( بقلم : د.خزعل فارس الجابري )
يسلم الكثير من المواطنين في محافظة ميسان بأن معاناتهم من سطوة المليشيات و تحكمها بكل صغيرة و كبيرة في مدن المحافظة قد طالت كثيرا و فاقت المعاناة اليومية تصور العديد ممن لم يكن يمر في خاطره أن وضع هذه المدينة الجنوبية التي يبدو أن قدرها لا يزال عالقا بلوحة غيبها ليستمر بتواصل عجيب و تناغم فريد مع ماضيها فهي على الدوام كانت كما لا تزال تعاني إهمال حتى وسائل الإعلام ، أقول إن وضعها اليوم يبدو مأساويا أكثر من أي قترة أخرى . و لعل أهم مقاطع السخرية الميسانية في نكبتها المستفلحة هي أن تكون كل مؤسسات الدولة هناك خاضعة للمليشيات و أن الدوائر الرسمية بدءا من المحافظ و انتهاء بمناصب المدراء العامين في الكثير من الدوائر ينتمون إلى جهة سياسية واحدة هي التيار الصدري ..
و يبدو أن المليشيات قررت أن تكون هذه المحافظة هي القلعة الحصينة و المعقل الأقوى لهذا أصبحت مأوى ينشده كبار القادة الفارين من العدالة في المحافظات الأخرى و لاعتبارات عدة منها أن نسبة المليشيات هناك كبيرة بالقياس لباقي المحافظات لاسيما الجنوبية و ثانيا الموقع الاستراتيجي الحيوي و الطابع اللوجستي لمناطق المحافظة فهي قريبة من إيران و مفتوحة على جزء كبير من مسطحات الأهوار و هذه الأمور يتم حسابها في مداولة ذهنية بسيطة لأي تحرك عسكري كبير من قبل الجيش و القوى الأمنية العراقية . و قد بدا إلى حد ما إن الحكومة تبحث عن أفضل الطرق لاسترداد المحافظة من حكم المليشيا و لكن حتى اللحظة لا يبدو أن قمة قول فصل قد تم طرحه بهذا الخصوص . خلال الشهرين الماضيين تركزت العمليات العسكرية الحكومية و بمساندة القوات المتعددة الجنسيات على عمليات إنزال جوي و اعتقال المطلوبين ثم الانسحاب وهي كما نظر إليها المحللون طريقة جديدة تتكل على الجهد ألاستخباري و تحاول الابتعاد عن حرب اجتياح مباشر لأن الوضع الميساني يمتلك خصوصية مختلفة كون المليشيات المسلحة هناك تسيطر على كل شيء تماما و تعضدها الحكومة المحلية التي هي مجرد واجهة سياسية للمليشيات و قد رأى البعض هذه العمليات كونها أقرب إلى الحرب الباردة التي يتم من خلالها استنزاف المليشيات على مستوى عناصرها القياديين بإلقاء القبض عليهم و اعتقالهم و هناك قوائم أعدتها السلطات العراقية بأسماء هؤلاء القادة و تم إلقائها من الجو على عدد من المناطق في المحافظة . و السؤال المطروح الآن من قبل أهالي ميسان قبل غيرهم هو : هل ستؤدي هذه العمليات إلى عودة الحياة الطبيعية إلي مدينتهم و تخليصهم من حكم مليشيا جيش المهدي أو أنها عمليات تمهيدية لصولة فرسان جديدة قد تجري في وقت آخر أكثر مناسبة كما تراه الجهات الأمنية و العسكرية العراقية ؟
يبدو أن هذه العمليات لن تؤدي إلى إرجاع المحافظة و استردادها من تلك العصابات المتحكمة بكل مظاهر الحياة السياسية و الاجتماعية و الإدارية هناك ، لأسباب موضوعية منها أن عدد القادة لهذه المليشيات عدد كبير و بعد إلقاء القبض على عدد منهم أخذ الآخرون كافة الوسائل الاحترازية و لا سيما أن الدوائر و المؤسسات الأمنية هي بأيدهم ما يجعل عملية إلقاء القبض عليهم أمر غاية في الصعوبة .
و كذلك فإن المليشيات حتى مع اعتقال كبار قادتها تمتلك الصف الثاني منهم الذين يعرفون ما يجب عمله بعد سقوط الصف الأول حيث سيحتلون مباشرة المكان الشاغر بأسرع من لمح البصر . على أن ثمة شيء مهم أثبتته التجارب السابقة و لا سيما في مدينة البصرة و الصدر و الديوانية و كربلاء و غيرها و يتمثل بأن انهيار هذه المليشيات لا يتم عن طريق اعتقال أو حتى احتواء القادة فيها بل بنزع ما يمكن تسميته " رعب المليشيا " و إسقاط " هيبة سلاحها " أمام الناس فلا يهم أن بقي من قادتها من ينبح هنا و هناك و من سلاحها ما تخبأ في هذه الزاوية أو تلك فكلاهما لا قيمة له حين يكسر المواطنون حاجز الرهبة منها و هو أمر لا يتم إلا بامتلاك الأرض من قبل القوات الحكومية و انتشارها الكثيف على مساحة المدينة . .. و هذان الأمران هما أيضا لا يتمان إلا بـ " صولة فرسان " جديدة ..
https://telegram.me/buratha