل، مثل القتل والاختطاف والتهجير، انطلاقا من اعتبارات طائفية، مما افقد تلك المجالس جزءا من مصداقيتها وجعل العوائل المهجرة والنازحة من مناطق سكناها تتردد كثيرا في العودة رغم التحسن الملحوظ في الاوضاع الامنية بشكل عام.
ثالثا:من الواضح ان عددا غير قليل من عناصر مجلس الصحوات كانوا ضمن صفوف تنظيم القاعدة الارهابي، وتنظيمات اخرى مثل الجيش الاسلامي، وكتائب ثورة العشرين، التي تشكلت بالدرجة الاساس من بقايا النظام الصدامي المقبور الذين كانوا يعملون في اجهزة الامن والاستخبارات والمخابرات والحزب وقوات الحرس الجمهوري والخاص وفدائيي صدام، وهذه التنظيمات ضالعة في واقع الامر بأرتكاب معظم العمليات الارهابية التي شهدها العراق طيلة الاعوام الخمسة الماضية.
ويقول ضابط اميركي كبير يدعى "لوف ان" يعمل في صفوف القوات الاميركية المتواجدة بمحافظة ديالى "ان ما لا يقل عن 85% من المتطوعين كانوا يعلمون مع تنظيم القاعدة، وانهم منجم من المعلومات الاستخباراتية بالنسبة لنا كونهم يعرفون كل شيء حول تحركات الارهابيين"!.
رابعا:هناك اختراقات خطيرة من قبل تنظيم القاعدة الارهابي واجهزة مخابرات دول عربية لمجالس الصحوات، وهذه الاختراقات هي التي ادت الى استهداف مقرات وشخصيات قيادية وعشائرية وتشكيلات لمجالس الصحوات او الجهات الداعمة والمساندة لها، وقد حصلت عمليات بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة، الى جانب عمليات اغتيال كثيرة اعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، ومن بينها اغتيال قائد مجلس صحوة الاعظمية العقيد رياض السامرائي عند مدخل مبنى ديوان الوقف السني بداية العام الماضي، حينما كان يهم بالدخول اليه، اذ جاء شخص قريب له من معارفه بحجة انه يروم مصافحته ليقوم بتفجير نفسه وهو يهز يده مصافحا اياه!.
وقد وقعت تلك العملية في وقت كانت العلاقات بين رئيس ديوان الوقف السني الشيخ احمد عبد الغفار السامرائي وما يسمى بهيئة علماء المسلمين برئاسة حارث الضاري قد بلغت نقطة اللاعودة حينما اصدر السامرائي قرارا بأغلاق اذاعة ام القرى التابعة للهيئة والتي كانت تتخذ من جامع ام القرى(ام المعارك سابقا) في حي العدل غرب العاصمة بغداد مقرا لها، وانهاء وجود الهيئة وهيمنتها على الجامع.
وتشير بعض الاحصائيات المتعلقة بالعمليات الارهابية التي وقعت خلال الاثني عشر شهرا الماضية في المناطق والمدن التي اصبح لمجالس الصحوات دور في توجيه الامور بها، الى ان اكثر من نصف تلك العمليات متورطة فيها قيادات او عناصر من مجالس الصحوات، علما ان البعض منها استهدف مقرات او مكاتب لتلك المجالس ومنتسبين لها، فالنزعات الطائفية لدى عناصر كثيرة ارغمتها الظروف على الانخراط في مجالس الصحوات، ناهيك عن العقليات الاجرامية التي تحملها، كانت ابرز العوامل التي ابقت حالة الاستهداف الطائفي بطرق واشكال واساليب مختلفة، وبنسب متفاوتة من مدينة الى اخرى، والحسابات والمصالح الشخصية والخاصة والضيقة، وبقاء الارتباطات السابقة للبعض، والعمل وفق اجندات ومشاريع ارهابية تخريبية، وهذه الحسابات والمصالح الشخصية والخاصة والضيقة، هي التي تؤدي الى تشكيل تكتلات وجماعات تتحرك وتعمل ضد تكتلات وجماعات اخرى في داخل اطر وهياكل مجالس الصحوات، بحيث ان عمليات التصفيات الجسدية لعناصر تتم بطريقة سهلة وبمخاطر قليلة بالنسبة للمخططين والمنفذين لها.
ويبدو ان تجربة مجالس الصحوات في محافظة ديالى هي الاكثر اختراقا والاكثر سلبية، وبقدر ما كان الوضع الامني سيئا للغاية في ديالى، بحيث ان الاستهداف الطائفي ادى الى قتل وتهجير اعداد كبير من الناس، وتخريب مساحات واسعة من البساتين، وتدمير بيوت وما الى ذلك من الجرائم، وكل ذلك لان عددا كبيرا من الجماعات الارهابية التكفيرية والبعثية وجدت ملاذا لها في تلك المحافظة مستفيدة من ظروف واوضاع وعوامل عديدة، منها وجود منظمة ما يسمى بمجاهدي خلق الايرانية المعارضة للحكومة الايرانية هناك. وعدم عودة القسم الاكبر من العوائل المهجرة والنازحة قسرا من ديالى وغيرها من المدن يؤشر بوضوح الى بقاء الاسباب والظروف التي ارغمت تلك العوائل على ترك منازلها وممتلكاتها.
وبعض الناس-او الكثير منهم-الذين هجروا يقولون كيف نعود الى بيوتنا، ونحن نشاهد الذين هجرونا وروعونا وقتلوا ابنائنا ونهبوا ممتلكاتنا يتحكمون بزمام الامور تحت عنوان مجالس الصحوات، اذ لم تتغير الوجوه ولا الافكار ولا السلوكيات، وما تغير هو الاسماء والازياء فقط.
ويكفي التصريح الذي نقلناه انفا عن الضابط الاميركي من ان "ما لا يقل عن 85% من المتطوعين في الصحوات كانوا يعلمون مع تنظيم القاعدة، وانهم منجم من المعلومات الاستخباراتية بالنسبة لنا كونهم يعرفون كل شيء حول تحركات الارهابيين" ، للتدليل على بنية تلك المجالس وطبيعة تركيبتها في ديالى تحديدا، وفي كل المناطق على وجه العموم، وكذلك للتدليل على نظرة الاميركان لها.
https://telegram.me/buratha
